قبل أربعة أيام من إعلان جمهورية مصر العربية رسميا عن تأجيل الحوار الشامل للفصائل الفلسطينية، الذي كان مقررا في العاشر من نوفمبر، نشرت على موقع "الحوار الوطني" تصريحا لمسؤول فلسطيني كبير على علاقة وطيدة مع أطراف الحوار ومع عدد من المسؤولين المصريين، أبرز من خلاله المؤشرات التي تظهر عدم جدية حماس في حضور حوار الاثنين.

ذلك المسؤول قال بالحرف الواحد إن أرغمت حماس على حضور الحوار يوم العاشر من نوفمبر فستمارس دورها في المماطلة والتسويف عقب تشكيل اللجان.

كلام ذلك المسؤول اعتبره البعض يحوي كثيرا من المغالاة، أو أنه صادر عن شخص منحاز وغير موضوعي، لكنه في الحقيقة على اتصال دائم مع حركة حماس، ولم يعط هذا التقييم إلا بعدما استنتج ذلك في ضوء هذه الاتصالات.

حاولت في حينه إقناع مجموعة من الزملاء بنشر تحليل ذلك المسؤول سواء بالنقل عن موقع "الحوار الوطني" أو بالطريقة التي يرونها مناسبة، اثنان منهم فعلا ذلك بعد نقاش وتأكيدات من قبلي بأن هذا الشخص على دراية بطبيعة الأمور، وأذكر أن الزميل العراقي د.رائد العزاوي كان مترددا جدا بخصوص الموضوع وحسم رأيه في النهاية لن أنشر، لأن الموضوع غير مضمون وربما لأن المؤشرات تشير لحضور حماس حوار الاثنين.

ومرت الأيام وثبتت تنبؤات ذلك المسؤول، ولم أفاجأ وكثيرون من الصحفيين الذين التقي بهم يوميا خلال عملي المهني في مصر بما ساقته حماس من مبررات، ولم نكن يوما نشك بمقدرة حماس الخطابية، ولا بقدرة السيدين أسامة حمدان، ولا صلاح البردويل على ترتيب الكلام وسردها بشكل متناسق وجميل.

مجريات الأحداث أعادتني للوراء وذكرتني بتصريحات الأمين العام لجامعة الدول العربية قبل ثلاثة أسابيع في قصر الرئاسة المصرية بمصر الجديدة، عندما تطرق عقب لقاء الرئيس محمود عباس إلى أن حماس هي الفصيل الوحيد الذي لم يزر الجامعة العربية للتشاور في موضوع الحوار، رغم أن الجامعة تتعامل مع جميع الأطراف بحيادية ورغم أن أبوابها مفتوحة للجميع..

ومن حقنا أن نتساءل ما هي مبررات حماس لإهمال جامعة الدول العربية مظلة كل العرب وبيتهم الكبير، وإذا لم نحتكم للجامع الأكبر"جامعة الدول العربية" فلمن نتوجه، وبخاصة أن مصر أكدت مرارا وتكرارا أن الأمور ستنقل في النهاية لجامعة الدول العربية!!.

وبالعودة للمبررات التي ساقتها حماس لمقاطعة اجتماع الحوار الشامل، فهي تتغنى بأن السلطة الوطنية تشن حملة اعتقالات واسعة بين صفوفها في الضفة، وأنا ليس معني بنفي أو تأكيد ذلك، ولكن بودي أن أجلب انتباه السيد أسامه حمدان بأنه في الوقت الذي كان يتحدث على قناة الجزيرة القطرية عن قيام السلطة الوطنية باعتقال 40 من عناصر حركته في الضفة في ذلك اليوم كان البريد الالكتروني التابع لحماس في الضفة المسمى"إمامة فلسطين" يوزع بيانا يقول إن مجموع من اعتقلتهم أجهزة السلطة ذلك اليوم من حماس وصل إلى سبعة.

وبما أن الأمور تتعلق بالاعتقالات، فجدير بالذكر بأنه في الوقت الذي كانت حماس تتباكى وتصرخ على القنوات الفضائية بأن السلطة الوطنية اعتقلت عددا من عناصرها أعادت حماس اعتقال غالبية قيادات فتح في غزة، وخصوصا في محافظة رفح من بينهم النائب أشرف جمعة، أحرام على السلطة أن تعتقل عناصر من حماس ومسموح لحماس أن تعتقل عناصر من فتح!!.

