فلسطين ولبنان، قطعتان جميلتان من بلاد الشام، يبدوان اليوم للناظر كتوأمين، تجمعهما المحنة وتوحد بينهما الجراح. ولأنهما الأكثر استهدافا للأطماع والسادية الصهيونية من جهة، وللمؤامرات الأمريكية من جهة أخرى، فرض عليهما أن يكونا الأكثر تضحية وفداء كأنما عليهما وحدهما وقعت مسؤولية مواجهة المشاريع والمخططات الأمريكية- الصهيونية في المنطقة العربية، مع أنهما يظهران الأضعف في الصورة من حيث العدد والعدة والإمكانيات المتاحة.

في لبنان اليوم كما في فلسطين، فريقان ونهجان سياسيان. في لبنان يقف الفريق الوطني، وعلى رأسه المقاومة الوطنية اللبنانية يمثلها بجدارة حزب الله، متحملا المسؤولية الوطنية وما تفرضه من أثمان. ويقف فريق 14 آذار يريد التنصل من كل ما يمت إلى عروبة لبنان بصلة، مراهنا على السياسات الأمريكية داعياً إلى تجاهل خطر الكيان الصهيوني على لبنان، ومبديا استعداده لمهادنته والتعايش معه. وفي فلسطين الصورة نفسها مع اختلاف غير جوهري في التفاصيل، إذ تحاول المقاومة بقيادة (حماس)، بعد فوزها في الانتخابات التشريعية الأخيرة، اتباع نهج مختلف في التعامل مع الاحتلال لا يعتمد أساليب الخضوع والتنازل والاستسلام التي أشاعتها اتفاقية أوسلو، رافعة شعار التمسك بالحقوق الوطنية، بينما تقف أوساط في حركة (فتح) وحول (مؤسسة الرئاسة) وبعض الأتباع، في موقع 14 آذار اللبناني، مراهنة على السياسات والخطط الأمريكية ذاتها، وقابلة الإملاءات “الإسرائيلية” باسم (الواقعية) مرة، وباسم الانصياع لمطالب (المجتمع الدولي) و(قرارات الشرعية الدولية) مرة، وهما مصطلحان لم يعودا يعنيان شيئا غير الدفاع عن التوسعية “الإسرائيلية” والمصالح الإمبريالية الأمريكية. وإذا كانت ولادة فريق 14 آذار اللبناني قد جاءت على خلفية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، فإن ولادة فريق 14 آذار الفلسطيني جاءت في أعقاب إعلان نتائج انتخابات المجلس التشريعي الأخيرة.

مثلاً، كان الهجوم على حركة (حماس) وحكومة هنية هما مضمون المؤتمر الصحافي لياسر عبد ربه، لكنه من أجل إظهار موقفه (المستقل) عن (فتح) هاجم كل الأطراف في الساحة الفلسطينية ما طرح سؤالا عن الجهة التي ينحاز إليها ويقف إلى جانبها عبد ربه، فقد بدأ باتهام (حماس) بأنها تصر من خلال الشروط التي وضعتها لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية على استفرادها بالسلطة، وبحيث تكون مشاركة الفصائل الأخرى (مشاركة تجميلية). لكن هجومه لم يقتصر على (حماس) بل عم كل الأطراف الفلسطينية متهما إياها بأن “لا أحد فلسطينيا يريد حكومة وحدة وطنية، وإنما هم يقولون ذلك لأنهم يريدون كسب المزيد من الوقت فقط”! ولا أظن أن أحدا فهم من أجل ماذا هذا (المزيد من الوقت)! اللافت أن عبد ربه اتهم (حماس) بأنها تفعل اليوم ما كانت تفعله (فتح) من قبل، وهو ما سماه “ظاهرة تفتيح المؤسسات وتحميسها”.

والسؤال الذي يوجه لعبد ربه هنا هو: لماذا لم تستفزه ظاهرة (التفتيح) قبل الآن، طالما أن (التحميس) يستفزه اليوم إلى هذا الحد؟ بالتأكيد لا تستفز عبد ربه ظاهرة (التحميس) اليوم تماما مثلما لم تستفزه ظاهرة (التفتيح) بالأمس، لكن الذي استفزه ويستفزه شيء آخر كشف عنه حديثه عن مواصفات حكومة الوحدة الوطنية التي يريدها ومعه كل فريق آذار الفلسطيني.

يقول عبد ربه: “المطلوب هو حكومة توافق على قرارات الشرعية العربية والدولية والالتزامات التي تلتزم بها منظمة التحرير أمام الجهات الدولية، بالإضافة إلى هدنة من أجل وقف أعمال العنف بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين””. إنها الشروط “الإسرائيلية”- الأمريكية للتعامل مع أي حكومة فلسطينية أو طرف فلسطيني.

لكن عبد ربه أكد حقيقة ما يطالب به باسم فريق 14 آذار الفلسطيني. حدث ذلك عندما أكد أن “المهم هو تشكيل حكومة تحظى بالإجماع الوطني ومن ثم التوافق الدولي عليها”، أي أنه يريد انقلابا يبعد حركة (حماس) عن السلطة، أو يجبرها على أن تتبنى مقولات فريقه، فريق 14 آذار الفلسطيني، لكن ذلك سيظل حتما من قبيل الأمنيات.