مفردات كثيرة يستخدمها أحد "المحللين الاستراتيجيين" (على قفا مين يشيل هذه الايام)...مفردات بلغة عربية وهم من أبناء جلدتنا.. يستوقفك حديث أحدثهم وهو يشبك يديه ببعضهم، على أن الرجل يفكر بدون تصنع بما ستطرحه مذيعة تتذاكى في تقديم السيناريو المتفق عليه في كواليس البرنامج المعروف " إن كنت لا تعرف ماهي الهزيمة النفسية... فنحن أفضل من يقدمها.. بجرأة ومصداقية !" ...
فينشد المشاهد إلى ترهات ذاك المحلل الذي يعرف بكل شيئ بما فيها حتى ما يدور في مراحيض الزعماء، وبكلمات متلعثمة وتصنع ظاهر يحاول "المحلل والخبير الاستراتيجي" أن يقدم نفسه ، وكف يده مشتبكة بالاخرى، على أنه محايد ...مثل حيادية الحالة العربية الرسمية التي يمكنها أن تختلق دموع التماسيح على ما يجري في بالي وتيمور الشرقية وصراخ عنيف فيما يتعلق بحالة ثلاثة جنود قتلة تم أسرهم في معركة عسكرية ليس لأنهم منزعجون من كم الأسرى العرب القابعين خلف قضبان الاحتلال الصهيوني الذي يتساءل معه هذا "الخبير" ويستهجن عن الدور السوري والايراني في دعم سوريا وايران للمقاومة في لبنان... دون أن ينفعل كثيرا... وفجأة حين يسأله محلل آخر عن الضرر في أن يكون التضامن العربي على هذه الصورة يخرج من عقاله الهادئ المتصنع حين يُقحم سؤال عن الدعم الامريكي لترسانة القتل الصهيوني التي تفعل ما تفعله بالمدنيين العرب... يهرب "الخبير" إلى سؤال( على طريقة الرد بسؤال المعروفة لدى الصهاينة) عن أن العملية الاخيرة التي تم "إختطاف" الجنديين( والمقصود أسرهما بالطبع) لم يتم التشاور فيها مع البرلمان اللبناني... يا سلام على الاستراتيجيات... فأين كان يجب أن يبوح رجال المقاومة في فلسطين أو لبنان بمثل تلك الاسرار التي لا يمكن البوح بها لأقرب الناس... نتيجة تجربة تاريخية في خيانات متأصلة... فلماذا مطلوب من المقاومة العربية أن تأخذ الاذن من هذا وذاك قبل قيامها بعمل عجزت عنه كل الاسلحة العربية المكدسة دون فائدة...
ليت المحلل المذكور يعطينا في المرة القادمة يتم إستضافته، وهو على كل ضيف دائم نائم شارب آكل في الاستديو، ليخبرنا عن سلاح الجيوش بدل ترهات التحليل عن سلاح المقاومة في لبنان وفلسطين... عله يقنعنا بكيفية تهريب سوريا وإيران للسلاح الفلسطيني الى غزة... الذي يعرف هو وغيره بأنها تصنعها بأيديها في ظل عنتريات السياسة العربية التي إنفجرت غضبا وهي تكرر علينا قصة ممجوجة عن "التوقيت والانفراد"... فمتى كان التوقيت مهما لدى أنظمتنا الزاحفة على بطونها ومتى كان عدم الانفراد خصلة حميدة لديها في قرارات أقلها متى وكيف تسير حالة البلاد والعباد في ظل النهب المفضوح...
نصيحتي لهذا "المحلل الأنيق" أن يهتم أكثر بأناقته ويترك لنا عقولنا أمام كل هذا الدمار الذي يطال الحجر والشجر دون أن يخبرنا هذا "الاستراتيجي" عن المغزى من تدمير بلدين عربيين وتهديد سوريا لأجل ثلاثة جنود؟! كما يصدق ( أو يريدنا أن نصدق) وسطاء النفاق الغربي الصامت أمام إستخدام كل ما تطاله أيديهم من محرمات محمية بالفيتو الامريكي... نريد بعض " المصداقية" ولا نريد " وقاحة وحيادية" تحت مسميات جرأة ومصداقية، فكفانا إنحلال ركب أصحاب النياشين العقلانيين والغير مغامرين الذين لا يصارحوننا من أية معارك جائتهم تلك النياشين التي تغطي نصف القفص الصدري !
فالأمر أيها الاستراتيجي، والكلام لغيرك أيضا، مكشوف لكل عقل عربي ... عربي... فرأفة بعقولنا وعقولكم التي تفتقر إلى الكثير الكثير لتكونوا بمثابة ما يُكتب تحت أسماءكم ! - مفتاح 17/7/2006 -