اللقاءات السرية بين بعض وزراء الخارجية العرب ووزير الخارجية الإسرائيلي إعترف بها سيلفان شالوم وزير خارجية إسرائيل التونسي الأصل بقوله "تشرفت بلقاء أكثر من عشرة من زملائي من العالم العربي والإسلامي, الأمر الذي كان لا يمكن تصوره قبل عامين فقط "!.
نعم.. آن الآوان لسيلفان شالوم أن يرفع من نبرة صوته بدعوة القادة العرب لكشف علاقاتهم مع إسرائيل جهراً, حيث إعتبر هو أن الجدار الحديدي بين إسرائيل والعرب والمسلمين بدأ في الانهيار, وضاعت المصداقية والهيبة, الأمر الذي جعله يكرر الدعوة بالإنضمام لتل أبيب التي ماتزال العلاقة معها (تحدث في الظل، وبعيدا عن الأعين), وذلك بغرض التحدث إلى الرأي العام عن السلام وليس عن الصراع وعن أسباب التعاون وأسباب المقاطعة. وطالما أن كل هذا يحدث في الظل فهو الإثم بعينه، إذ حاك في نفسك فخفت أن يطلع عليه الناس.
وهنا نقطة أخرى تسجل لصالح نجاح الدبلوماسية الإسرائيلية التي يقودها يهودي من أصل عربي تونسي وفي نفس الوقت فشل للدبلوماسية الفلسطينية التي لانعرف من يقودها حتى الآن. هل هو مندوب عن السلطة أم مندوب عن منظمة التحرير؟ وهل هو القدوة أم القدومي؟ ويعتبر هذا من أبسط أسباب الفشل, فالصراع مازال قائماً ولن ينتهي إلا بزوال أسبابه, وليس بالضرورة أن يزول بالسلاح وحده, وإن كان أطفال الإنتفاضة سطروا ملاحم البطولة بالحجارة.
االسؤال الذي يفرض نفسه, كيف تقوم إسرائيل بإقناع قادة الدول العربية والإسلامية لتدشين العلاقات العلنية فيما بينهم؟.
يجيب سيلفان شالوم بقوله إن إتصالات إسرائيل بالعالم العربي والإسلامي ستساعد في جعل الشرق الأوسط "منطقة تسامح وتعاون"، مما يعطي دفعة للمعتدلين ضد المتطرفين الذين كانت أعمال العنف التي يقومون بها هي التي تحدد الأولويات فترة طويلة.
نود أن نذّكر بأسباب الصراع العربي الإسرائيلي من جديد وهي إحتلال الأراضي والمقدسات العربية, وتهجير الفلسطينيين والعرب من أراضيهم, وإختلاف في الأهداف والنوايا والعقليات بين العرب وإسرائيل.
فما هي النتائج التي تحققت على الأرض منذ الإحتلال، وهل عادت الأراضي المحتلة الى أصحابها (مزارع شبعا اللبنانية, وهضبة الجولان السورية, والقدس والضفة الغربية)؟, وهل تنازل أصحاب الأرض عن المطالبة بها؟ وهل عاد اللاجيء الى أرضه؟ وهل تم تعويضه؟ إذا كان يقبل بهذا التعويض، وهل ذابت هويته بالتجنيس أو التطبيع أو التوطين؟ وهل تغيرت الأهداف والعقليات ليحدث هذا التقارب؟.
إذن: إعصار التطبيع فرض بالقوة من جانب إسرائيل وحلفاءها وقُبِل بالضعف والهوان من جانب العرب والمسلمين، إذ صدق الشاعر عندما قال: "وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غِلابا".
لماذا لايتغنى سيلفان شالوم طرباً بمعزوفة السلام المفروض بالقوة والمقبول بالضعف وهو يرى نتائج أعماله أدت الى تصافح رئيس باكستان برويز مشرف مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الملطخة يداه بدماء الأبرياء إبتداء بمذبحة صبرا وشاتيلا ومروراً بتدنيس المسجد الأقصى وإغتيال العديد من القادة الفلسطينيين وإنتهاء بعملية قوس قزح وأيام الندم في رفح.
هذا إنما يدل على قوة التحرك الدبلوماسي والتفاني والإخلاص الذي يقوم به سيلفان شالوم حيث التقى نظيره الأردني والتونسي بنيويورك، وقبل ذلك نظيره الباكستاني في تركيا, وكشف شالوم النقاب عن نيته عقد لقاءات أخرى مع وزراء دول عربية وإسلامية على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة دون أن يفصح عن أسمائهم.
