في غضون عقدين من السنوات فقط، باعت فرنسا، الأم الحنون للبنان ابنتها مرتين، الأولى لسوريا والثانية لإسرائيل...فعن أي "حنان" يتحدث هؤلاء، وأية أمومة تلك التي تسمح للأم بتقديم ابنتها على مذبح الحسابات الآنية الرخيصة.

في العام 1990، وبينما كانت الولايات المتحدة في ذروة التحشيد والتعبئة لطرد العراق من الكويت، تقدمت فرنسا والولايات المتحدة "بمشروع قرار مشترك"، ليس إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة، بل إلى دمشق ورئيسها الراحل حافظ الأسد، يومها نصت الصفقة على تقديم "رأس العماد ميشيل عون" وحكومته العسكرية إلى سوريا مقابل انضمام الأخيرة إلى تحالف "حفر الباطن"، ودخل لبنان بعد ذلك حقبة مديدة من "الوصاية السورية" التي لم تتضعضع إلا في أعقاب جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط من العام الماضي.

وفي العام 2006، وبعد ثلاثة أسابيع دامية من الحرب الإسرائيلية المجنونة التي أكلت الأخضر واليابس في لبنان، بدا أن فرنسا، الأم الحنون، تتحرك بوازع من تأنيب الضمير، فتبنت مواقف متباعدة عن واشنطن، ونشطت في سبيل وقف فوري وشامل لإطلاق النار، وحذرت من مغبة تدمير لبنان، وانتقدت الهمجية الإسرائيلية البربرية عليه، لكنها في نهاية المطاف عادت للاصطفاف في "حفر الباطن – 2"، وقدمت لبنان مرة أخرى قربانا على مذبح مصالحها الأنانية الخاصة، وقبلت ببيعه لإسرائيل وحكومة أولمرت، وأدارت ظهرها للسنيورة ونقاطه السبع، وسلّمت من دون قيد أو شرط بكل مطالب إسرائيل.

بتورطها المتحمس في مشروع القرار الأمريكي، الذي حمل زورا اسم "مشروع القرار الأمريكي الفرنسي"، تكون فرنسا قد برهنت على أنها تتصرف بوحي من حساباتها ومصالحها وربما "عقدها"، وليس بما تمليه عليها "عاطفة الأمومة الكاذبة"...ففرنسا تريد العودة للبنان من بوابة القرار 1559 والقوات الدولية، لكأنها تشتاق إلى زمن "الانتداب" وتفتقد إليه...وفرنسا تسعى في تصفية حساباتها وأحيانا "عقدها" مع سوريا وحلفائها في لبنان...وهي – أي فرنسا – تريد تكسير عظام حزب الله باعتبار ذلك مدخلا وشرطا لتحقيق أهدافها، ولأنها عاجزة عن فعل ذلك مباشرة، أو من خلال ائتلاف الرابع عشر من آذار، فلا بأس أن تقوم قوات النازيين الجدد في تل أبيب بهذه المهمة نيابة عنها، لتعود هي في نهاية المطاف إلى قطف الثمار وحصد النتائج.

أكذوبة الحرص الفرنسي على لبنان، سقطت على مذبح "مشروع القرار الأمريكي – الفرنسي"...وزيارات المسؤولين الفرنسيين المتتالية لبيروت، لم تكن أكثر من رأس جسر لعودة النفوذ الفرنسي إلى لبنان تحت ستار من كثيف من دخان الإدعاءات الزائفة والحرص المضلل، ففرنسا التي دفنت منذ زمن جنرالها الأشهر ديغول، تعود اليوم لدفنه مرة أخرى، والاصطفاف خلف محور بوش – بلير. - مفتاح 8/8/2006 -