لا توجد مشكلة عند الفلسطينيين في رفع الحصار فقط عن القطاع كي يصل الطحين السوبر بعد ان تعب الناس من اكل خبز طحين الوكالة الذي سرعان ما ينشف، وكي يصل شيئا من البسكويت، وبعدها ينتهي كل شيء: المقاومة والصواريخ، ويعيش الناس في بحبوحه اقتصادية بعد سنوات طويلة من الجوع والبؤس.. وسيهتف القادة العظام ها قد انتصرتم بصمودكم وجوعكم ومرضكم وفشل العدو في اركاعكم والنيل منكم.

مقاومة حتى الخبز..

الناس يعشقون الانتصارات لهذا كانوا جوعى وعطشى ومرضى قبل العام 1994 حتى العام... حين وجدوا انفسهم في جنة اقتصادية كانوا يقاومون ويستشهدون ويضحون من اجل الخبز والخبز وحده، وها هم على مدار اربع سنوات واكثر صعدوا من حربهم ومقاومتهم لافشال الحصار وتوفير الخبز.. وبعد شهر.. شهور .. سنة سيرفع الحصار وستخرج المسيرات وتصدح الاصوات للانتصار العظيم فقد توفر الخبز والكتكات.

كنا نقاوم ونصمد ونضحي من اجل تحرير فلسطين، صرنا نجاهد وننضال من اجل رفع الحصار وتوفير الغذاء والدواء ورفع هذا الحاجز او ذاك، واحيانا لا ننسى الاستيطان وقتل الاحتلال والإعتقال لان الاكل دون توابل لا طعم ولا مذاق له.. نطالب برفع الحصار وازلة الحواجز والبقية غير مهمة ما دام الخبز موجودا واللحم حاضرا على طاولة مسؤولينا أطال الله في عمرهم.

هدوء مقابل غذاء..

غير قلقة الدولة العبرية لا من حكم "حماس" ولا حكم "طالبان" لانه ليس مهما من يحكم قطاع غزة. المهم عندها ان يلتزم الطلاب الصف دون ازعاج او ضجيج.. و"حماس" ليس لها مصلحة في اطلاق الصواريخ من القطاع لانها تضر بالمصلحة الوطنية العليا.. وفقط هؤلاء الذين يريدون تخريب الحكم الصالح واسقاطه في القطاع هم الذين يطلقون الصواريخ ويستفزون الدولة العبرية..!! من اجل التحرك نحو القطاع وهدم الدولة دولة شعب غزة، كما قال وزير الداخلية في حكومتنا في القطاع بان دولا كثيرة في العالم اخذت تستفيد من الشرطة في القطاع هذا النموذج الذي يعمم على العالم بفعل شعب غزة.

الدولة العبرية تريد من الذي يحكم في القطاع او الضفة او سوريا اولبنان، او، او.. توفير الامن لها ولا يهم اكان بشكل مباشر او غير مباشر، لأن الأهم هو الهدف، وما دامت حكومة "حماس" اثبتت جدارتها لماذا لا يرفع الحصار؟!

اذا ما توفرت شروط رفع الحصار سواء من حكومة "حماس" او بمشاركة أية جهة أُخرى، على سبيل المثال تركيا، فان الحصار سيرفع وسنكون امام معادلة هدوء مقابل غذاء.

هدنة طويلة واستقرار حكم..

غير واضح فحوى الاتصالات التي قالت قيادات "حماس" وعلى رأسها خالد مشعل مع الأوروبيين او الاميركيين وأين وصلت، لكن شذارات من التصريحات تدل بأن شوطا كبيرا تم قطعه، فلا يوجد خلاف لنا مع اميركا ومصالحها (خالد مشعل) والمقاومة ليست فقط المقاومة المسلحة وانما لها اشكال عديدة (محمود الزهار) وعلى ذلك يمكن القياس بموافقتها على دولة العام 1967، أي هناك تناغم شبه كامل بين حكومة وحركة "حماس" وبين حكومة وحركة "فتح"، فلماذا الخلاف؟ هل الدولة العبرية معنية لهذه الدرجة باعتراف او عدم اعتراف "حماس"؟!