وتقيم إسرائيل في الوقت الراهن علاقات دبلوماسية كاملة مع أربع دول هي الأردن ومصر وموريتانيا وتركيا، ولها مكاتب تمثيل تجارية في عدد من الدول العربية والإسلامية, وهي ليست نهاية أهداف سيلفان شالوم وإنما يسعى حثيثاً لمزيد من التقارب الى حد الوصول لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مقابل إنسحاب غير مكتمل من قطاع غزة.
زعيم عربي إجتمع مع شارون وركزا على مرحلة مابعد الانسحاب من غزة, فأعلنت إسرائيل أن علاقتها مع هذا البلد في تحسن مستمر لأن هذا البلد إتخذ قراراً إستراتيجياً بتعزيز العلاقات بين الطرفين, ولن يتم هذا إلا على حساب الطرف العربي الثالث المعني بالقضية واللاجئين الفلسطينيين الذين بدأوا مرحلة فقدان الأمل لأنهم فقدوا البصر من كثرة الرماد الذي ذر في عيونهم.
دولة عربية وإسرائيل تدعيان أنهما حققتا إنجازاً إقتصادياً بإقامة مشاريع مشتركة, أهمها بناء مطار مشترك على طرفي الحدود, ولكن ماهو الإنجاز الذي تحقق على مستوى القدس مثلاً أو على مستوى تحسين أوضاع اللاجئين ومخيماتهم في الشتات؟, اللاجئين في هذه الدولة يشكلون قاعدة سكانية عريضة من الممكن أن تدعم الإقتصاد الوطني بدلاً من الإعتماد على المساعدات الأجنبية.
وبعد كل ماتقدم يتضح جلياً أن هذه الإجتماعات واللقاءات لاتصب إلا في مصلحة إسرائيل سياسياً وإقتصادياً وعلى حساب الفلسطينيين واللاجئين الذي لايتعدى نصيبهم سوى التحذير من مخططات توطينهم وحرمانهم من حق العودة, ولهذا تؤكد القيادات العربية دائماً رفضها لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في بلادها وكأن الفلسطيني ليس من نفس الجنس واللون واللغة والدين وخلال سبع وخمسون عاماً ونحن نسمع عن التصدي لأي مخطط يهدف إلى حرمان الفلسطينيين من حق العودة وإقامة دولتهم المستقلة على التراب الفلسطيني كلمات حق أريد بها باطل وكأن هذه المخططات يقوم بها طرف آخر غير إسرائيل.
وتتوالى التصريحات والتحذيرات حول أي مخططات تستهدف إعادة رسم خارطة المنطقة, أو تسوية بعض القضايا التاريخية على حساب دول عربية أخرى ومن الإستخفاف بالعقول القول إن المواطنين من أصول فلسطينية يجب أن يكونوا أول من يتصدى لمثل هذه "المؤامرات" التي لا تستهدف الشعب الفلسطيني فحسب وإنما الدولة العربية التي يقيمون فيها, فمن هو الذي قام بمنحهم صفة المواطنة في ذلك البلد؟, أي سذاجة في تبني مثل تلك التصريحات في الوقت الذي يقابل من "يخطط وينفذ" تلك المؤامرات, ويفتح لإسرائيل السفارت والإقتصاد والحدود .
ومن تجارب ورؤى التاريخ ينبغي على العديد من الدول إعادة حساباتها بخصوص اللاجئين على أراضيها وقوة إعصارهم الديموغرافي الذي سيحدث بلا شك أثار سلبية غير متوقعة لن يجدي حينها الندم، ولن يسود التمادي في العيش من غير حذر، فالأعاصير والبراكين تحدث فجأة ويمكن رصدها ولكن لايمكن التنبؤ بآثارها السلبية.
ومن المعقول أن يقوم إقتصاد دولة ما على المساعدات والمعونات ويتشكل أكثر من نصف مواطنيها من عرق الأغلبية وحوالي الربع من لاجئين، وما تبقى من عرقيات مختلفة لابد أن يكون وطناً بديلاً لعرق الأغلبية طال الزمان أو قصر ولن تنفع كافة الإجراءات المتخذة من التصدي لهذه التحديات التي ستفرضها عاجلاً أم آجلاً قوة إعصار الديموغرافيا الذي لاتفيد معه قوة الدول العظمى. -(التجديد العربي 29 ايلول 2005)-