يحتفل الإسرائيليون غدا بالذكرى الستين لإقامة دولتهم، وقد كانت هذه الفترة الطويلة كافية لقطع ما تبقى من صلة بينهم وبين الواقع الذي كان سائدا عام 1948 حين تواجد ما يقارب المليون فلسطيني في مدنهم وقراهم وبياراتهم ومضارب خيامهم التي عاشوا عليها جيلا بعد جيل ولم تكن فلسطين أرضا خالية تنتظر من يسكنها بل كانت عامرة بأهلها وبزرعها وحقولها وعلاقاتها النشطة مع محيطها العربي شمالا وشرقا وجنوبا.
مسيرة التاريخ حادت عن الخط الذي كان مفروضا أن تسير فيه فبدلا من أن تتجه نحو استقلال فلسطين موحدة ومتآلفة ومتجانسة ديموغرافيا كما حدث في العديد من الأقطار التي وضعت تحت الانتداب فقد خرجت بريطانيا من قواعدها العسكرية في فلسطين تاركة البلاد في حال اقتتال وتصارع بين العرب واليهود ، بينما ترك للجانبين مسألة حسم كيفية تنفيذ قرار التقسيم وان كانت كفة اليهود هي الراجحة عسكريا وإعلاميا وسياسيا خصوصا مع التعاطف الدولي الذي نشأ بعد المحرقة النازية ليهود أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية.
وكانت النتيجة هي تشريد مئات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين بعد الترويع والمجازر التي ارتكبت في قرى وبلدات عربية ودمرت المئات من هذه القرى وعلى أنقاض هذه النكبة الفلسطينية أعلن عن إقامة إسرائيل على ارض تتجاوز بكثير المساحة المقررة للدولة اليهودية في قرار التقسيم وبعد تهجير ونزوح اللاجئين الفلسطينيين عن ديارهم وأراضيهم .
والإشكالية أو المفارقة الكبرى هي أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ترفض الاعتراف بأي نوع من المسؤولية عن نكبة الشعب الفلسطيني حتى المسؤولية الأدبية أو الأخلاقية وترفض الإقرار بأي صلة بين هذه النكبة وقيام إسرائيل متعللة بان اللاجئين تركوا بيوتهم وديارهم طواعية أو بناء على طلب الجيوش العربية وهو ادعاء لا يصمد أمام أي منطق لان هؤلاء الفلسطينيين ما كانوا ليغادروا أراضيهم لو كانت الظروف طبيعية ولو لم يصل المشروع اليهودي لإقامة إسرائيل المرحلة القصوى بتأييد ومساندة القوى الدولية الكبرى في ذلك الحين.
وإذا كانت إسرائيل كدولة حقيقية واقعة اعترفت بها منظمة التحرير الفلسطينية فان النكبة كذلك حقيقة لا يمكن تجاهلها وهناك ستة ملايين من اللاجئين الفلسطينيين يشكل حق العودة بالنسبة إليهم خاصة وللشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية احد الثوابت التي لا يمكن القفز عنها في أي تسوية سلمية للقضية الفلسطينية .
وليس من الممكن التهرب من استحقاقات العودة بذريعة الطبيعة الديمغرافية اليهودية لإسرائيل ولا بد من حل عادل لهذه القضية وفقا لقرار الأمم المتحدة 194 ، ودون حل كهذا فان أي اتفاق سلمي سيظل مجزوءا وبعيدا عن المصداقية .
وفي الذكرى الستين لقيام إسرائيل لا بد من التذكير بوصول المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية إلى طريق شبه مسدود بسبب تكثيف النشاطات الاستيطانية والاستمرار في ابتلاع الأراضي الفلسطينية لبناء الجدار الفاصل والطرق الالتفافية وعملية تغيير الطابع الديمغرافي لمدينة القدس وخلق الحقائق لفرض الحل الإسرائيلي لمستقبل المدينة مع إغفال الحقوق الفلسطينية والعربية والإسلامية فيها.
كل ذلك يشير إلى أن عملية السلام مهددة من الأساس ويتطلب تدخلا دوليا لوقف الممارسات الإسرائيلية الجائرة التي تعطي انطباعا بان نكبة 1948 ما تزال مستمرة على الرغم من مرور 60 عاما على النكبة الأولى التي أدت إلى قيام إسرائيل وتشريد اللاجئين الفلسطينيين.