"يلي تودع حان شهر الوداع..... نار تلدع بمحبة النبي .. نار تلدع "... كلمات رددتها أصوات رقيقة ... خرجت من حناجرهن نبرات اعتراها الحزن الساكن والشوق المبهم للقاء.... عبرات مكبوتة آلمها البعد وأحرقتها لحظات الانتظار ...
هي تجلس وسط مجموعة من النساء ...تلبس لون النقاء .. هي جميلة وساكنة سكون ليالي الصيف ... هي فرحها لا تسعه السماء ..هي تنتظر قدوم القافلة فلقد حان موعد الرحيل الجميل... سوف تلتقي به أخيرا.. سوف تزوره لتلقيه السلام ... يا .. كم انتظرت قدوم هذه اللحظة والآن هن حولها يرددن "الحنين" .... فاليوم جارتنا تستعد لرحلتها العظيمة التي غدت تعبيرا عن نهاية مشوار ومسيرة الحياة قبل الرحيل الأخير تنشد "يلاا اعملو لي زادتي و زوادتي.."
حنين هو عنوان ليلتنا ... حنين للقاء النبي عليه السلام .. حنين لغسل ذنوبنا ... حنين للنجاة من الماضي وحنين لاستقبال المستقبل بحلة جديدة وقلب جديد.. حنين يجسد بكلمات بسيطة والحان حاكتها السنون الطويلة.. حنين بالفطرة .. حنين إلى هناك حيث التمور والبخور..
ذهبت وأمي إلى بيتها لنودعها ... انضمت أمي لباقي النساء من عمرها وجذبتني إليهن "الصبايا".. كنت اسمع لكلمات لم يعلق في ذاكرتي منها الكثير.. فمنها "نامو نامو نامو... عيني ما تنام .. على بير زمزم نصبوا الخيام .. وآنا حسبته بديوي ولاففله لثام .. اتاريه محمد عليه السلام ... وآنا حسبته بديوي لاففله لفه .. اتاريه محمد حاضر للزفة" آه كم كان مؤثر هذا المقطع .. عند سماعه في حينها ومع تذكري له مع اللحن المرافق له بهدوئه و فرحه الحزين ... هن ينشدن بدفء كأمي.. هن كأمي تجاوزن عمرا .. هن كأمي تدمع أعينهن عند ذكر هذه الرحلة... هن كأمي لم تسمح لهن الأوضاع أن يذهبن باكرا وما تزال الأوضاع عائقا .... هن كأمي في خوفها على البيت ومن سيتولى مسؤولية الأولاد "المتزوجين".... هن كأمي مشاعرهن تتضارب بين "لدنياك عليك حق ولدينك عليك حق..." ... وانأ مثلهن صديقاتي .. جلست وإياهن نتكلم عن شطحاتنا الفكرية على "الشات" .. وعن مشاكلنا في العمل .. جلسنا نخطط للذهاب إلى "الجم" الأسبوع المقبل كما وأخذنا نستمع إلى أحدث "الرنغتونز وأحلى بلوتوث.." .. وجارتنا سعيدة ونحن سعداء ..
بعد قضاء ليلة روحانية في بيت جارتنا .. نهضنا أنا وأمي مودعين القوم .. وبحرارة وبدعاء بالرجوع بالسلامة وطلب متزايد بالدعاء لنا .. ودعنا جارتنا الحبيبة.." ادعيلي الله يعطيني اياها .." ...."ادعيلي وإنت ع جبل عرفات ..." وادعيلي وادعيلي... كل من الحاضرات طلبت دعوى .. فجارتنا ذاهبة إلى هناك حيث ستجاب الدعوات .. وقلب جارتنا كثوبها نقي فدعوتها بالأكيد سوف تستجاب.. - مفتاح 6/12/2007 -