كانت فتح ولا تزال ضد أدلجة الصراع مدركة لما في ذلك من عقبات تعترض طريق نضالنا لتحرير أرضنا واستعادة حقوقنا آخذة بعين الاعتبار ما للتركيبة السكانية في فلسطين من أبعاد وما لفلسطين كوطن وتاريخ من مكانة بالنسبة للعالم فهي التي طالبت بدولة علمانية يستظل برايتها المواطنون على اختلاف مشاربهم.

ولكن هذا المطلب قوبل بتعنت صهيوني أعمى يؤمن بدولة النقاء العرقي مرتكزا على القوة في تحقيق أهدافه مدعوما من قبل قوى عالمية وجدت ضالتها في هذا الشعار وذلك لتحقيق مصالح لها في هذه المنطقة .

لم تواجه فتح صهيونيا فقط بل ووجهت باسم القومية والإسلام في آن معاً ، فالقوميون أقاموا الدنيا ولم يقعدوها عندما ظهرت فتح على ساحة النضال الفلسطيني فعهروا أفكارها وشككوا في توجهاتها كما أن الإسلاميين واجهوا الفكرة بالتقزز والازدراء متهمين قادة الفكر الفتحاوي بالعمالة و العلمانية والانبطاح !!.

حملت فتح السلاح وفتحت ذراعيها و احتضنت كل المناضلين على اختلاف توجهاتهم وانضم تحت لوائها من ألوان الطيف كل من امن بأفكارها كحركة تحرر وطني تمثل كافة قطاعات الشعب بأهدافها النبيلة وأفكارها السامية .

حمل القوميون السلاح بدايةً كما أجبر الإسلاميون على حمله مؤخرا أملا في أن تقود الايدولوجيا الساحة الفلسطينية ولكن فتح بقيت وستبقى محورا يدور في فلكها الجميع .

سقطت القومية أو أسقطت بأفكارها نظرا لما واجهته من تحديات عالمية عملت كل ما في جهدها لتحطيم هذا الفكر بتقاطع مصلحي مع الفكر الديني المناوئ للقومية كأساس للوحدة ، أما الآن فالعمل جار على قدم وساق لإسقاط الإسلاميين بتحالفات دولية لا قبل لهم بها ، فما عليهم إلا تغيير لغة خطابهم السياسي وعودتهم إلى جادة الصواب. علما بأن ذلك لا يعني ترك الدين كمقوم فاعل في طبيعة الصراع وإنما تغيير الأسلوب في إدارته.

على الإسلاميين السياسيين قراءة النتائج التي تمخض عنها فوزهم في الجزائر وكذلك في أفغانستان على أن لا ينسوا التجربة السودانية وما تواجهه من صعوبات ، عليهم أن يطرحوا التساؤل : هل يكمن الفشل في الإسلام كمنهج أم أن مشكلته تكمن في حامليه كشعار ولا يجيدون فن استعماله كمبدأ ؟

إن المدقق في سلسلة الاغتيالات التي قامت وتقوم بها إسرائيل منذ وجودها حتى الآن يلاحظ مدى نقمتها ومن يدعمها على حملة الفكر الفاعل أياً كان اتجاه هذا الفكر، فهي التي قامت باغتيال مؤسسي الفكر الفتحاوي أمثال أبو إياد وأبو جهاد وأبو يوسف النجار وكمال عدوان إلى أن وصلوا لياسر عرفات ، كما قامت باغتيال الشيخ أحمد ياسين ولم يكن بيده رشاشاً ، كما اغتالت الدكتور عبد العزيز الرنتيسي أعزلاً ، وقامت بتصفية أبو علي مصطفى كأيديولوجي منفتح أكثر منه مقاوماً لدوريات الاحتلال.

كل ذلك للقضاء على مؤسسي الفكر الذين تخشاهم إسرائيل أكثر من حاملي الأسلحة مدركة أن قادة الفكر أشد خطورة على وجودها من المتفجرات وحامليها.

لنأخذ العبرة من التاريخ ، حيث لا يقوض ما تشيده الأمم من حضارات إلا الاندحار عن مناهج وضعها المؤسسون ، وذلك عبر فلسفات جديدة باسم التجديد تارة أو انقلابات تعمل على هدم منجزات شعوبهم والارتداد إلى مربعات البناء الأولى تارة أخرى.

فالنتيجة إذن هي أن الخطأ لا يكون في المنهج بقدر ما هو كامن في الخروج عن أبجدياته الأساسية.