فليسمح لنا السيد "الشيخ" الذي ترك لبنان تحت القصف والعدوان بجملة شهيرة أطلقها عن "وقت الحساب" و مُطلقا العنان لبعض الاقزام التي تستخدم شبكة الانترنت لتستبيح كل القيم الوطنية مقيمة حفلات الشتم والطعن بالعروبة والمقاومة أملين بانتصار عدو بلدهم على فئة من شعبهم باسم "تيار المستقبل".. فليسمح لنا سعد أن نتوقف قليلا معه في حدود الكياسة التي لم يتحلى بها لا هو ولا كل الداعمين له من دول وقوى معروفة في المنطقة... إذ ليس من المنطقي ولا بالشعارات التي تذرف دموعا كاذبة على الوطن المقروء في ذاكرة أمثال سعد كعزبة يملك ما عليها وما فيها...

فجأة أطل علينا سعد ليقرأ متلعثما ومن فم يقول شيئا وعقلا يفكر بأشياء أخرى من ورقة كتبها أحدهم فسقطت منها عمدا كل الجرائم والمذابح التي ذهب فيها كل هؤلاء الاطفال، مكتفيا مثل بقية الانظمة العربية التي تريد أن تخبرنا بأن إسرائيل عدوا لنا وكأننا جهلاء لا نعرف مقصدهم و ليقدم نفسه وكأنه هو الذي صنع ودعم مقاومة لبنان لتلك الهمجية الصهيونية متناسيا أن للناس ذاكرة لا يمكن أن تنتهي بمجرد أن يجتر أحدهم خطابا لم يمر على نقيضه شهرا ...

فإذا كان الرئيس السوري قال ما يدور في الشارع العربي فهل يمكن للشيخ أن ينفي أمنيات هؤلاء الحكام، الذين تحالف معهم، بإعادة الدرس العراقي بأن تحل الهزيمة بالمقاومة العربية التي عرت هؤلاء الحكام والقوى التي تتربص باسم العقلانية والواقعية ليحل الانبطاح والاستسلام لقدر أمريكي إختاروه لأسباب لا داعي الان لتفصيلها؟

لقد أخطأ الشيخ سعد خطأً فادحا حين لم يفهم بأن بلده قد خرج منتصرا رغم أنف القنابل "الذكية الامريكية".. أخطأ حين إعتقد بأن لأمريكا القاتلة في العراق وفلسطين لا يمكنها أن تكون ملاذا إلا لمن إتبع خطها ريثما تحقق مشاريعها لتركله كما ركلت غيره.. أخطأ الحريري حين أراد أن يبيع الشعب السوري مواقفا في الوطنية والقومية... فالمتباكي على أطفال غزة لم يقل لنا ماذا يفعل قرار أبيه بحق المخيمات الفلسطينية على الاراضي اللبنانية... وهو الذي يدعي الاكثرية ، بل ماذا فعل بالخردقة الاستخبارية الصهيونية عبر شبكات الموساد التي صالت وجالت وقتلت ما قتلت قبل أن يكتشفها الجيش اللبناني بعد إغتيال المجذوب في صيدا..

حين يتحدث سعد الحريري عن حرب الاخرين في لبنان، وقد ذكر غيره في السابق مفردة حرب الغرباء، فأي تاريخ يعرفه عن لبنان هذا الذي جمع بالمال السياسي من صفق له وأبدى الاعجاب وهو يطلق النار الشاتم ضد الرئيس السوري والموقف السوري الذي لم يقل كل الحقيقة لاعتبارات تعود للسوريين أنفسهم... لكننا وعلى طريقة "المتسائل في المختارة" المحتار بكيفية "الحساب" ا نستفسر:

أليست الطائفية ودول الطوائف التي خلقتها عقلية البكوات والزعمات المغمسة بدماء الفقراء سبب من الاسباب التي أدت إلى تحول لوردات الحرب الى من يلهث لخطف البلد باتجاهه منذ 1943 و1958 قبل اي تدخل عربي في البلد؟

ليت سعد ملك القليل من الحنكة التي ملكها ابيه في التعامل الواعي بدل الانجرار خلف من كتب له ورقته التي لم تحمل سوى إهانات وجنود الاحتلال ما زالوا يخترقون سيادة واستقلال البلد جنوبا وفي السماء ، وحين يطب رئيس وزراء البلد الاذن من هذا الاحتلال لفك حصارها عن المطار والموانئ... بذات الوقت الذي لم يقل فيه سعد كلمة واحدة عن خرق "السيادة والاستئلال" من قبل العدو الصهيوني بدل إختراع أعداء وهميين..

