"العيد رائحة طيبة جدا ...محاصرة في زجاجة ..هكذا اشعر به ..لا يختلف أبدا عن أرواح تحاصرها الرياح من كل جهة..لا أريد أن أسبب لك إزعاجا بالأمر ..اعلم جيدا أن هذا العالم بأحداثه اليومية المكررة سببا كافيا للإزعاج والتكور في مكاننا...لكنه العيد .... " هذا ما وصلني كتهنئة في العيد...تلعثمت أفكاري وأخذت زمنا للرد على مضمونها...وبعد الرد عليها جلست أيضا زمنا أمام شاشة الحاسوب أقرا الرسالة مرارا وتكرارا....

كان صباحا جميلا أول أيام العيد، استيقظت وأمي تنادي علينا واحدا تلو الآخر "أومو صلّوا...هلأ بتطلع الشمس " ...وأخي الكبير يأخذ الغطاء بعيدا عني لاستفيق.. وأخيرا استيقظت...وتسبيح المأذنة في حارتنا يعلو بقول "الله اكبر الله أكبر ...ولله الحمد ...الله اكبر كبيرا ...والحمدلله كثيرا .." فأدركت انه العيد فعلا ...و بعد ما تم من مراسم من أضاحي و غيرها ..قدم أبناء و بنات إخوتي ..بأثوابهم الجميلة ..فالآنسات تحمل كل منهن حقيبة صغيرة و الصبيان يحمل كل منهم بندقيته البلاستيكية و كما اخذوا يتبارون في حساب "العيدية" و من حصل على أموال أكثر ...أخذوا يتبارون على من بندقيته "بتكحّش أحسن " على حد تعبيرهم .... كما و استمتع الكبار في تناول الفطور على مائدة والدتي و في تجاذب ألوان الحديث....و أنا سعيدة جدا ...فاليوم هو العيد .

وفي العيد زارنا أعمام أمي ...واخذوا يسردون علينا قصصهم الدافئة وما حصل معهم عند التهجير ...والمعارك التي خاضتها "زرعين" في مواجهة المحتل...اجتمعنا نستمع لهم بكل إمعان ..فأختي تدرس الصحافة و تبحث عن قصة صحفية لتقدمها للأستاذ...وأمي تشتاق لأيام زمان وسماع سيرة جدتها التي يعلو اسمها في سجل المناضلات و قلبها في نفس الوقت مع أختي و الواجب المطلوب منها...أنا ..لا ادري و لكن أحببت في هذه الجلسة أن استمع أكثر من أن أتكلم ..فالاستماع كالكلام متعة....

وفي العيد .. قمنا بزيارة...كما وتلفتت أعيننا وتفحصت شوارع وباحات الحارات التي مررنا بها...و الحارات باردة دفأتها أنفاس المارين و صراخ الأطفال...و" الدور" أبوابها مفتوحة تستقبل الزوار...و السماء صامتة مثلي آثرت أن تستمع و تستمتع بالعيد...

وروح الحديث صديقي .... أن العيد أناس طيبون .. يفتحون تلك الزجاجة ..ويملئون الباحات والشوارع برائحة العيد الطيبة..و الأرواح المحاصرة كتب الله زمانا لتتحرر..فهي تلك الأرواح ساكنة ..و لن تيأس عزيزي .. - مفتاح 26/12/2007 -