اختراق الطائرات الحربية الإسرائيلية العدوانية للسيادة السورية فجر الخميس 6 سبتمبر وفي هذا الوقت بالتحديد الذي يتصاعد فيه السجال حول ما يُطلق عليه "الاجتماع الدولي"، أو مؤتمر السلام الذي يُنًظر له البعض الآخر، والمشاركة السورية فيه من عدمها إلى جانب الأنباء التي تواترت من الجبهة الجولانية ومناورات جيش الاحتلال هناك إلى الحديث المتصاعد عن تزود سورية بأسلحة حديثة ومنها منظومة دفاع جوي.. يصب هذا الاختراق الذي أعلن ناطق عسكري سوري عنه (وليس متحدث رسمي مدني)- يشير ربما إلى طريقة أخرى للتعامل السوري مع العنجهية العسكرية الإسرائيلية – والتخبط الذي تلا هذا الاعتداء على الجانب الإسرائيلي الذي مارس بداية لعبة النفي ومن ثم الغموض إلى اعتراف سخيف(7 سبتمبر) عن أن تلك الطائرات كانت في جولة "استطلاعية" فوق الأراضي السورية..
النقطة الأولى التي تثير الانتباه تكمن في ذهاب البعض الإعلامي العربي ، المصنف في خانة الاعتدال والمتهكم على المقاومة العربية بحجة "المغامرة"، إلى التعامل مع الخبر باختصار واقتضاب وبعضها وصل به الأمر حد التشكيك بالرواية العربية السورية تاركا لخياله المعتدل جدا مساحة من تكرير الرواية الإعلامية الصهيونية ومحاكمة الإعلان السوري وليس الصهيوني باعتبار الأول "مناورة.. أو بالون اختبار..والتحضير لضربة سورية تعتمد على نظرية الرد" بينما التخبط الصهيوني والذي انبرى فيه "أكاديميون" من الجامعات الإسرائيلية المتماهي مع الموقف الرسمي عول عليه البعض الإعلامي العربي باعتباره الحقيقة المطلقة التي يجب تصديقها..
إن دل هذا التدني الإعلامي العربي ألاستهبالي على شيء في تعامله مع القضية فهو بكل تأكيد ليس بعيدا عن جملة من ممارسات النفاق والازدواجية التي نخرت عظام وأسس الإعلام الذي يدور في حلقة الترويض والتدجين التي وصلت إلى ما وصلت إليه من تصديقها للمعتدي وتكذيبها للمعتدى عليه.. تماما مثلما يتم تحوير كل الأكاذيب الأمريكية السابقة لاجتياح العراق والمستمرة إلى يومنا هذا في نبش أكوام الكذب فيما يتعلق بسوريا وفلسطين لتبرير كل هذا الاندفاع نحو التسليم بقدرية الأمريكي وبالتالي الصهيوني مع الكثير من الهرطقة عن ضرورات الاعتدال والإقلاع عن خطاب الحق الذي يتمسك بت أصحاب الحقوق الشرعية.. باعتبار هذا التمسك نوع من المغامرات .. وعلى ذكر هذه المغامرات لا يبدو أن المؤسسات الرسمية العربية قادرة على الإجابة على سؤال مشروع عن مغامرتها في مشروعها السلمي الذي أطلقته القمة منذ 2002 وظلت تتمسك به خيارا لفظيا دون أي معنى لدى الجانبين الإسرائيلي والأمريكي اللذين لا يشعران بأن لدى العرب ما يمكن أن يستخدموه لفرض مبادرتهم التي يُعمل على تفريغها من محتواها.. ولا حتى البدائل سوى كلاما عن تفعيلها بين قمة وأخرى..
أما النقطة الثانية المتعلقة بهذا الأمر فهي قائمة على فرضية أن الجانب السوري أو أي جانب عربي أرسل طائرات حربية للاستطلاع فوق فلسطين المحتلة وألقت ببعض ذخائرها على الأرض فهل من الصعب علينا أن نكتشف أية ردود فعل سياسية ودبلوماسية يمكن أن تكون؟
لا يحتاج المراقب للمواقف العربية إزاء الحدث المترافق مع قرع طبول الحرب الأمريكية والتهديدات المبطنة للعدوان على غزة وسوريا وإيران إلا لقليل من المقارنات ليعرف اللغة التي ستخرج بها علينا عواصم عربية ودولية وصحفها الصفراء تماما على العكس من المواقف المتراخية مع تغول المواقف الإسرائيلية التي ما تزال تمارس شتى صنوف الاعتداء على الشعب الفلسطيني وتهديده بقرصنة العصابات لا الدول بقطع الماء والكهرباء عنه في وقت ما يزال فيه البعض يرجو ويأمل من المجتمع الدولي أن يكون أكثر ضغطا وحزما مع أصحاب الحق ليتخلصوا مما بات يبثونه في تربية العولمة الجديدة وتسمية القضايا العربية العادلة بـ"وجع الرأس"!
ماذا لو .. أصبح العرب أقل تصديقا للروايات الامريكية وأكثر قليلا فهما لواقعهم وقدراتهم الذاتية وموقعهم بين الامم .. ماذا لو... استيقظ العمل العربي المشترك من شرذمته وكبوته التي تفتح ثغرة اثر ثغرة في جدران الحصانة في علاقاتها البينية والاقلاع عن تصديق ان الملاذ هو بعمل انفرادي يطبق قولا وفعلا المثل القائل "أُكلت يوم أكل الثور الابيض"... ماذا لو تعامل العرب ولو لمرة واحدة كما تتعامل كل أقاليم وتجمعات الدنيا البشرية في الحفاظ على مصالحها بدل الركون إلى نظرية أن كل أوراق اللعبة في اليد الامريكية... ماذا لو إكتشفنا فجأة أن النظام الرسمي العربي إستيظ ليكتشف مأزق الاخر الذي يناور على حالة الانقسام ليبقي على مشاريعه حية ؟
ربما حينها وحينها فقط ستدرك القوى الدولية أن للعرب وزن لا يمكن تجاهله.. ولكن يبدو أن الصحوة العربية ليست في طريقها الى التحقق القريب .. وسنيقى لفترة قادمة نردد.. ماذا لو...