إن الحديث عن الفلتان الأمني هو المدخل لتبرير منهجية العمل الإستراتيجي التي تهدف الى سحب السلاح من أيادي عناصر المقاومة سواء كانت لبنانية أو فلسطينية ولكن الطرف الآخر عندما يتمسك بسلاحه فإنه يدافع عن وجوده وحماية وطنه ونفسه من المتربصين به من كل جانب هذا السلاح هو الذي مكن حزب الله من دحر العدوان وتحرير الأرض فلهذا وجدت القوى الإستعمارية أنه لايمكنها تمرير أي مشاريع لها في المنطقة إلا بعد سحب هذا السلاح.

ولهذا بدأ المخططون الإستراتيجيون في التفكير بالطريقة المثلى لنزع سلاح المقاومة اللبنانية والفلسطينية على حد سواء حتى يتمكنوا من تمرير مخططاتهم الإستعمارية والسيطرة على الشعوب لتمكين إسرائيل من تحقيق أهدافها التي تخدم مصالحهم في النهاية وليس غريباً على الدول الغربية أن تستغل أي وضع لتحقيق أهدافها في المنطقة والمحافظة على مصالحها.

من هنا بدأ التركيز على موضوع السيادة اللبنانية على أراضيها من خلال سحب سلاح المقاومة وهي الثغرة التي ينفذ من خلالها من يخطط لتحقيق هدف سحب السلاح للقضاء على الفلتان الموجود داخل المخيمات وفي البقاع وفي سائر لبنان ويبدأ بعض الكتاب بالترويج للمعاناة من وجود السلاح خارج المخيمات ثم داخلها.

ولكل مرحلة ظروفها وهناك مرحلة سابقة اعطت بموجبها الدولة اللبنانية الحق للفلسطينيين في المخيمات لأن يدافعوا عن أنفسهم بعد المذابح التي تعرضوا لها في لبنان وبقي الفلسطيني في المخيمات يحتفظ بسلاحه للدفاع عن نفسه وليس لإستمرار المقاومة أولتحرير الأرض وخصوصاً بعد دحر قوات الإحتلال من الجنوب اللبناني وفي ذلك الحين خلقت أزمة حول سلاح المخيمات وأصدرت السلطة التشريعية اللبنانية وبموافقة عربية عدة قرارات بعضها يناقض البعض الآخر حول وجود السلاح داخل المخيمات.

يبدوا أن الأوضاع السياسية اللبنانية الحالية تحتم على القادة السياسيين أن يتم إثارة موضوع السلاح الفلسطيني للدخول في معارك جديدة ضد المخيمات حتى يعطي الفرصة للقوى الأجنبية وإسرائيل أن تتدخل من جديد في لبنان لإجبار التنظيمات المسلحة والمدعومة من سوريا للخروج من لبنان وكذلك نزع سلاح حزب الله ونزع سلاح المخيمات الفلسطينية.

إن السلاح الفلسطيني الذي كان موجوداً أيام الحرب الأهلية اللبنانية كان سلاح متوسط وثقيل وتم الإتفاق على تسليمه الى السلطة اللبنانية على أن يحتفظ الفلسطينيون في مخيماتهم بسلاحهم الفردي، لريثما يصل الوضع في لبنان إلى مرحلة من الهدوء الكامل وتتوقف الاعتداءات الإسرائيلية على المخيمات، أو على الكوادر الفلسطينية وعلى المناضلين الفلسطينيين، وإن كان لهذا السلاح الدور الفعال في مؤازرة المقاتلين من حزب الله والمشاركة مع المقاومة الوطنية والإسلامية اللبنانية تحت راياتها حتى تم تحرير الجنوب اللبناني وطرد إسرائيل من المنطقة العازلة.

وطبعاً تعالت الأصوات الآن للتخفيف من معاناة الفلسطينيين في لبنان وبدأ الحديث عن القضايا الإنسانية التي كانت منسية لعقود، إذاً إثارة موضوع المشكلة الإنسانية لتصحيح القوانين اللبنانية أو لتنظيم نطاق عمل اللاجئين الفلسطينيين ولاسيما بعد خروج سوريا من لبنان والتي خرج معها حوالي نصف مليون يد عاملة سورية من لبنان وبالتالي لابد من تعويض هذا النقص من الأيدي العاملة اللبنانية والفلسطينية التي تقطن المخيمات البائسة.