فتفت الذي كان كان يجب محاسبته للخزي الذي جرى في ثكنة مرجعيون بالتأكيد لن يتم لأن التقارير قالت ما قالته عن الدور الوسيط الذي لعبه سعد في التدخل لانقاذ الغزاة المحاصرين في الثكنة وهو بالتأكيد لن يتطرق للمسألة لأنها ستفتح الملف القذر لهؤلاء الذين إنتظروا أن تُحسم الامور خلال ايام قليلة وهاهم اليوم يزايدون وكأنهم "أبطال" الصمود في سرقة واضحة لتضحيات الشعب بينما لم يتداعى برلمان الاغلبية ولو لاجتماع استثنائي واحد!

العربدة السياسية الممارسة في قريطم والمختارة ليست في جوهرها إلا تعبيرا عن حالة المأزوم الذي أراد الهزيمة للمقاومة فلم تتم فأخرجا ما في جعبتهما من تلك العربدة التي لا تنم إلا عن حالة عربية رسمية مهزومة أمام شعوبها التي ظلت طيلة ايام الحرب ترى المجازر وترى النصر وتتابع السجال الصهيوني الداخلي المهزوم امام حفنة من الرجال المقاومون الصامدون...

يبدو أن هؤلاء الذين لم يعجبهم أن ينتصر بلدهم يريدون له الهزيمة بانتداب آخر آتيا من عوكر وستثبت الايام أن عوكر باتت تشكل المرجع والاصل في كل ما حدث ويحدث، وعليه حين قال الرئيس السوري ما قاله فإنه لم يقل في الحقيقة إلا بعضا مما يدور في الشارع العربي ... وهؤلاء حين صرخوا من ألم إنتصار المقاومة في صد العدوان لم يهمهم إلا لفلفة الفضيحة ، والفتنة التي تحدث عنها صاحب قصر المختارة ووريث قريطم صنعوها منذ اليوم الاول لبدء العدوان الامريكي الصهيوني إنطلاقا من المخطط الذي كشفت عنه التقارير الامريكية والغربية... فصاحب المختارة أراد أن يُستشار "العقلاء " الذين كانوا لا يخفون غبطتهم بأن العملية قد بدأت للتخلص من عثرة المقاومة وليكون لبنان بوابة رايس لشرق أوسط مقسم ومستسلم للقدر الامريكي الفاشل في العراق... الفتنة التي تحدث عنها هؤلاء تتهم سوريا بأنها تريد إفتعالها في لبنان دون أن يفصحوا لنا عن الاهداف الاستراتيجية او التكتيكية التي ستستفيد منها سوريا ... فإذا كانت سوريا ، وهذا ليس خفيا، تدعم المقاومة اللبنانية فأية جريمة تلك؟ أم أن هؤلاء لا يفقهون، بل يفقهون ولا يعترفون، بأن دولة العدوان الصهيوني تتلقى كل أنواع الدعم السياسي والعسكري اللذين بانت آثارهما حتى من القذائف المكتشفة بين الدمار في الجنوب والضاحية.. فذاك حرام وهذا حلال في مفهوم الانبطاح السياسي الذي يريد التعويض على هزيمة المشروع الامريكي الذي أخذ من العراق منطلقا فغرق في وحله وغرق هؤلاء في وحل العار المكرر لذات العبارات التي تتهم الاخرين بأنهم هم من يرسلون "المقامون"الى العراق في نفي واضح لوطنية الشعب العراقي ومقاومته ... ونحن وغيرنا نعرف ما أتت به أمريكا من مرتزقة ليفعلوا ما يفعلوه بحق الشعب العراقي...

من المعيب حقا أن يكون لبنان الحرية والديمقراطية والمقاومة رهينة لتلك العقليات التي تساوي بين عدو صهيوني تاريخي لم توفر مجازره الشعب اللبناني منذ قيام الكيان على ارض فلسطين ودولة عربية كسوريا التي أثبت شعبها في إحتضانه لهؤلاء الذين نزحوا بفعل المجازر الصهيونية بأنه شعب عربي أبي... بل من العار أن يتخيل هؤلاء بأن التاريخ يُصنع من قريطم والمختارة والخيوط التي تحرك ما يسمى "العقلانية" ليست إلا مكشوفة وعارية امام كل عربي ! حقا اصاب أحد قيادي حزب الله حين دعا اللبنانيين إلى التصرف على اساس أنهم المنتصرون، ولكن يبدو أن البعض فقد صوابه لأن الانتصار حصل وهم الذين كانوا ينتظرون هزيمة لأبناء جلدتهم... وستكشف الايام أي تورط ساهم به هؤلاء الذين لم يجدوا غير لغة الشتائم والحساب ليعبروا عن ألمهم من هزيمة رهان خاسر...

على الهامش:

يتشدق صاحب المختارة بأنه كان من الذين اسقطوا 17 ايار ... بسلاح من؟ ورجال من؟ أم أن ذاكرته قصيرة... فليكن فالعبرة في النتيجة، فهل هناك أفدح من أن ينقلب الرجل على تاريخه ويبدل مواقعه على الجثث والاغتيالات والمؤامرات التي تحاك في أقبية النبيذ المعتمة؟ - مفتاح 18/8/2006 -