تعقد حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) – كبرى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية مؤتمرها السادس في بيت لحم في الضفة الغربية اليوم بعد عقدين على تنظيم آخر مؤتمر للحركة ولد أثناءهما جيل جديد ومات أو استشهد جيل الحركة المؤسس إلا القليل ممن بقي منهم على قيد الحياة.

فقد فقدت الحركة خلال هذين العقدين قادتها التاريخيين: أبو عمار وأبو جهاد وأبو اياد وأبو الوليد وماجد أبوشرار وخالد الحسن وأبو الهول.

ولعل منشأ الجدل المثار حول المؤتمر يعود إلى أنه ينعقد في ظل خلافات خطيرة وتحالفات جديدة داخل قيادات "فتح" نفسها، وبين "فتح" و"حماس"، وحيث أن من شأن تلك الخلافات أن تلقي بظلالها القاتمة على أعمال المؤتمر.

ويعتقد أن مؤتمر بيت لحم سيعيد تأسيس "فتح" من جديد وسيرسي أسس وقواعد العمل الديموقراطي للمؤتمرات اللاحقة، لكنه لن يسفر عن تغيير جذري في البرنامج السياسي للحركة الذي يحبذ التفاوض مع إسرائيل ولا يعول كثيرًا على سلاح المقاومة.

ويرى البعض أن الفترة الفاصلة بين المؤتمرين الخامس والسادس هي الأسوأ في تاريخ الحركة خاصة في مجالي التنظيم والتمثيل إلى جانب محاولة قيادات الصف الثاني والثالث القفز إلى الصف الأول ليحلوا محل أولئك الذين غيبهم الموت أو الاستشهاد دون أن تكون تلك القيادات الجديدة مؤهلة أساسًا لاحتلال تلك المناصب.

ويأخذ البعض على المؤتمر عقده تحت ظلال الاحتلال بغياب جزء كبير من كوادر الحركة البارزين في قطاع غزة والشتات الفلسطيني بما لا يعكس الحجم والتمثيل الحقيقيين لـ"فتح".

لكن بالرغم من ذلك يكتسب عقد المؤتمر أهمية خاصة لعدة اعتبارات أولها عقد المؤتمر بعد فترة طويلة من الغياب، وثانيها كونه يعتبر أعلى سلطة تشريعية في الحركة، وفيه تنتخب هيئاته القيادية العليا اللجنة المركزية (21 عضواً)، والمجلس الثوري (120 عضواً) وفيه أيضاً تُقر "فتح" برامجها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعسكرية ، وثالثها صعوبة التحديات التي تفرضها الظروف الراهنة التي تتمثل في صعود حكومة إسرائيلية متعنتة ترفض تجميد الاستيطان حتى لفترة مؤقتة إلا بثمن باهظ لا يقل عن التطبيع الاقتصادي مع الدول العربية التي ترفض التطبيع إلا في إطار السليم الذي حددته المبادرة العربية للسلام، الأمر الذي يتطلب قرارات وإجراءات حاسمة تتخذها الحركة والتي من المؤمل أن لا تقل عن عدم الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل ورفض إحياء المفاوضات إلا بعد الحصول على ضمانات أمريكية بوقف الاستيطان وتحديد فترة زمنية لقيام الدولة الفلسطينية الحرة المستقلة في موعد لا يتجاوزعامين من الآن.

ويتخوف البعض من إطلاق الاتهامات خلال المؤتمر حول المسؤول عن تراجع شعبية "فتح" في السنوات الأخيرة أمام "حماس" التي تحتفظ الآن بقطاع غزة. هذه الاتهامات قد تطال حكومة رام الله التي يرى البعض أنها لم تتخذ موقفا حاسما، حتى الآن في مواجهة المواقف الإسرائيلية المتعنتة، كما لم تتخذ موقفا حاسمًا إزاء التجاوزات الإسرائيلية الممثلة بإجراءات تهويد القدس المتسارعة واستمرار الحصار المفروض على قطاع غزة بما يزيد من معاناة أهله الذين يقل عددهم عن سكان الضفة الغربية بنسبة ضئيلة.

بيد أن أشد ما يتخوف منه المشفقين على الحركة أن تواجه انشقاقًا جديدًا يكون الثالث من نوعه بعد انشقاق أبو نضال عام 1973 في العراق وانشقاق أبو موسى عام 1983 في لبنان. لكن ما يثير المخاوف بدرجة أكبر إمكانية تلاشي "فتح" حيث يبدأ انشقاق ثم يتلوه انشقاق ثان وثالث، ليكون التلاشي هو الحصيلة النهائية.

اليوم تعقد "فتح" مؤتمرها السادس لتطل منه على أمجادها القديمة بدءًا من عام 1968 عندما خاضت جنبًا إلى جنب مع الجيش الأردني أول معركة ضد الجيش الإسرائيلي في غور الأردن "معركة الكرامة" التي مسحت عن جبين الأمة وصمة العار التي وصمت بها في نكسة يونيو 1967 لتعيد للأمة كرامتها التي فقدتها في تلك الحرب ومرورًا بمعارك جنوب لبنان التي لعبت فيها "فتح" دورًا أساسيًا في إلحاق الهزيمة بجيش الدفاع الإسرائيلي أكثر من مرة، خاصة في معارك ربيع 1978، ثم في معارك بيروت البطولية صيف عام 1982 التي انتهت بخروج قوات الثورة الفلسطينية من بيروت بوساطة أمريكية قام بها فيليب حبيب وبحراسة البوارج المصرية والفرنسية، وليس نهاية بانتفاضتي 1987 و2000 وحرب غزة المجيدة. ويبقى السؤال: هل لا يزال في وسع "فتح" النهوض مجددًا وكسب جولات جديدة في صراع شرس مع خصم لدود لا يرحم .. أم أن زمن الكرامة مضى وولى؟!

* كاتب فلسطيني يقيم في الرياض. - ibrahimabbas1@hotmail.com