ما أن توقفت الحرب الإسرائيلية على غزة، حتى بدأت نذر رياح المصالحة الفلسطينية تهب في الأجواء بين الحين والآخر، ويبدو للمترقب للوهلة الأولى أن هذه المرة قد تكون مختلفة عن غيرها، لحجم الخسائر البشرية والمادية وغيرها من الخسائر التي تكبدها الفلسطينيون بسبب الحرب الشرسة التي شنتها دولة الاحتلال على قطاع غزة بأكمله، بينما لم تتوقف عن فعل نفس الأمر وإن بوتيرة مختلفة في الضفة الغربية.
لكن السؤال الذي يتوارد بشكل سريع إلى الأذهان هو عن ماهية مثل هذه المصالحة، وهل الوضع على الأرض فعلاً كفيل بخلق مصالحة حقيقية أم أنها ستكون مصالحة تسيير أعمال لكل الأطراف التي قد تدخل في مثل هكذا مصالحة، علماً أننا كفلسطينيين لا نريدها إن كانت لتسيير أعمالهم هم وليس نحن الذين بأمس الحاجة فعلاً لتسيير أعمال حياتنا اليومية، وإعادة الأمل لكل ما فقد من قبل بسبب هذا الجرح النازف من فترة ليست بالبسيطة.
المنطق يقول أنها يجب أن تكون مصالحة حقيقية، لكن ذلك لا يعني مطلقاً بأننا لسنا متخوفين من هذه المصالحة كون الماضي لم يحمل إلا انتكاسات للمصالحة الفلسطينية التي بنيت على أساس محاصصة وليس على أساس المصلحة الوطنية العليا التي يحب الكثيرون التغني بها، وتخوفنا بشكل رئيس هذه المرة أن تتوسع هذه المحاصصة بناء على ما استجد على الأرض أو ما يرغب البعض بتسميته الواقع الجديد بعد الحرب على غزة.
منذ ستين عاماً ونحن نتلقى الضربة تلو الأخرى ونهوي مرة تلو مرة، حتى وصلنا إلى نقطة ليس بعدها أي مرحلة أخرى للسقوط، فنحن في الحضيض بكل ما للكلمة من معنى، وبالتالي لا تهمنا المصالحة لأجل المصالحة فقط، ولا يعنينا أي اتفاق مبني على المحاصصة سواء الثنائية منها أو الأوسع من ذلك، ما يهم فعلاً هو الوحدة الحقيقية، لقيادة هذا الشعب مجدداً وإعادة الاحترام له، والأكثر هو لكرامته التي أهينت أكثر من مرة بسبب هذا الانقسام المذل فعلاً.
لا تعلنوا الاتفاق بينما لا تزال القلوب غير صافية، ولا تتسرعوا بإعلان انجازه بينما هناك أمور لا تزال عالقة بينكم، ولا تفكروا بإعلان المصالحة إن لم تكن جدية ونهائية هذه المرة، فلسنا بوارد القدرة على احتمال تلقي ضربة جديدة، بعد أن تلقينا آخر ضربة من الاحتلال، ولا نخجل من أن نقول أنها كانت قاسية للغاية على كل ما يتعلق بحياتنا.
نعلم أن أحداً منكم لا يستطيع المضي قدماً دون الآخر، ونعلم أيضاً أنكم جميعاً بحاجة لبعضكم البعض وإن كان ذلك على أساس المصالح الحزبية أو غيرها، لكن اعلموا أننا لا نحتاجكم إن انتكست هذه المصالحة، واعلموا أننا إذا ما حدثت انتخابات جديدة وهي ستحصل عاجلاً أم آجلاً سنحكم عليكم من هذه المصالحة ومن تاريخ المصالحات السابقة بينكم، وطالما أن الخيار لنا، فحري بكم عمل ما يجب عمله، والبقية تأتي.