واذا ما تم ربط هذه التحولات بالخلفية المضيئة (هدنة العشرين عاما او اكثر) فان التحرك على خط "حماس" اوروبيا وامريكيا سيحقق نتائج حتى بفرضية عدم حصول المجزرة الدامية على اسطول الحرية التي اعتبرت هدما لجدار الحصار رغم ان الحصاد السياسي لم يظهر وكل ما هو مطروح رقابة اوروبية او اطلسية على معابر القطاع سواء من البحر او البر نحو مصر، واذا ما وافقت حكومة "حماس" نكون قد عدنا لنقطة الصفر.

حماس تبحث عن من يتعامل معها..

اذا اردتم للمفاوضات ان تنجح يجب ان تمر عبر "حماس".. و"حماس" اللاعب الاساسي في الساحة الفلسطينية ولا يمكن تجاوز "حماس".. عبارات صادرة عن "حماس" او عن جماعتها، وواضح ان حركة "حماس" تريد الشرعية لنفسها وتثبيت حكومتها في القطاع.. واذا ما تحقق لها ذلك ستجد صفقة الخبز مقابل الأمن (الهدوء) طريقها للتنفيذ وسريعا، وربما تلعب تركيا اردوغان دورا مهما في هذا الاتجاه، وسيكون ذلك الثمر السياسي الأهم لمجزرة اسطول الحرية.

كل ما يهم "حماس" في هذه المرحلة ان تفتح كل الابواب الممكنة في وجهها حتى باب واشنطن.. وبما ان الناس تعبوا في القطاع فانهم يريدون الخلاص من الحصار والبؤس الاقتصادي وحرية السفر وليس مهما الثمن الذي ستدفعه "حماس" حتى بالعودة لنقطة البداية، أي أداء نفس الدور الذي كانت تقوم به السلطة التي استولت عليها في العام 2007 .

فتح نحو مصر..

لا توجد اشكالية عند الدولة العبرية في فتح معبر رفح مقابل اغلاق كل معابرها مع القطاع لأنه الهدف الاستراتيجي لها والذي كان حاضرا في مفاوضات اوسلو والذي الحق بغزة و(اريحا) اولا دون ان يعني ذلك شيئا على الارض. وباختصار خذوا دولتكم ايها الفلسطينيون في القطاع وابعدوا عنا.. وما دام وزير الداخلية في حكومة غزة يستخدم شعب غزة فان هذا ما تريده الدولة العبرية.. أي خلع القطاع عن محيطه غير المتصل مع الضفة عبرها والقائه الى مصر اقتصاديا ومن ثم سياسيا وتحويله الى منفى للفلسطينيين من الضفة ومن العام 48 كما هي المقدمات الحاضرة الآن حتى نفي أي شخص ومن أي جنسية للقطاع فهل هذا ما يريده الفلسطينيون؟

الانفصال.. والانتصار

نحن امام سيناريو يقول: اولا.. رفع الحصار عن القطاع عبر التفاوض المباشر او عن طريق طرف ثالث مع "حماس". ثانيا.. تعهد "حماس" بضبط الحدود وعدم السماح للمجموعات المسلحة باطلاق الصواريخ او الحصول على صواريخ متطورة. ثالثا.. التعامل مع حكومة "حماس" كحكومة شرعية مقابل جاهزيتها لاستبعاد الكفاح المسلح حتى دون اعلان رسمي. رابعا.. السماح بوصول الاموال للقطاع وتنفيذ مشاريع عديدة في مقدمتها اعادة بناء ما دمره العدوان الاخير على غزة. خامسا .. يكون فتح الحدود عبر مصر فقط معبر رفح وفتح معابر جديدة بوجود مراقبين دوليين ومن المرجح ان يكون النصيب الاكبر للاتراك.

كل ذلك يتوقف على الموقف المصري الذي يشكل العقدة الاساسية ولهذا هناك حاجة للانتظار لمعرفة اين ستصل تداعيات مجزرة اسطول الحرية.

الانتخابات المحلية في الضفة..

قصة الاستحقاق القانوني تبدو نكتة بايخة امام التطورات على الارض في القطاع والضفة والتي تقول بالانفصال وتحويل الانقسام الى حقيقة يصعب تجاوزها ولا قيمة لكل الفقاعات الاعلامية للمستقلين اوغيرهم.

* كاتب فلسطيني يقيم في رام الله. - awad-abdla@hotmail.com