صَمتُ وصَمتُ حتى بدأت مشاعرنا تهرب من عشقها لثري الوطن، ولد الصمتُ عشقاً لهجرة سماء الوطن والهروب مع أشعة الشمس لبقعة تشعر بها بالدفء والأمان، تستوحي منها إنسانيتك وكرامتك التي إمتهنت برائحة البارود ،وصوت الرصاص، ورائحة الدماء المنبعثة يوميا لتروي الوطن الذبيح .. دماءٌ تنزف بحراب العدو تارة ، وهي نزفُ مبارك يروي الوطن بحب وعشق ، ودماءُ تنزف ببنادق ابناء جلدتنا ، وما اقسي هذا النزف ... صَمتنا معتقدين أن المرحلة تتطلب منا الصمت والتروي حفاظاً علي التماسك الوطني الداخلي ،وإلتزام الحياد والكلمة الطيبة التي تبعث الأمل والتفاؤل في حياة كريمة ،وشعباً اضحي لا يملك سوي الآنين تحت وطيس ضربات الأسواط ، فسوط الأخ قاسي ومهين ، وجراحه لا تشفي سوي بالموت .

يصول الاحتلال في قرانا ومدننا ومخيماتنا بلا رادع أو اصوات تفضح ممارساته الصهيونية ، تركنا كل شيء وتفرغنا للتناحر ، نقتل ونغتال بدوافع سياسية وأمنية وعشائرية ومصالح شخصية ، دوافع لإشباع رغبات إنسانية ،وإتهامات جاهزة لا نجد صعوبة بتوزيعها حسب الجريمة .

أقتحمت قوة صهيونية بلدة النصر بمحافظة رفح وتركت خلفها عدد من الشهداء ودمار لا يتصوره عقل بأن هذا تم بأيدي بشريه ، وإذا بالشطر الغربي من المحافظة يدون عملية قتل لسائق علي شارع البحر ، بدم بارد قتل شاب ،سمعت عنه العديد من القصص بعد قتله منها إنه متعاون وعميل ومنها إنه ساقط أخلاقيا .... الخ وهذه الحادثة أعادت عقارب ذاكرتي لانتفاضة عام 1987م عندما كان يتم تصفية العملاء وتجار المخدرات من قبل فصائلنا الوطنية ، هذه المرحلة التي شهدت فصلاً مأساوياً من فصول الثورة ، من حيث كم الظلم والأخطاء التي رافقت هذه الحقبة ، ورغم إنني احد الذين عاشوا وشاركوا بهذه المرحلة إلا أن ما مورس بها هو نتاج غياب المؤسسات الأمنية والرسمية ، وعدم قدرة القوي والفصائل من السيطرة علي مقاتليها ولجم جنوحهم في تلك الحقبة ، فأنتجت لنا مرحلة اتسمت بالمآساة ، ورغم قفزنا عنها تحت تبرير كل من يعمل يخطأ ، وما أكثر الأخطاء ألماً ، اما اليوم فنحن نمتلك مؤسسات أمنية وقضائية وقانونية يمكن لها تطبيق القانون وتطبيق أليات قانونية مع هؤلاء الخارجين عن الصف الوطني ، أما القتل بهذه العبثية وهذا الشكل فقد حول الوطن لغابة أفتقدت الأمن والأمان ، وجعلت القتل شريعه في منهجنا وحياتنا ، فلم نعد نأمن علي أنفسنا وابنائنا وأهلنا ، فأي كان يتمكن من ممارسة عملية قتل بحق أي كان وهو يدرك أن المقاومة كفيلة بستر جريمته ،وتضليل الحقيقة وتدوينها بسجلات المجهول ... واي مجهول وهو معلوم كبزوغ قرص الشمس كل صباح والقمر كل مساء .

لكل جريمة مجرم وأداة وسبب، ولكل جريمة دليل يدينها ،وهذا ما دلل عليه مؤتمر اللواء توفيق الطيراوي الذي أوضح العديد من الدلائل والمعطيات والمؤشرات ، ووضعها بين ايدي الأجهزة الامنية ،كخطوة ربما تشكل رحمة لنا من هذا الاختناق الذي نعيش فيه ، وتنبث بعض الألم الذي استنزف حياتنا وأرواحنا ، فلماذا لا يتم مع كل أبناء الوطن الشرفاء ، ووضع حد لهذه الجرائم التي حولت غزة لمسرح مرعب مميت ؟!!! لماذا لا تتحد المساعي والمجهودات لتصب بصالح الوطن ؟!!!

حجم الردود التي وردت تعقيبا علي مؤتمر اللواء توفيق الطيراوي وخاصة من السيد وزير الداخليه اشعرتنا إنها ردة فعل غاضبة وليست ردا منطقياً ، فالمتوقع كان يصب بإتجاه عكسي ، أم أن ما يدور في فعلا هو نتاج عمل مبرمج؟ ويأتي ضمن خطة معدة سلفا؟ ومن يقف خلفها ؟ ولماذا ؟

فهل تحول الوطن لمقعد في المجلس التشريعي ،ووزارة ولقب وزير ، أم إننا حققنا كل أهدافنا الوطنية وجاء موعد تقسيم هذه المنجزات ؟ آلاف الأسئلة تعصف بدواخلنا دون أي منطق يحور إجابات مشروعة مقنعة .

في خضم هذه الأحداث التي تعصف بالوطن ،وتمنح الشرعية لممارسات الاحتلال الصهيوني بممارسة نازيته ،ولأولئك العابثين لمواصلة جرائمهم ، جاء خطاب الرئيس ابو مازن في الجمعية العمومية للامم المتحدة ليردد ما ردده الشهيد ياسر عرفات " لا تسقطوا غُصن الزيتون من يدي " كلمات مقتضبة جداً رسمت معالم وتوجهات مرحلة سياسية سابقة وقادمة . - مفتاح 23/9/2006 -