في الطريق الى المسجد الكبير وسط مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة لاداء صلاة الظهر كان الشارع الواصل الى المسجد وهو الشارع الرئيس في ثاني اكبر مدن القطاع خالياً من المارة في مثل هذا الوقت إلا من البعض ، فيما تراجع عدد المصلين في المسجد بشكل ملحوظ .

وبعد أداء الصلاة قررت الذهاب الى مدينة غزة كبرى مدن القطاع وعاصمته السياسية والمالية ، سيارات النقل غير متوفرة الى غزة ؛ فالركاب عزفوا عن الذهاب الى غزة ، واتجهوا بدلاً منها الى مدن رفح المصرية والعريش والشيخ زويد .

آجر النقل من خان يونس الى غزة ارتفع أيضاً الى الضعف فمن ستة شواقل الى خمسة عشر شقيلاً للراكب الواحد ، فيما آجر الراكب الواحد من غزة الى نقطة الحدود جنوب رفح ارتفع الى ثلاثين شيقل بعدما كان بثمانية شواقل فقط ( كل أربعة شواقل تساوي دولار أميركي واحد).

بعد الوصول الى ميدان فلسطين اكبر شوارع غزة قاطبة وأشهرها كان المشهد مختلفاً البضائع المصرية على بسطات موسمية أقيمت اليوم لبيع ما جلبه المئات من الفلسطينيين من سوق المدن المصرية الى غزة اليوم .

السجائر التي ارتفع سعرها في سوق غزة منذ تشديد الحصار المفروض عليها منذ سبعة أشهر شهدت هبوطاً غير مسبوق في أسعارها اليوم وصل الى نحو نصف سعرها المرتفع في القطاع منذ إغلاقه ، فيما المعسل الذي انقطع بشكل شبه نهائي من أسواق القطاع عاد ليحتل واحد من أهم ما يجلبه الفلسطينيون الى غزة.

الفلسطينيون العاديون امتهنوا التجارة اليوم لمردودها ربحاً وفيراً يغطي نفقات عائلة التاجر الموسمي لأشهر طويلة حسب حسن ابن السابعة عشر عاماً الذي يعرض أمامه كمية كبيرة من الاجبان التي ابتاعها من متاجر المدن المصرية .

لحسن ثلاثة أشقاء آخرون باعة جوالين على أقدامهم ، يطرقون شقق الأبراج في غزة لعرض الاجبان والدخان على ربات البيوت ، لا يجد حسن وأشقاؤه وقتاً للحديث مع أقرانه كما الأيام السابقة التي كان الوقت عندهم فارغ كله لا يعرفون كيف يقضونه.

أكياس الاسمنت ينقلها الفلسطينيون بالسيارات ، وبعاربات الكارو التي تجرها البهائم من المدن المصرية ؛ شاب في منتصف العشرينات يحرس أربعين كيساً من الاسمنت على عربة كارو قادمة الى رفح خوفاً من وقوع كيس ، ويقول " احتاجوا لإتمام شقتي الصغيرة الى ثلاثين كيساً من الاسمنت لأشطبها نهائياً " وقد تعطلت عن الزواج فترة ثلاثة أشهر بعد انقطاع الاسمنت من أسواق غزة اثر قرار الاحتلال منع إدخاله الى القطاع .

الآن باستطاعتي الزواج ، يقول . ويضيف أحضرت معي بعد مستلزمات حفل الزواج كالحذاء وبعض الملابس، وعبوات غاز.

بينما امرأة أخرى اجتازت الحدود قادمة من العريش لزف ابنتها الى ابن عمها التي انتظرها فترة خطوبة طويلة تصل الى ثلاث سنوات ، وقال العريس : لم أكن أتوقع أن يتم زواجي قبل عام أو عامين لان الوضع كان جد صعب في المعابر.

عند العودة من غزة الى خان يونس ترى الناس ينتظرون على جانب الطريق سيارات تقلهم الى الحدود ولو اقتضى الأمر بآجر مضاعف عن الأجر الذي قرر اليوم ، في خان يونس بدت الحركة التجارية نشطة نوعاً ما ، الأطفال يتجولون في شوارع المدينة بمئات كروسات الدخان يعرضونها بسعر مغر للمدخنين ، لكن الكثير من المدخنين ذهبوا كبقية الناس الى الأراضي المصرية .

في سوق خان يونس الموسمي مقابل المسجد الكبير الذي يعد وسط المدينة وملتقى مناطق المحافظة من الغرب والشرق والشمال والجنوب ، تعرض عبوات الحليب بالمئات على البسطات كذلك الاجبان وبطاريات الكهرباء ، والمعسل ، والملابس ، فيما المئات ممن لم يذهبوا الى المدن المصرية يقلبون البضائع ، يدفعون بسرعة خشية إغلاق الحدود واحتكار التجار للبضائع ليرفعوا أسعارها من جديد .

بينما تشهد مدينة رفح توافد عشرات الآلاف من الفلسطينيين لتحول شوارعها الى سوق بشري يضج منذ الفجر بالألوف القادمة للمرور الى الأراضي المصرية عبر أراضي المدينة الفلسطينية المحاذية للحدود ، مساجد المدينة تمتلئ بالمصلين بعكس المساجد في مدن قطاع غزة الأخرى ، وأسواق رفح تزخر بالبضائع من كل نوع حتى مشتقات الوقود وفراشات النوم ومواد الدهان وقطع غيار السيارات ، وقطع الحاسوب ، وأسلاك الكهرباء المقطوعة ، كل شيء نقل من العريش الى رفح وخان يونس وغزة ، وكل ما نقل تلقفه الناس بسرعة البرق ، وما زال عشرات الآلاف يتدفقون الى جانبي الحدود بيع وشراء ولقاء أحبة وتفريج هم وتنفس هواء بعد طول حبس وكبت في بضعة كيلو مترات ؛ فالعدو للفلسطينيين من ورائهم شرقاً وشمالاً والبحر من أمامهم غرباً ولا مفر لهم إلا جنوباً الى مصر حيث المتنفس والمتسع لراحة الروح والجسم واخذ نفس طويل لغد مجهول .