ثلاثة زلازل سياسية هزت عالمنا العربي في أسبوع وكل واحدة من هذه الزلازل تحتاج إلي وقفة تحليل وتأمل والتنبؤ بما قد يحدث، لن أقف طويلا عند كل حدث لان تداعيات تلك الأحداث ستجعلنا نتناولها علي انفراد عند حدوثها، وعلي ذلك فاني اذكر بان أحداث سجن أريحا واعتقال قيادات فلسطينية محتجزة بموجب اتفاق رباعي أمريكي ـ بريطاني، فلسطيني ـ إسرائيلي لم يكن وليد اللحظة. إن ذلك الهجوم الشرس علي مقر السجن لا يحتاج إلي تلك القوة المجنونة، طائرات حربية، دبابات ومدفعية ثقيلة، وحصار مدينة بكاملها بأكثر من ألف جندي صهيوني، لان كل المعتقلين لا يملكون سلاحا للدفاع عن أنفسهم، ولا يحتاج الأمر إلي إحداث ذلك الدمار الذي لا مبرر له، لكنها عقلية الصهيونية الحاقدة الاجتثاثية.

السؤال هل كان ذلك سيحدث لو لم يكن هناك تواطؤ ولا أقول اتفاقا بين القيادة الاسرائيلية ورموز السلطة الفلسطينية (فتح؟) تقول صحيفة يديعوت احرانوت الإسرائيلية إن محمود عباس (رأس السلطة) كان قد اعلم البريطانيين والأمريكيين انه لا يستطيع ضمان امن حراسهم الذين يتولون حراسة سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ورفاقه الستة في سجن أريحا (بعد فوز حماس) كما أن أبو مازن رئيس السلطة طلب من الاتحاد الأوروبي إعطاءه مهلة ستة اشهر للخلاص من حركة حماس الفائزة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وذلك عن طريق تأزيم الموقف امامها الأمر الذي لا تستطيع حماس تحقيق مشروعها وبالتالي يعمد (محمود عباس) إلي إجراء دستوري وهو حل المجلس التشريعي والدعوة إلي اجراء انتخابات جديدة. تسقط حكومة حماس تقول صحيفة هآرتس الإسرائيلية ان وزير خارجية بريطانيا السيد جاك سترو أرسل رسالة احتجاج إلي محمود عباس تضمنت احتجاجا علي تخليه عن مسؤوليته في تأمين سلامة الجنود الامريكان والانكليز سجاني سعدات ورفاقه (الشرق 17/3) وليس أمامهم في هذه الحالة سوي الانسحاب.

لقد اهتزت مشاعر كل عربي حر غيور علي أمته عندما رأي الصور المتلفزة لجنود السلطة الفلسطينية ـ التي تطالب حركة حماس التعهد باحترام تعهدات واتفاقيات السلطة الموقعة مع إسرائيل ـ والجنود الصهاينة يجردونهم ملابسهم إلا ما يستر العورة ويقودونهم في طابور طويل عراة حفاه أمام عدسات التلفزة العالمية. ذلك العمل هو إمعان في الإذلال والمهانة للسلطة الفلسطينية (فتح) ولقادة العالم العربي ومن يطالب حماس بان تعترف وتخضع لكل تعهدات السلطة الفلسطينية مع الكيان الصهيوني. لم تحدث ردة فعل عند القائد العام للقوات الفلسطينية (محمود عباس) عندما رأي جنوده عراة حفاة يجرجرهم غلمان معسكرات الكيبوتس المجندون في الجيش الصهيوني. القائد العام الفلسطيني لم يهتز له رمش عين ولم تنتبه نخوة عربية ليثأر لجنده أو يتنحي، انه التواطؤ بعينه ولا أقول الخيانة العظمي من القائد العام ومساعديه.

(2)

لم تندمل الجراح الجسدية والمعنوية بعد عند الشعب الفلسطيني وكذلك الشعب العربي لما حدث في سجن أريحا ألا ويشن جيش الاحتلال الأمريكي في العراق اكبر هجوم جوي وبري بعد الهجوم علي الفلوجة الباسلة وتلعفر وكل مدناً محافظة الانبار، هذا الهجوم الذي فاجأ مناطق في سمراء المدينة المشهورة في التاريخ العربي ومحيطها اشترك في هذا الهجوم أكثر من 50 طائرة حربية و200 دبابة ومدرعة و1500 جندي أمريكي وآخرون من مليشيات الغدر والخيانة.

نلاحظ دون نزعة طائفية أو تعصب عرقي أن معارك الجيش الأمريكي ومليشيات الخونة والعملاء في العراق لا تستهدف إلا مدنا ومحافظات جل سكانها من أصول عربية تنتمي إلي مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه. هذه المناطق جرد أهلها من سلاح الدفاع عن النفس وحوصروا من دول الجوار ومنعت عنهم الإمدادات والتموين في الوقت ذاته يورد السلاح بكل أنواعه من الجبهة الشرقية للعراق دون رقيب ويأتي المدد البشري المدرب والمسلح للاصطفاف إلي جانب جيش الغزاة ومليشيات الخيانة والتبعية، كل ذلك بهدف إلحاق الهزيمة بالعرب سواء كانوا شيعة أم سنة، العلماء في العراق لم يسلموا من الاغتيال وكذلك الأطباء وأساتذة الجامعات وكل من يعادي الاحتلال وعملاءه.

سورية والسعودية والكويت والأردن دول مجاورة للعراق لا يسمحون بدخول جرذي إلي العراق فما بالك بالإنسان استجابة لرغبة أمريكية بينما إيران تدفع بكل ثقلها في أتون المعركة ـ كما يقول بذلك القادة الأمريكان والقيادات العراقية الوطنية ـ لصالح ترجيح كفة أنصارها في العراق. أما القادة العرب جيران العراق فلا رغبة عندهم ولا نية لمد يد العون لحركة المقاومة العراقية في مواجهة جحافل المليشيات وأعوانها من خارج الحدود وجيش الغزاة، نذكر وننبه ولاة الأمر في هذه الدول المجاورة للعراق أن يد الشر إذا تمكن أنصار إيران من الهيمنة علي مقدرات السلطة والقيادة فلا جدال بأنه سيشملهم ذلك الشر المستطير فهل يعقلون؟

(3)

في ذات السياق، وهنا لا اخفي إعجابي وتقديري للقيادة السياسية في طهران مهما اختلفت مع توجهاتهم التوسعية فان الإصرار السياسي والقومي لهذه القيادة الإيرانية جعل الولايات المتحدة الأمريكية أكبر قوة عسكرية في التاريخ المعاصر تخضع لإرادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتقر بشرعية دورها في العراق وتعمل من اجل استرضائها وتطلبها للتفاوض في شأن توزيع الأدوار والمصالح هناك.

وشتان يا ولاة الأمر فينا بينكم وبين ولاة الأمر في طهران، انتم تستجيبون لكل ما تطلبه دولة الاستكبار العالمي منكم ويتم تنفيذه في أي كان في العراق وفلسطين أو أي مكان آخر، أما ولاة الأمر في طهران فإنهم يفرضون ما يريدون تحقيقه علي كل القوي والكل يسعي لاسترضائهم، أما انتم فلا قيمة لكم لديهم رغم عطائكم الكريم علي حساب مصالح أمتنا العربية. - القدس العربي 21/3/2006 -