"كل إبداع جديد عندنا يقوي مكانتنا في الحرب الدائرة لوأد مستقبلنا كأمة عربية. فمن دون الإبداع، لا مستقبل لنا".

محمود درويش

*****

حين يتتبع الباحثون تطور القوانين، التي تحمي حقوق المؤلف في العالم؛ يلاحظون ارتباطاً وثيقاً، بين ازدياد الاهتمام بحقوق المؤلف، وازدياد الاهتمام بالثقافة والعمل الثقافي.

وهنا يجدر التساؤل بالنسبة لتطور الاهتمام بالملكية الفكرية/حق المؤلف، في العالم العربي؛ إذا كان قد صاحبها اهتمام حقيقي بالثقافة؟!

نوقشت قضايا حقوق المؤلف، في العالم العربي، في حلقة دراسية خاصة "النشر وحقوق المؤلف- دراسة عالمية"، نظّمتها لجنة حقوق المؤلف، اتحاد المترجمين العالمين FIT، بالتعاون مع الرابطة النرويجية للترجمة الأدبية، ضمن "المؤتمر الثامن عشر للاتحاد العالمي للمترجمين: الترجمة والتنوع الثقافي"، 5-6 آب 2008، في شانغهاي/الصين.

رصدت مناقشات الحلقة الدراسية، حقوق المؤلف، في كل من: أمريكا، وأوروبا، والصين، وأستراليا، وأمريكا اللاتينية، والدول العربية، ضمن أوراق عمل، ترصد تطور القوانين، والمشكلات التي يطرحها تطبيقها. وأكَّدت كافّة الأوراق، على الارتباط الوثيق بين الإبداع وحقوق المؤلف.

ركَّزت في ورقتي، المقدمة إلى الحلقة الدراسية، على الارتباط الوثيق، بين ازدياد الاهتمام بحقوق المؤلف، وازدياد الاهتمام بالثقافة والعمل الثقافي، مبيِّنة تطوّر اهتمام الدول العربية، بهذا الموضوع، متسائلة، ما إذا كان قد صاحب هذا التطوّر اهتمام حقيقي بالثقافة؟!

إلى أي مدى تتغلغل الثقافة داخل المجتمع العربي؟ وإلى أي مدى تحترم الثقافة، ويحترم المثقفون والمبدعون؟ إلى أي مدى بتم إدماج الثقافة في الخطط التنموية للبلاد العربية؟

وهل يتجسد هذا الاهتمام في استراتيجيات ثقافية عربية، تحترم حقوق المؤلف؟

ثم ما هي رؤيتنا العربية الثقافية، ومنظورنا الثقافي؟ هل هو تعدد الثقافات؟ فنتبنى سياسة الانفتاح على ثقافات الشعوب المختلفة؟ أم الثقافة الواحدة المطلقة؟ فننغلق على أنفسنا؟ وإذا انفتحنا على الثقافات؛ فهل نأخذ موقفاً نقدياً منها؟ هل نكرِّس عقلاً ناقداً أم عقلاً ناقلاً؟

هل نؤمن بالإبداع كضرورة لتقدمنا؟ وإذا آمنا بالإبداع؛ فهل نشرِّع القوانين التي تحمي هذا الإبداع، وعلى رأسها قانون حماية حقوق المؤلف؟

وإذا كانت الدول العربية، شرَّعت قوانين تحمي حقوق المؤلف؛ فهل تراقب تطبيق هذه القوانين؟

لا شك في وجود اهتمام متزايد، بموضوع حقوق المؤلف، في العالم العربي، ودليل ذلك، تشريع قوانين لحمايتها، في معظم الدول العربية، وانضمامها إلى اتفاقيات عربية ودولية، ولكن ماذا بالنسبة لتطبيق هذه القوانين؟

*****

على الرغم من تضمين بند للعقوبات، يتفاوت في شدَّته بين دولة عربية وأخرى، وتوقيع الدول العربية على الاتفاقية العربية لحقوق المؤلف، التي تعتبر "الاعتداء على حقوق المؤلف جريمة ينص التشريع الوطني على عقوبتها"؛ إلاّ أنا لا نشهد تطبيقاً صارماً لهذا القانون، يمنع هذه الجريمة.

تبيِّن الباحثة القانونية "ربا طاهر القليوبي"، من خلال دراستها لقوانين الملكية الفكرية في الأردن؛ قلة القرارات الصادرة عن "محكمة العدل العليا، ومحكمة التمييز، بصفتها الحقوقية والجزائية، المتعلقة بهذا الموضوع، خلال المدة 1952-1996م".

