قبل فترة من اقرار الكنيست لخطة الفصل الأحادي، كان رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي أرييل شارون قد أعد التعديلات الأولية على خريطة الطريق الأمريكية للتسوية على المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي، آخذاً بعين الاعتبار مجموعة من العناوين الجوهرية التي تنسف الخطة، على ما فيها من مساوئ ، ولم تقف مسبحة التعديلات عند حدود ما قبل الحرب، فانتقل شارون آنذاك إلى طرح تعديلات إضافية تهبط بالخطة نحو الحضيض.
فالتعديلات الأساسية التي قدمها شارون على خريطة الطريق تزيد عما كان سبق أن تم طرحه قبل وفاة الرئيس عرفات، فغاب التصور السياسي الأمريكي للتسوية بحدوده الدنيا عند شارون وحلت مكانه «ثوابت صهيونية تامة» وعناوين جامعة لأقطاب وزارة شارون الائتلافية تقوم على رفض حق العودة الفلسطيني، ورفض المساس بـ«يهودية وصهيونية» المدينة المقدسة، في إطار «متروبلين القدس الكبرى» وكل ذلك مقابل ما أسماه شارون «تنازلات مؤلمة بصدد الاستيطان» ومقايضة هذا «التنازل» على حق العودة الفلسطيني، وزاد من اتساع فضاء رؤية شارون ما أدلت به كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية في زيارتها الأولى وتصويرها تفكيك مستعمرات في قطاع غزة، باعتباره المقياس والدالة على نوايا شارون الايجابية.
وفي الواقع الحالي، تشكل مستعمرات الضفة الغربية ما نسبته 91 % من مجموع المستعمرات المقامة فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وما نسبته 92,86 % من مساحة المنطقة العمرانية للمستعمرات إذا ما استثينا المستعمرات المقامة داخل وعلى محيط مدينة القدس. حيث تضم محافظة القدس أكبر عدد من المستعمرات وعددها 84 مستعمرة، كما أنها تضم المساحة الكبرى من حيث الأراضي الاستعمارية والبالغة 45615 دونماً، أي ما نسبته 56,14 % من مساحة المنطقة العمرانية للمستعمرات في الضفة الغربية ، لتكون نسبة مساحة المستوطنات بالنسبة لمساحة اللواء 5,76 في المائة في القدس، حيث أعلى ما يمكن قياساً للمدن والمحافظات الباقية في الضفة الغربية. ويلي محافظة القدس في ذلك محافظة نابلس التي بلغت مساحة المنطقة العمرانية للمستعمرات فيها 20638 دونماً ، أي ما نسبته 27,71 % من اجمالي مساحتها في الضفة الغربية ، ثم يلي ذلك محافظة الخليل. أما بالنسبة لمساحة المستعمرات بالنسبة لمساحة اللواء (المحافظة) فهي أعلى ما تكون في لواء القدس بنسبة 5,76 % ، ثم رام الله بنسبة 1,89 % ، ثم نابلس بنسبة 1,6% ، ثم بيت لحم بنسبة 1,4% . كما تضم القدس عدداً كبيراً من مستوطنات الفئة الأولى التي تزيد مساحتها على اكثر من 1500 دونم، كمستوطنات جيلو، عوفر ومعاليه أدوميم، هذا إضافة لمستعمرة جبل أبو غنيم التي قاربت على وشك الانتهاء. من جانب آخر، يمكن تلخيص وضع مدينة القدس الكبرى (الشرقية + الغربية) التي تقارب مساحتها ربع مساحة الضفة الغربية ، وتحديد الخارطة السكانية فيها وفق التالي : يعيش حالياً في إطار القدس الكبرى 1,125 مليون نسمة، 46% منهم يهود ونسبة 54 % من العرب الفلسطينيين. وثمة في حدود القدس الغربية المحتلة عام 1948 غالبية يهودية واضحة تبلغ 90%، غير انه يوجد في مناطق الضفة الغربية الواقعة في إطار القدس الكبرى (ضواحيها) غالبية عربية نسبتها 85 % . وحسب التقديرات الإسرائيلية وفق تقارير «معهد القدس لأبحاث إسرائيل». سيصل عدد سكان القدس الكبرى عام 2010 إلى حوالي 1,8 مليون نسمة، منهم 870 ألف يهودي أي ما نسبته 48% ، وما مجموعه 930 ألف عربي. ولكن مع كل هذا وذاك، فان الرضوخ الاسرائيلي، وتحديداً من قبل باني المستعمرات، وأبو اليمين العقائدي التوراتي لمنطق ما صنعته المقاومة والانتفاضة الفلسطينية على الأرض، ولمنطق الارادة الدولية التي اعتبرت الاستيطان الاجلائي التهويدي مخالفاً للقانون الدولي، يعبر في جانب هام منه على تراجع ولو بطيء في الفكر الفلسفي الصهيوني، القائم على تكريس الحقائق والتوسع، وعليه، ومن هنا فتفكيك المستعمرات في قطاع غزة مسمار أول في نعش الفكر التوسعي الصهيوني أيا كانت الحسابات. - (الشرق الأوسط 3 تشرين اول 2005) -