وهناك قصص أغرب من الخيال قد لاتصدق ولكن من يكتب السيناريو هم واضعي التشريعات اللبنانية بخصوص اللاجئين الفلسطينيين ومنعهم من مزاولة العمل في أكثر من 70 مهنة ومنها أيضاً منع وصول مواد البناء الى المخيمات ومنها أيضاً إغلاق المخيمات لمنع أهلها من الدخول أو الخروج خلال ساعات معينة وهذه أول رأس قائمة الممنوعات بحق الفلسطينيين التي يطول سردها.

هنا لابد لنا من وقفة حول مساهمة الدور السوري في الضغط على لبنان من أجل منع الفلسطينيين من العمل أثاء وجوده على أراضيها ووجود العمالة السورية بجوارها حتى تتمكن العمالة السورية من القيام بالعمل في لبنان على حساب العمالة اللبنانية والفلسطينية هناك ولاسيما أن سوريا كانت مسيطرة على الكثير من قرارات الدولة اللبنانية بقوة وجودها العسكري هناك.

كان وضع العمال السوريين في لبنان وضع غير منظم ولاتحكمه قوانين ولكن يحكمه الوجود السوري الذي خرج من لبنان تحت تأثير ضغط القوى الدولية التي أرادت أن تلعب لها دور في الفراغ الناشيء عن الخروج السوري ودخولها كان بحجة التحقيق في مقتل الحريري ولهذا نجد أن قواعد اللعبة في لبنان قد تغيرت بعد مقتل الحريري وتصارع القوى اللبنانية المؤيدة للوجود السوري والمعارضة له والمؤيدة للوجود الفلسطيني والمعارضة له.

رغم كل ذلك مازالت القوانين اللبنانية بشأن الفلسطينيين بحاجة الى تنظيم فهي لاتعطي الفلسطينيين المتواجدين على أراضيها سوى حق الإقامة وتمنع قدوم أي فلسطيني الى أرض لبنان، وليس هناك قوانين تنظم أوضاع الفلسطينيين الاقتصادية، والمعيشية، والاجتماعية وهذا هو المطلب الفلسطيني الدائم على جدول الأعمال، الذين يأملون من السلطات اللبنانية أن تقدمه، بأن تقوم بتنظيم هذه القوانين التي ترعى أوضاعهم وتنظمها لا أن تتخذ كحجة لتبرير التصعيد والمواجهة مع الفلسطينيين لسحب سلاحهم من خارج المخيمات ثم من الداخل.

وعندما تفكر الدول وتبدأ في حل مشكلة اللاجئين لديها تجد هناك أطراف لاتريد أن تحل هذه المشكلة لأنها مستفيدة من وجود معذبين في الأرض ولهذا تعود الدول وتقتنع بأن مشكلة اللاجئين على أراضيها ليست مشكلة خاصة وإنما هي مشكلة تخص العالم بأسره ولهذا يبقى موضوع اللاجئين مجمد الى حين، وعندما تأتي الدول الغربية لمناقشة موضوعهم تأخذ بعض الدول العزة بالإثم وتقول إنها مسألة سيادة ولانرغب في التدخل في الشؤون الداخلية.

كثير هي القرارات التي صيغت لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وتنظيم أوضاعهم إبتداء باللجنة متعددة الأطراف التي نشأت عن مؤتمر مدريد للسلام ولكن القوى الخفية تلعب بالقضية ليبقى الحال على ماهو عليه الى وقت آخر أما حقوق الإنسان وأوضاع اللاجئين إنسانياً وإجتماعياً فليس من الأهمية بمكان وإن أثيرت قضية التوطين ثارت ثائرة القوميين وغيرهم أما أن يشاركوا في إيجاد حلول عملية لتحسين أوضاعهم فلا حياة لمن تنادي.

والحديث عن كيفية تطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 194 القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى فلسطين، ولكن لأسف نتحدث الآن عن موضوع التوطين، لأن هناك تقارير غربية وردت تقول: بأن هناك نوع من الضغوط تمارس الآن على بعض الدول العربية لتوطين اللاجئين في سياق تنفيذ عملية السلام في المنطقة.

