المفتش العام للشرطة، موشيه كرادي، والى جانبه القيادات المشرفة على اخلاء غزة وشمالي السامرة، العمداء اهارون فرانكو وحجاي دوتان، توجهوا أمس للمشاركة في مؤتمر الانتربول في برلين، ولتبادل المعلومات مع الشرطة الاسبانية في مدريد. هذه فرصة لفرانكو ودوتان لأخذ قسط من الراحة بعد الارهاق الذي تكبداه خلال عملية الاخلاء - إلا اذا تربص بهما أي مدعٍ عام محلي تابع للبرتقاليين (اللون المميز للمستوطنين) مطالبا باعتقالهما لقيامهما بطرد السكان من منطقة محتلة.

صرعة الاجراءات القضائية ضد أي شخص كائنا من كان وفي أي مكان كان يقرر أنهم مجرمو حرب قد تتدهور الى حد السخافة واللامنطق. في الظروف الاعتيادية يقع الجنود ورجال القانون في معضلة "أين تنتهي المسؤولية"، أي، في أي حلقة من سلسلة القيادة.

عشية الاخلاء عندما أعد في فرقة غزة مسلسل عمليات "القبضة الحديدية" لكبح الهجمات الفلسطينية على الاسرائيليين المنسحبين من مدنيين وعسكريين، تبين أن الجيش الاسرائيلي ليس أصيلا. الامريكيون استخدموا هذا الاسم قبلهم في العراق، وأوغندا استخدمته ضد قوات سرية كانت متموقعة في السودان. وفي شهر حزيران شنت الامم المتحدة في هاييتي حملة أسمتها "القبضة الفولاذية" ضد العصابات. الـ "واشنطن بوست" تحدثت عن قيام 1400 من "حراس السلام المدججين بالسلاح" باقتحام حي الفقر وقتلوا زعيم العصابة وستة من أتباعه وأصابوا خلال ذلك عشرات النساء والاطفال: احدى الرصاصات قتلت جنينا وهو في بطن أمه. حراس السلام هؤلاء قدموا من البرازيل والبيرو والاردن بمساعدة المروحيات الارجنتينية والتشيلية. البروانيين أفرطوا في مهمتهم وأطلقوا 5.500 رصاصة وقنبلة وقذيفة.

اذا كان هناك اسرائيلي - سابق يقطن في لندن وأصيب بالصدمة من ذلك فليتفضل ويقدم شكوى ضد كوفي عنان وقياداته العسكرية التي نفذت عملية القبضة الفولاذية في هاييتي. وفي نفس الوقت يمكنه أن يطالب بمحاكمة رئيسي هيئة الاركان السابقين من الجيش الكندي (جون دي تشستلاين وجان بويل) اللذان وُصما بفضيحة جرائم لواء المظليين الكندي في مهمة سلمية سابقة في الصومال حيث نكلوا بالمدنيين وفي حالة واحدة على الأقل قتلوا متسللا لقاعدتهم مطلقين النار عليه من الخلف خلال هروبه (وحسب شهادة أكثر إدانة تأكدوا من موته وهو ملقى على الارض). هذه الأحداث ليست وهمية سينمائية وانما هي اعمال حقيقية جرت على ارض الواقع.

المظليون الاسرائيليون والجنود الآخرون في الجيش الاسرائيلي وشرطة حرس الحدود تورطوا في جرائم حرب، ومن بينها قتل الأسرى - هذه العمليات التي يقوم الجيش بإخفائها وإبعادها عن جنوده الأغرار - ولكن ليس خلال الجيل الأخير على ما يبدو. حال جرائم الماضي التي كُنست تحت البساط ليس كحال التهم الوهمية للجرائم الجديدة. شجب قادة الجيش و"الشباك" في القرن الواحد والعشرين على اعتبار انهم مجرمي حرب كاذب تماما مثل "مذبحة جنين" التي لم تحدث. القتل الخطأ هو أمر طبيعي في الحرب بدءا من سفينة "ليبرتي" ومرورا بتساليم (ب) وانتهاء بقتل 14 مدنيا خلال اغتيال صلاح شحادة. العمليات القتالية جرت خلال الخمس سنوات الأخيرة بين اسرائيل وبين المنظمات الارهابية الفلسطينية المدعومة من حزب الله وايران والقاعدة. كل تفجير لباص مدني وكل قسام يسقط على سدروت وكل تركيز للعنف ضد المدنيين، هو جريمة حرب. المنطق القانوني الضيق المتفلسف في اسرائيل يتيح اصدار أوامر اعتقال ضد المتهمين بالضلوع في هذه الجرائم وتكليف القوات "لقتلهم أو ضبطهم"، حسب لغة بوش ورامسفيلد في سياق قريب آخر.

عرقلة السفر من اسرائيل ليست عقوبة فظيعة جدا - الامريكيون فرضوها فعليا على الاسرائيليين المسؤولين عن تفعيل جونثان بولارد في الموساد - ولكنها ليست عادلة في نفس الوقت. لولا أن رئيس هيئة الاركان السابق موشيه يعلون وسلاح الجو (من دون قائدهم دان حلوتس في هذه المرة حيث كان في الخارج) كانوا يؤدون واجبهم لضرب صلاح شحادة، لكان من حق العائلات الثكلى من عمليته التالية أن تقدم ضدهم دعوى لعدم قيامهم بواجبهم المنوط بهم، وقد كانت لدينا نماذج كثيرة من ذلك في المناطق - وليس كل ما هو ليس ذكيا ليس قانونيا ايضا. سائق سيارة الاسعاف الذي ينقل جريحا بالغ الاصابة للمستشفى ولكنه ينقلب خلال السفر السريع ويصيب عابرا بريئا يكون مسؤولا عن الاصابة، إلا أنه لا يعتبر مجرما. - (هآرتس 19 ايلول 2005) -