وحين العودة إلى قرارات المحاكم؛ تحصر الباحثة أربعة قرارات فقط، تخص حقوق المؤلف، بين الأعوام: 1981-1995م، وعشرة قرارات فقط، تخص امتيازات الاختراعات والرسوم، بين الأعوام: 1995-1989م؛ الأمر الذي يطرح علامة استفهام كبيرة حول مدى جدية الدولة، في تطبيق قوانينها، المتعلقة بالثقافة والإبداع، خاصة حين نقارن قلة هذه القرارات بعشرات القرارات، المتعلقة بموضوعات الملكية الفكرية الأخرى، مثل: قانون العلامات التجارية، وقانون علامات البضائع، وقانون تسجيل الأسماء التجارية.

*****

تشير الدلائل، إلى ضعف تطبيق التشريعات، اللتي تحمي حقوق المؤلف، في العالم العربي: كارثة النشر في العالم العربي، وتوتر العلاقات بين الناشرين والمبدعين، وازدياد القرصنة، وغياب ثقافة خاصة بحقوق الملكية الفكرية، وهجرة المبدعين إلى حيث يجدون تقديراً لجهودهم.

وحين البحث في جذر هذه الأسباب؛ نعود إلى الثقافة، لنبحث مدى جدية الاهتمام بها في العالم العربي، حيث يتبدى لنا واقع ثقافي بائس، رغم النوايا الحسنة للدول العربية.

*****

يعطينا قانون حقوق المؤلف في فلسطين، أكبر مثال على ارتباط القانون بموضوع غياب الحريات، كما يبيِّن الأستاذ "محمد البطراوي"، "فبالرغم من أن فلسطين كانت من أوائل الدول العربية التي تتبنى قانونا بهذا الشأن، إبان الانتداب البريطاني، حين صاغت قانوناً متطوراً يحمي حقوق المؤلف؛ إلاّ أن "الاحتلال الإسرائيلي؛ لم يكن معنياً بعد احتلال الضفة الغربية عام 1967، بتطوير قوانين حول حقوق المؤلف والنشر، رغم أن إسرائيل أصدرت ما يسمى بالأوامر العسكرية، فيما يتعلق بالملكية الصناعية، وذلك في خطوة منها لحماية المنتجات الإسرائيلية. ومع إقامة السلطة الفلسطينية على الأرض عام 1994، أبدت وزارة الثقافة الفلسطينية اهتماما بحقوق المؤلف، وصاغت مجموعة قوانين، ثم اجرت عليها تعديلات في العام 2000، وتم عرضها على المجلس التشريعي لإقرارها بالقراءة الأولى؛ لكن ذلك لم يتم لأسباب كثيرة، منها اندلاع انتفاضة الأقصى"، ثم تعطيل أعمال المجلس التشريعي الفلسطيني، بعد اعتقال مجموعة كبيرة من أعضائه، وعلى رأسهم رئيس المجلس: عزيز الدويك، بتاريخ: 6/8/2006.

*****

يتبين بعد قراءة القوانين التي شرَّعتها معظم الدول العربية، بشأن حقوق المؤلف، ومن خلال التصديق على الاتفاقية العربية، والاتفاقيات الدولية، أن التشريع وحده لا يكفي، وأن القانون يحتاج إلى بيئة مناسبة تحترم القانون، ومؤسسات تتناغم مع مصالح الأفراد، وتحمي مصالحهم، حتى يدافعوا بدورهم عنها.

نحتاج إلى نشر ثقافة عامة حول أهمية الحفاظ على حقوق المؤلف، كما نحتاج إلى إنتاج المعرفة في كافة الميادين، والانفتاح على الثقافات الأخرى، من خلال الترجمة.

نحن بأمس الحاجة إلى بيئة تنبذ العصبية القبلية، والعشائرية، والهرولة لاقتناص الفرص، وتنبذ ثقافة التمييز على أساس الجنس أو اللون أو الدين أو العرق، وتقدر الكفاءات؛ الأمر الذي يمنع هجرتها خارج أوطانها، بحثاً عن التقدير. بيئة تشجع التنافس الديمقراطي الحر، لتداول السلطة، وبناء المؤسسة، واحترام القانون.

نحتاج إلى تنفس الحرية، من خلال إطلاق حرية الرأي والتعبير، مما يهيء البيئة الملائمة للتقدم في مجالات المعرفة كافة.