إنني لا أورد هذه الكلمات لمجرد اتهام طرف أم تبرئة طرف آخر، بقدر ما أنني حريص على إنهاء ملف الاعتقال على خلفية سياسية، لكني في ذات الوقت اعتبر بأن الاعتقالات المتصاعدة ما هي إلا نتاج لعدم إجراء الحوار، وعدم السير بخطى حثيثة لإنجاح الجهود المصرية، وأن الاعتقالات يجب أن لا تكون المعطل أمام الحوار، مع تأكيدي على ضرورة أن توضع في مقدمة الأجندة لإنهاء هذه الظاهرة المسيئة لشعبنا.

وكمراقب ليس بإمكاني اتهام الطرف الذي يقول "نحن موافقون على أن نلبس الثوب الذي تصممه مصر"، والطرف الذي لم يضع أي اشتراطات أو تحفظات على الورقة المصرية.

ولا أعرف كيف يرد سامي أبو زهري على كلام الرئيس محمود عباس في المؤتمر الصحفي بقصر الرئاسة المصرية يوم السابع والعشرين من أكتوبر " اتفقنا مع الأشقاء المصريين على برنامج للمصالحة الفلسطينية، وإخواننا في مصر سينشرون هذه المعلومات، وما نؤكد عليه أن كل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وافقت على الورقة المصرية، ونحن ندعمها"، بهذه القسوة، وبالادعاء بأنها دليل على عدم جدية الرئيس بالحوار الجاد، وأنها محاولة لإظهار أن الخلاف بين حماس وفصائل منظمة التحرير.

أليس من صلاحيات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية بأن يعلن عن مواقف الفصائل المنضوية تحت المنظمة التي يرأسها، وهل المصلحة الوطنية تتطلب الرد على الخطاب السياسي المتزن بتصعيد إعلامي يلقي بظلاله سلبا على الشارع الفلسطيني.

وبما أن حماس تركز على مجموعة من العوامل الخلافية، وتعتبرها معيقا أمام الحوار، فإعادة بناء الأجهزة الأمنية على أسس وطنية أمر بناء ومطلوب للارتقاء بأداء الأجهزة، ولكن مناقشة ذلك لا يتم عبر وسائل الإعلام، وإنما على طاولة الحوار.

وبالعودة للمؤتمر الصحفي الذي عقده موسى أبو مرزوق وخليل الحية القياديين البارزين في حماس في الثامن من أكتوبر الماضي، فقد أكد أبو مرزوق أن إعادة بناء الأجهزة الأمنية على أسس وطنية من صلاحيات إحدى اللجان الخمس التي اتفق على تشكيلها، وبما أن حماس تدرك ذلك، لم يتم استباق الأحداث والإصرار على مناقشة الموضوع باستمرار عبر القنوات الفضائية، والتدليل من خلال طرح هذا الموضوع على عدم جدية الرئيس عباس في الحوار، وكيف نعط مثل هذه الأحكام واللجان وفي مقدمتها اللجنة الأمنية لم تنعقد بعد، بل لم يتفق على تشكيلتها؟!.

وبالرجوع إلى تصريحات قادة حماس بخصوص الحوار، فأحيانا نسمع متحدث يقول أن الرئيس عباس هو المعيق بوجه الحوار وأنه غير جاد في ذلك بسبب ما يسمونه "الفتيو" الأمريكي، في حين أشار أبو مرزوق في مؤتمره الصحفي المشار إليه إلى أن حركة فتح معنية بتسريع الحوار لمحاولة الخروج من إيجاد حل قبل التاسع من يناير 2009م، فكيف نجمع بين هذا وذاك؟.

وبخصوص طبيعة الحكومة المطلوب تشكيلها فحماس تتشدد بأن تكون حكومة فصائلية، وبقية الفصائل ترى بأن الحل يكمن بحكومة خبراء بعيدة من مناوشات الفصائل تمهيدا لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، فهل المنطق يقول بأن يتنازل 13 فصيلا لصالح فصيل واحد بخصوص شكل الحكومة، وهل تعزيز صمود الشعب الفلسطيني يتطلب تشكيل حكومة سياسية تكون عرضة لفرض العقوبات ووضع القيود ووقف المساعدات لنصل بالنهاية لقطع موظفي القطاع العام، وربما إضراب مفتوح للموظفين الحكوميين؟.