اذا كان الرئيس الباكستاني برويز مشرف قد اعتقد ان لبلاده مصلحة في انشاء روابط او اتصالات ديبلوماسية مع اسرائيل، او اذا كان قد اضطر لاتخاذ هذه الخطوة تحت ضغط اميركي، وبالأحرى بضغط من اللوبي الليكودي المتنفذ داخل ادارة الرئيس جورج بوش، وهو اللوبي ذاته الذي خطط للحرب على العراق واحتلاله، فلا بد ان من الصعب ثنيه عن اعتقاده ذاك، خصوصاً اذا كان يرى ان بلاده في حاجة ماسة الى المعونات المالية الاميركية. وقد كشف صحافيون باكستانيون ان مشرف تلقى في حزيران (يونيو) 2003 عندما زار واشنطن بدعوة من بوش وعداً بمساعدات قيمتها ثلاثة بلايين دولار على مدى خمس سنوات، اي بمعدل 600 مليون دولار سنوياً، مقابل الاعتراف باسرائيل.

لكن يبدو ان الرئيس مشرف، الذي أعلن وزير خارجيته خورشيد قاصوري أمس في اسطنبول بعد اجتماعه مع وزير الخارجية الاسرائيلي سلفان شالوم ان اسلام اباد قررت «الارتباط» ديبلوماسياً مع اسرائيل تقديراً لانسحابها من قطاع غزة، قد غفل عن بعد الحقائق والابعاد الخطيرة لقراره انشاء اتصالات رسمية مع اسرائيل في ما يتعلق بباكستان نفسها كذلك بحقوق الشعب الفلسطيني في وطنه.

ان هذه الخطوة الباكستانية تأتي بينما تمارس اسرائيل سياسة في منتهى العنصرية، وثمة مثال حديث على هذه التفرقة العنصرية عمره بضعة ايام فقط هو اعلان وزارة الدفاع الاسرائيلية انها لن تعطي تعويضات لأسر اربعة من فلسطينيي العام 1948 (عرب الداخل) قتلهم بالرصاص مستوطن يهودي فار من الخدمة العسكرية بدم بارد في حافلة باص في مدينة شفا عمرو في منطقة الجليل. وكانت حجة الوزارة الواهية ان التعويضات تدفع فقط لمواطنين قتلوا بأيدي اشخاص منتمين لتنظيمات ارهابية معادية لاسرائيل.

ثم ان الخطوة الباكستانية تأتي فيما تواصل اسرائيل بناء جدار الفصل العنصري في اراضي الضفة الغربية وتعمل على توسيع مستوطنات مثل مستعمرة «معاليه ادوميم» لتزيد من تجزئة الضفة الغربية وتقضي على اي أمل بامكان اقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات تواصل جغرافي.

وتصادف خطوة الرئيس مشرف هذه قيام اسرائيل بعزل القدس عن محيطها الفلسطيني بأطواق من الخرسانة والمستعمرات والحواجز العسكرية التي تقوم الآن بتحويل احداها الى معبر «حدودي» بين شمال الضفة الغربية والقدس الكبرى. وواقع الحال الآن ان الفلسطينيين في الضفة الغربية لا يستطيعون زيارة القدس او أداء صلاة الجمعة او أي صلاة في المسجد الاقصى.

ويخالف القرار الباكستاني المشؤوم وصية، بل طلب محكمة العدل الدولية في لاهاي من جميع دول العالم ان تمارس ضغوطاً على اسرائيل كي تهدم جدارها الفاصل وتعوض الفلسطينيين الذين تضرروا بسببه.

واذا كان مشرف قد تساءل: لماذا نعادي اسرائيل والفلسطينيون أنفسهم يجرون محادثات معها، فان الرد عليه هو ان الفلسطينيين يكافحون بكل الطرق المتاحة لهم ليستردوا أراضيهم التي احتلت في حرب حزيران (يونيو) 1967 ولا مجال أمامهم سوى الاحتكاك بعدوهم مغتصب أرضهم، خصوصاً وانهم يجدون الى جانبه ذلك العدو المارد الاميركي المنخور ليكودياً.

واذا كان مشرف اعتقد بان ترسانة باكستان النووية ستكون أكثر أماناً في ظل علاقات من اي نوع مع اسرائيل فان هذا وهم قد يصبح قاتلاً لأن اسرائيل لا يمكن ان يهدأ لها بال ما دام اي بلد مسلم يملك الخيار النووي.

ان بوسع الباكستانيين ان يوجدوا بدائل لاي معونات او قروض اميركية من الحجم الذي جرى الحديث عنه. وواضح ان الرئيس الباكستاني اختار الانحناء للضغط الاميركي من دون ابداء أدنى مقاومة. ومن المؤكد ان أي معونات او قروض أميركية ستصرف على الفور تقريباً، لكن ما سيبقى هو الاتكالية التي ستتركها في باكستان. وعندئذ سيغرق ذلك البلد المسلم الكبير أكثر وأكثر في مستنقع العلاقات البغيضة مع دولة ستبقى من دون شك في نظر ملايين الباكستانيين عدواً لدوداً. - (الحياة اللندنية 2 أيلول 2005) -