ولغة الصحافة هذه الأيام في لبنان تقول إن الأرمن والمسيحيين والشيعة والسنة والدروز، كلهم يرفضوا توطين الفلسطينيين في لبنان وكأنه إنسان قادم من كوكب آخر والسؤال المطروح الآن هو من أين أتت ؟ جميع تلك الطوائف والتي تعتبر نفسها لبنانية الأصل فالأرمن في لبنان والأردن وسوريا وغيرها من الدول أصبحوا مواطنين في الدول العربية أما الفلسطيني فلا يجوز حسب رأي هؤلاء أن يشعر بأنه مواطن صالح في الدولة التي عاش فيها جل حياته أهذا هو المسار الوحيد لتحقيق الوحدة ؟.

ومن أهم مشاكل العالم العربي تتلخص في دور الحكومات التي تطبق قوانين الهجرة والجنسية البالية القديمة والتي تؤكد على هوية كل بلد وكأنه منفصل عن البلد الآخر ولهذا تفاوتت معدلات التنمية والدخل في كل بلد عن البلد الآخر ولو أخذنا العبرة بإندماج الدول الأوروبية في السوق المشتركة لوجدنا أن معدلات التنمية والدخل التي كانت متفاوتة قبل الوحدة أصبحت الآن متقاربة تماماً وهذا يعني تعادل وتوازن في الأنشطة الإقتصادية.

إن التقسيمات السياسية والمدعومة بنعرات جاهلية حذر منها الإسلام هي التي تؤكد من جديد على الضغوط الدولية السرية على الحكومات لتبقى متفرقة متنازعة فيما بينها لان الوحدة فيها قوة إقتصادية وسياسية وعسكرية وغيرها لهذا نجد أن أهم الأهداف التي تسعى إليها الدول الإستعمارية هي تفتيت هذا العالم المتوحد بنسيجه ودمائه ودينة وعقيدته.

هذه النعرات والمواقف الجامدة هي التي سببت للعرب التخلف الذي تعيش فيه حتى الآن وفي المستقبل لأنها تمنعه من تحقيق مستوى راق من الثقافة والحضارة وإذا نظرنا الى قوانين الجنسية في جميع الدول العالم المتقدمة وسهولة الحصول عليها وتمكين حاملها الإندماج في المجتمع ومن ثم المساهمة في تنمية الإقتصاد والدفاع عن الوطن الذي أصبح هو جزء منه، أما الأنظمة المتعلقة بهذه المسألة في الدول العربية لازالت تتمسك بالدعوات الجاهلية النتنة والتي مازالت تعشش في أدمغة بعض زعمائها السياسيين معارضين بذلك بعض قواعد الدين.

أنظروا الى إسرائيل وكم تستقدم سنوياً من اليهود لتوطينهم في بلاد العرب والمسلمين لتزداد قوة وصلابة في مواجهة الدول العربية حتى أصبح ميزان القوى العسكري والإقتصادي لصالح إسرائيل وهي تسعى الآن بكل جدية للتفوق الديموغرافي على جميع الدول العربية وسوف يتحقق لها ذلك إذا إستمر الوضع على ماهو عليه دون تغيير من الجانب العربي.

أنظروا ماذا تفعل كندا بالمهاجرين إليها من كل مكان لزيادة السكان فيها لأن أراضيها تستوعب الملايين من البشر والهدف هو الإستثمار في البشر والكل يعلم موقع كندا الإقتصادي والتنموي والحضاري ومعدلات التنمية فيها لأن من يصنع التنمية هو الإنسان ومن يستخرج كنوز الأرض هو الإنسان في الوقت الذي تعاني معظم الدول العربية من البطالة والفقر لأن الدورة الإقتصادية فيها غير مكتملة والعقلية السياسية والشعبية لازالت غير ناضجة بما فيه الكفاية فيما يتعلق بالمساواة وحقوق الإنسان.

أنظروا ماذا تفعل أستراليا بالمهاجرين إليها من كل مكان لإستيعاب أراضيها ومزارعها الملايين من البشر ومازالت معدلات التنمية فيها في إطراد مستمر وتعتبر من دول العالم الأول وليس العالم الثالث الذي مازال بعض أبناءه وزعمائه يفخر بجاهليته وتخلفه عن ركب الحضارة والثقافة بل وغير متمسك بأهداب الدين. (ايلاف 20 تشرين اول 2005) -