بالرغم من أن نظرية المؤامرة حقيقة واقعية تحدث عنها التاريخ الانساني واستهدفت شعوبا ودولا وأفرادا, الا أن ماحدث في انتخابات اليونسكو لم يكن مؤامرة بل كان معركة معروفة أدواتها, بل ان هذه الأدوات هي التي صرحت عن نفسها وأعلنت أنها ستفشل فاروق حسني. ولكن ماعسانا نفعل بهؤلاء الكتاب عربا وفلسطينيين الذين (كلما دق الكوز بالجرة) خرجوا علينا بهذا السوط المسمى نظرية المؤامرة كي يجلدونا به نافين وجود المؤامرة من مفهوم الصراعات السياسية, ومن صفحات التاريخ الانساني, وكأن معركة اليونسكو كانت فقط معركة ثقافية لادخل للسياسة فيها من قريب أو بعيد.
اذا وافقنا على نفي نظرية المؤامرة, اذن, ماذا نسمي معاهدة سايكس بيكو, ووعد بلفور وغزو العراق, وتقاسم المصالح بين القوى العظمى صاحبة النفوذ, واستعمار الشعوب لسرقة ثرواتها, واقامة دولة اسرائيل ظلما وعدوانا داخل الجسد العربي, والالتفاف على القرارات الدولية والكيل بميزانين. ماذا نسمي هذه الأحداث التي أنجزت حلا لمجموعة دينية بايجاد دولة لهم على حساب شعب يتمتع بكل الديانات السماوية ويرزخ الآن تحت احتلالهم وتحت قبضتهم الفاشية التي هي وليدة ونتيجة مثيلة للحقبة النازية وتوأم لنظام الفصل العنصري البائد.
بكل بساطة يحاول بعض الكتاب العرب والفلسطينيين الدفاع عن الصهيوني الحاقد على الفلسطينيين, ايلي فيسيل وغيره على اعتبار أنهم لم يكونوا أدوات قوية وفاعلة لافشال وصول الوزير فاروق حسني لرئاسة اليونسكو, بل ويعملون على تسطيح نظرية المؤامرة باستخدامها سوطا يجلدوننا به, مثلهم مثل اليهود الصهاينة الذين يحملون بيدهم سوطا آخر أكثر جبروتا اسمه معاداة السامية (فكلما دق الكوز بالجرة) وتجرأ أحد ما بتوجيه النقد الى اسرائيل, بادروا لوصمه بمعاداة السامية.
هذا علما بأن ايلي فيسيل وبرنار هنري ليفي وهما صهيونيان عريقان, أعلنا وبوقاحة قبل بدء معركة الانتخاب بأنهم لن يسمحوا للوزير حسني اعتلاء منصة اليونسكو, ثم تفاخرا بنتائج جهودهم الناجحة في أعقاب النتيجة التي كانت هزيمة ليست للوزيرالمصري العربي فحسب بل للعرب جميعا. حبذا لو يعودوا هؤلاء الكتاب للسجال المعروف بين شاعرنا الراحل محمود درويش وايلي فيسيل على صفحات اللوموند في الثمانينات.
أما المضحك في الأمر فهوأن هؤلاء الكتاب يأخذون على الوزير حسني اعتذاره لليهود والاسرائيليين عن بعض تصريحاته القديمة والتي سبقت حملة الانتخاب للمنظمة الدولية وكأنهم ليسوا سعداء لهذا الاعتذار.
تماما كالذي اعترف باسرائيل ثم يأخذ على حماس قبولها بدولة في حدود 1967.
لم تكن نتائج انتخابات اليونسكو مؤامرة لأنها لم تحدث بالخفاء وبأدوات غير معروفة. لقد كانت معركة واضحة جلية بأدواتها وعناصرها وكواليسها. فالمؤامرة هي اعداد لخطة غير شرعية وبسرية تامة بعيدا عن عيون وآذان القانون, وضمن مجموعة محصورة العدد تؤالف بينها مصالح مشتركة ضد الحق والعدل والشرعية.
أما معركة اليونسكو, فقد شمر منفذوها من يهود صهاينة وكتاب عرب متصهينين, ومسلمين متصهينين, ومسيحيين متصهينين, بعضهم كان يقبل بفوز أي كان من المرشحين باستثناء فاروق حسني, اذ لايمكن لعاقل ما أن يصدق أن كاتبا مصريا مطبعا مثل علي سالم سوف يفرح لانتصار فاروق حسني بهذه المعركة, ومثل علي سالم هذا كثيرون من العرب والمستعربين والفلسطينيين المتصهينين.
ان الاختباء وراء شجرة مكشوفة الظلال بالأخذ على الوزير حسني أنه لم يفعل شيئا مهما للثقافة في بلد عريق مثل مصر,فهو قذف في الغيب واستخفاف بذكاء القاريء, وهوكلام أجوف وخاو ولا معنى له. ومثل هذا الاتهام لم يأت والحمد لله من أناس مؤثرين في حياتنا الثقافية بل من أناس ليس لهم باع يذكر في مجال الابداع أو في مجال الفنون, مثلهم مثل نفر قليل من رجال الدين المسلمين الهامشيين داخل الخط الأخضرعندما حاولوا استفزازمشاعر اخوتهم المسيحيين ببناء جامع بجانب كنيسة البشارة في الناصرة. أما حجتهم فكانت أن هذا الجامع سوف يكون تخليدا للسلطان شهاب الدين الأيوبي ابن عم صلاح الدين. فتصدى لهم رجال الدين المسلمين الذين يتمتعون بسمعة ممتازة على صعيدي الدين والمعرفة بشهادة نيافة بطريرك القدس في ذلك الوقت ميشيل صباح, الذي صرح بأن مايثلج صدره أن من وقف مع المسيحيين ضد بناء الجامع هم من رجال الدين المسلمين الذي يحظون بسمعة طيبة على صعيدي الدين والمعرفة كما أسلفنا, والقول هنا للبطريرك صباح (بتصرف), والفرق بين ماحدث في الناصرة وباريس هو أن قضية الناصرة كانت مؤامرة, بينما قضية اليونسكو فقد كانت معركة وليست مؤامرة.
* سفير فلسطيني سابق مقيم في النرويج. -