"نظرية المؤامرة تزدهر في حدائقكم، أليس كذلك؟" يقول دبلوماسي غربي مخضرم ونحن نتناقش، قبل أيام، حول موقف الغرب عموماً وواشنطن خاصةً، إزاء فوز "حماس" الانتخابي الكاسح0 ويضيف: دعنا نحدد الموقف هذه اللحظة، هناك امتحان دولي يجري الآن يتم فيه امتحان أهلية "حماس" لنيل القبول والاعتراف، أوافقك أن "الاسئلة" الدولية صياغة إسرائيلية وأتفهم الإحباط تجاه سياسة ممالأة إسرائيل والكيل بمكيالين، ولكن دعني أشير إلى أن هناك عيوناً وآذاناً تراقب إجابات "حماس" في امتحانات أخرى0

ويضيف: إذا كانت جماعة "الإخوان المسلمين" ترى في فوز "حماس" فرصة تاريخية أولى لها في المنطقة العربية لممارسة الحكم وبناء "دولة الإسلام" رغم الواقع المعقد والخاص لأرض التجربة، فإن دوائر عديدة في الغرب تريد فحص إجابات "حماس" عن أسئلة أخرى. كثيرون منا يعتقدون أن الحركات الإسلامية العربية ليست من المغرمين بالديمقراطية بل أنها تؤمن بصناديق الاقتراع لمرة واحدة فقط تتيح لها الوصول إلى السلطة، وكثيرون منا يعتقدون أن هذه الحركات تفتقر لقدر كاف من التسامح إزاء الأقليات الدينية، وأن تشددها وطابعها الاجتماعي والثقافي المحافظ سيقيد قدرة المجتمعات العربية على التقدم"0 ويخلص إلى القول في نهاية الحديث: إذا كان نجاح "حماس" في الإجابة عن متطلبات القبول سيفتح أبواب اعتراف وحوار سياسي معها ، فإن إجاباتها عن الأسئلة الأخرى ستلعب دوراً بارزاً في صياغة الاستراتيجية الغربية نحو موضوع محدد: هل بالإمكان أن تندمج حركات الإسلام السياسي في منظومة الحكم في الدول العربية بما في ذلك "قبول" و"تقبل" الغرب لأن تحكم هذه الحركات عواصم عربية؟0

ومن المؤكد أن هذه الامتحانات المتعددة تفاقم من الصعوبات الماثلة أمام الحكومة الجديدة، وكان الأسبوعان الماضيان بمثابة "دورة مكثفة" للوزراء الجدد لاستيعاب حقائق الواقع الظالمة، وإدراك كم هو العالم "معولم" في قسوته وظلمه ولا أخلاقيته، وتبيُّن الهوة الواسعة التي تفصل بين مجانية الشعار المعارض والتكلفة الباهظة لسياسات الحكم0 لقد تهاوت الآمال أو "الأوهام" بدعم عربي يتجاوز الشروط الدولية، ولم نعد نسمع من يبشرنا بالمدد القادم من إيران "النووية"، ولم يعد أحد يدعي أن كل شيء سيكون على ما يرام، وفي حين برزت بعض الإشارات "المتلعثمة" في تصريح هنا ورسالة هناك تقترح استعداداً لتقديم إجابات صحيحة فقد تم نبذها والتراجع عنها قبل أن تخفت أصوات قائليها0 قد يراهن البعض على حقيقة أكيدة تقول إن العالم، واسرائيل أيضاً، لن يسمحا بانهيار كامل للسلطة0 وقد يراهن البعض، وهو على حق، أن العالم لن يسمح بوصول الوضع الاجتماعي إلى حافة "المجاعة" و"الفوضى" و"الكارثة الإنسانية"0 غير أن السؤال هنا هو: وماذا بعد، هل تخوض حكومتنا هذه المعركة باهظة التكاليف وهي مقتنعة بأنها قادرة في نهاية الأمر على تغيير قرارات الشرعيتين العربية والدولية؟ وهل هدف معركتنا إنقاذ الحكومة أم إنقاذ الوطن؟0

ونقول إن واجبنا يحتم أن نقف مع حكومتنا بقوة ضد هذا الحصار الظالم دون أن يمنعنا ذلك من التساؤل عن قدرتها، بتركيبتها وبرنامجها، على مواجهة "التصفية السياسية" التي تعدها إسرائيل للإجهاز على القضية والحقوق الفلسطينية؟ من حق الحكومة أن تطالب مواطنيها بالوقوف معها ووراءهاضد الحصار، ومن واجبهم القيام بذلك، غير أن من حق المواطن على حكومته الشرعية المنتخبة أن تجيبه، دون مراوغة أو تلعثم، على سؤال واحد في الامتحان الشعبي وهو الأهم بين جميع الامتحانات الإقليمية والدولية: لماذا؟ وإلى أين مِن هنا؟.

جريدة الأيام (16/4/2006).