قانا اسم لكل جميل ، قانا اختصرت كل العواصم والحواضر وكل المسافات الطويلة والقصيرة ، قانا عصية على الفهم كعصيانها على القاتل والجلاد ، من لم يستطع أن يعرف قانا الحالمة الوادعة الجميلة قانا الشجر والحجر قانا الأطفال والنساء والشيوخ والرجال لن يعرف شيئاً جميلاً في هذا الوجود ؟!! قانا هي لبنان الجميل في كل العصور والفصول وكل ألوانه الزاهية من لبنان المحبة والسلام إلى لبنان الحرية والديمقراطية إلى لبنان التآخي إلى لبنان الصغير والكبير إلى لبنان الصابر على الجراح والصامد في الديار والمقاوم لكل الرياح الغريبة ، قانا هي لبنان الحيوية والنشاط ولبنان الأصالة والثقافة والتغيير !!!
قانا هي مشتقة من فلسطين الأبية تعلو على الجراح قانا شقيقة قبية ونحالين ودير ياسين وكفر قاسم وكفر أسد وكفر كلا وبحر البقر وصبرا وشاتيلا ، قانا اختصرت واختزلت المسافة بين المحيط والخليج ومزجت بينهما قانا رمز التوحيد والمروءة والشهامة ، قانا المحفورة في الذاكرة العربية والإنسانية ، قانا رمز الشهادة على مذبح الحرية والسلام قانا تكره الحقد والعنصرية والفاشية ، آمنت بالمحبة والسلام منذ عهد المسيح عليه السلام وتحملت عنا جميع الآلام !!!
قانا مشعل نور وهداية آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله ، ولا تفرق بين أحد من رسله ، لذا تقتل قانا من السفاح مرتين ويسفك دمها مرتين ، لكن قانا على موعد مع الخلود فهي عصية على الموت الزؤوم كما هي عصية على القاتل والسفاح والجلاد ، قانا تتجدد دائماً وتنبت نباتاً وأطفالاً من جديد ، وتنسج من لحم أطفالها حبلاً طويلاً للحياة وحبلاً قصيراً لتلفه حول عنق القاتل الجلاد ، وترتفع فوق جراحها بصمود وعناد وتمشي مرفوعة الرأس بكبرياء الأنبياء وصبرهم على القوم الضالين ، وتشرب من بحر الشهادة مرتين لتخلد مرتين وتغبطها قبية ونحالين وبحر البقر وكفر قاسم وكفر أسد وكل شقيقاتها الشهيدات حتى مخيم جنين وصبرا وشاتيلا لأنها تفوقت واستشهدت مرتين !!! فهي الشاهد والشهيد القديم والجديد على مجرمي العصر من العنصريين الصهاينة والأمريكيين المحافظين والفاشيين القدماء والجدد ، وتكتب في سجل الخالدين شهادة ميلادها القديمة والجديدة بلحم أطفالها ونسائها الأبرياء مرة عام تسعة عشر مائة وست وتسعين وأخرى عام ألفين وستة !!!!
وتكتب بالدم القاني شهادة الوفاة لجلادها وجزارها وسارق نومها الهادئ وحلمها الجميل وقاتل أطفالها ونسائها وشيوخها الأبرياء ، معلنة انتصارها الأكيد وهزيمته الأخلاقية الأبدية ، وتتركه يغلي ويتفجر غيظاً وحقداً وكراهية وعنصرية منبوذاً ومذموماً في الأولين والآخرين ، وتستعيد قانا لونها المزركش مثل عروس التركمان وكامل أوصافها وحسنها وعبقها ورقتها وإنسانيتها السليبة وجمالها الأخاذ وصمودها المراثوني وملامح وجهها العربية وتورق في الربيع والخريف !! لذلك سعى القاتل الجلاد لقتلها مرتين في الأولى لأنها هي مثل شقيقاتها وفي الثانية ليخفي جريمته الأولى البشعة ووجهه القبيح ، ولكنه لم يعرف أن قانا من الخالدين الأزليين وستبقى الشاهد والشهيد وستبقى مخرزاً يفقأ عينيه ويحز في جانبيه حتى يرحل حيث أتى ...، وتبقى قانا وجه الشمس ونور القمر وظل الشجر ، وهي المد والجزر ، ونسيم البر والبحر ، وزهر الليمون وزيت الزيتون ، وملح الأرض لن تبرح هذا المكان ولن تغادره ، فكل قرية ومدينة وعاصمة عربية أصبحت الآن الآن هي قانا ، قانا ، قانا ، قانا من المحيط إلى الخليج ومن الخليج إلى المحيط ، شاهدة وشهيدة تحاسبنا وتؤنبنا وتوقظ فينا إحساسنا بالتقصير ، فلها التحية كل التحية وللصامدين وللخالدين في قانا الجنوب، في لبنان المقاومة والصمود ، وفي فلسطين الثورة والخلود ، والخزي والعار لكل مجرمي العصر القديم والجديد من الفاشيين والعنصريين وناشري ثقافة الكره والقتل والجريمة والحرب والإرهاب والدمار .
* مدير عام مكاتب اللجنة الشعبية الفلسطينية - مفتاح 31/7/2006 -