الاقتتال الفلسطيني الذي خلف انقساما حادا وخطيرا في الساحة، كان في السابق حلما اسرائيليا، لكن هذا الحلم اصبح حقيقة، تتعامل معها اسرائيل وتستثمرها بالشكل الذي تريد.

وطن الفلسطينيين اختزل الى الضفة والقطاع ، وحينما قررت منظمة التحرير القبول بهذا الاختزال لمجوعة من الاعتبارات ، صار المختزل مجزأ ومقسما، وصارت الحكومة حكومتين، وتحولت المرجعية الواحدة الى مرجعيتين متناحرتين .

لذلك عندما يقترح الفلسطينيون في قطاع غزه هدنة بوساطة مصرية ، يسارع الاسرائيليون الى رفضها، لانهم يريدون ابقاء الوضع على حاله، قطاع محاصر بشكل كامل، وصواريخ بدائية الصنع تطلق بين الفترة والاخرى، تصورها اسرائيل للعالم بانها اسلحة فتاكة ، تتطلب الابقاء على حالة هجومها على الفلسطينيين مستمرة وبوتائر متصاعده.

وفي الضفة تستمر المفاوضات مع اسرائيل، ويذهب المفاوضون ويعودون ، ولا شئ يتغير، بل ان الحكومة الاسرائيلية تستعمل المفاوضات للاعلام والعلاقات العامة، واقناع الرأي العام العالمي ان الامور في طريقها الى الحل، فما دامت اللقاءات والاجتماعات التفاوضية تعقد بانتظام، فان الوضع سيكون على ما يرام ، بمعنى ان اسرائيل معنية ومستفيدة من الابقاء على الوضع في الضفة دون تقدم ، اي تفاوض من اجل التفاوض، وجولات تكسب من خلالها الوقت، في ظل استيطان منفلت في كل الاتجاهات، وجدار يتلوى كالافعى على الارض الفلسطينية يبتلع ويعزل ويقطع الاوصال. الوضع في الضفة والقطاع ، هو مصدر راحة واطمئنان لاسرائيل، لذلك فهي تضغط بكل ما تسطيع من قوة وامكانات وبالتنسيق مع قوى دولية أخرى، لمنع توصل الفريقين المتصارعين على الساحة الفلسطينية لاي اتفاق يمكن تطبيقه على الارض، لا سيما ان اتفاق حماس وفتح يمثل خلطاً للاوراق الاسرائيلية وترتيبا للاوراق الفلسطينية. هذه الحقيقة البديهيه من المؤكد انها لاتغيب عن اذهان المسؤولين في الحركتين المذكورتين، لكن الواقع الذي نعيش يلسعنا كل ثانية بسوط مفارقة غريبه، حيث التمترس خلف المواقف والتمترس خلف بعض من جغرافيا مبعثرة تقوم عليها سلطتان متوازيتان بين جدران سجن يقبض سجان متحفز على مفتاح بوابته، يجعل من هذه الحقيقة البديهية مطعونه في الخاصره تنزف دما فلسطينيا على امتداد الضفة والقطاع ، بل وعلى امتداد كل المواقع والساحات التي يتواجد فيها الفلسطينيون .

القدس