الشبكة التي تم الكشف عنها على الاراضي اللبنانية بعيد إغتيال المجذوب في صيدا أمر يدعونا لطرح بعض الأسئلة السريعة على كل من له علاقة بمسألة العمالة وعالم الجاسوسية التي تزرعهما الدولة الصهيونية في عالمنا العربي...

أعتب في هذا المجال على السيد المقداد أثناء إلقاء كلمته في مجلس الامن الدولي حين تم مناقشة تقرير "لجنة التحقيق الدولية" لتفاديه ولو من باب لفت النظر القانوني والجنائي وعبر الصور التي نشرت عن هذه الشبكة وعملياتها التي إمتدت لسنوات طويلة... فكولن باول في فبراير 2003 أخذ وقته في تفصيل حملة الكذب التي باتت معروفة لكل متابع عن "اسلحة الدمار الشامل"...

عتبي على السيد المقداد لا يعني سوى رغبة عربية صادقة في أن نقوم بما يقوم به الصهاينة لو أنهم إكتشفوا أي مستمسك على أي عربي ولو كان مزورا، كقضية الشاب الفلسطيني –الدانماركي إياد الأشوح الذي كان يجوب بكاميرة فيديو بعد زيارة عائلية لأهله في فلسطين الـ48 فتم إلصاق تهمة التجسس لحزب الله ولم تحرك الخارجية الدانماركية ساكنا لأسباب معروفة...

القضية الأخرى، من المدهش حقا وأمام التركيز على الدور السوري المزعوم في إغتيال رفيق الحريري دون الالتفات إلى الباع الطويل لتقنية الاغتيال الصهيوني المعروفة تمام المعرفة، والتي يتم التفاخر بها "كما في فيلم ميونخ"، فلماذا كل تلك الادوات والتشابه بين إغتيال مجموعة كبيرة من الشخصيات اللبنانية صحفية وسياسية تستبعد الدور الصهيوني بعد إنكشاف أدوات العملاء والجواسيس الذين وُجد في حوزتهم ما يشابه أدوات وطرق إغتيال الحريري ووغيره من الاعلاميين كسمير قصير وجبران تويني وجورج حاوي؟

ربما أننا نحتاج إلى إعادة صياغة مخاطبة العقل الغربي الذي يتلقى دائما الرسائل الصهيونية المُدعمة بأدوات ولو كانت أدوات فيها الكثير من التضخيم... لكن المهم هو الانطباع الاول الذي يبرر في حالات كثيرة عمليات قتل وإعدام ميداني وإقتحام وحصار... كقضية السفينة كارين أي التي عرض لها موفاز وشارون أمام وسائل الاعلام مجموعة اسلحة على أن عرفات والشوبكي قاموا بتهريبها من إيران...

مشكلتنا الاعلامية في واقعها المرير أنها تبقى موجهة للرأي العام الداخلي فلا يجري مخاطبة الرأي العام الدولي وصناع القرار فيه ولو بتحويل ما تم ضبطه من إعترافات وأجهزة على المراسل الاجنبي والدعوة للإطلاع على الخيوط المتشابكة بين التشابه التام بين زرع عبوة هنا وهناك والإيقاع بالرأي العام ليتجه نحو قصة محبوكة يتم تسويقها في العالم على أنها الحقيقة ولا غيرها...

قلت في مرحلة سابقة بعد قتل جبران تويني أنه من العبث التركيز على نظرية يُطلقها لوردات الحرب الذين تحولوا جميعا إلى "أبرياء وملائكة رحمة" معتقدين بأن التاريخ لم يسجل لهم ما إقترفوه طيلة "الحرب الاهلية اللبنانية"...

إن عملية خلط الأوراق التي يبرع فيها الموساد على إمتداد الساحة اللبنانية وغير اللبنانية يتطلب تعاملا آخرا مع ضبط هذه الشبكة العميلة التي ضربت أطرافا مختلفة لا يمكن لعاقل أن يصدق بأن سوريا مثلا لها مصلحة في ضرب جورج حاوي أو سمير قصير وأحد قيادات حزب الله في البقاع، والذي نجا باعجوبة من عملية شبيهة بكل العمليات الاخرى، ولا حتى زرع عبوات في المناطق المسيحية والتي خلقت جوا من الرعب وأودت بحياة أسيويين يعملون في لبنان...

بتواضع نطالب قوى ما يسمى "14 آذار" او "الاغلبية" أن تقدم لنا تفسيرا عما تعنيه هذه الشبكة التي تتجول في لبنان طولا وعرضا بحقائب ومتفجرات وأدوات صهيونية ؟

بل على القوى الشريفة في لبنان أن تجمع كل تلك الأدلة والاعترافات لمطالبة قانونية بأن لا يستبعد العامل الصهيوني في ضرب موكب رفيق الحريري وما تلاه بدل التركيز على وجهة واحدة في التحقيق... فإذا كانت قصة أبو عدس مستبعدة وإذا كان لبعض الجواسيس علاقة سابقة بالقيادة العامة فما المانع أن تكون هي التي قامت بالايقاع بأبي عدس للادلاء بذلك الشريط المصور والقيام بتصفيته بعد ذلك؟

لسوريا وللعرب جميعا الحق في إستخدام كل الدلائل التي يتم الكشف عنها بعد الكشف عن شبكة الجواسيس والعملاء لإعادة صياغة الخطاب الاعلامي .... ومن خلال حملة دولية بدل الاكتفاء بنفي التهم التي تلصق بهم.. تماما كما جرى على شاطئ بيت لاهيا، إذ لم يستغل الفلسطينييون هذه المذبحة وإنكشاف الكذب الصهيوني عن مصدر القتل ... كل هذا يحتاج إلى وقفة مراجعة عن الطريقة التي نتعامل من خلالها مع ما نملكه من أدلة ... وقفة ، لا عيب فيها أن نستفيد من طريقة أعدائنا الذين يمارسونها، حين يريدون للعالم أن يقف على قدميه لتصديق كل مايبث من طرفهم من أكاذيب وتهم ... ولإن الانسان العربي مل من التهديد بالانتقام الذي يتكرر دون أن يأتي فمن الضروري أن يكون الانتقام بطريقة عرض الادلة صورا وصوتا ليكون الرد مفهوما... - مفتاح 15/6/2006 -