عندما بدأ سامي عمله في ورشة لتصليح العربات في "معاليه أدوميم " عام 2005 كان في المستوطنة 39 حضانة أطفال ومجمعات تجارية (مولات) وشوارع تحيطها الحدائق والنخيل، ويسكنها نحو 30 ألف مستوطن ومستوطنة. حقق سامي دخلا مقبولا، واشترى سيارة حديثة وأصبح من زبائن سوبرماركت "رامي ليفي " في المستوطنة، وبفضل تصريح دخوله المستوطنة بسيارته أصبح يصطحب أفراد العائلة والأصدقاء لشراء مستلزماتهم من السوبرماركت.

قريبه وفي محاولة لتجاوز محنة البطالة المستفحلة، اكتشف طريقة ساعدته في ظل رفض الإسرائيليين منحه تصريحا لدخول القدس أو المستوطنات. كان يعمل سابقا في "خراطة " المعادن. صاحب العمل السابق اليهودي الذي يسكن معاليه أدوميم، أحضر له مخرطة صغيرة وضعها في بيته وأصبح "رب العمل " يأتي له بالخامات وتفاصيل طلبيات الزئابن، يقابله لدقائق في سيارته في محيط قريته القريبة ويتبادلان البضائع والنقود.

لا توجد شائبة واحدة تمس وطنية سامي وابن عمه، ولكنهما وآخرين غيرهم تابعتُ قصصهم عن كثب، ولدي التفاصيل بالأسماء الحقيقية، وجدوا أنفسهم محاصرين من كل مكان، فقريتا العيزرية وأبو ديس القريبتان من المستوطنة، واللتان صودرت أراضيهما لبناء المستوطنة محاصرتان بالجدار من أكثر من جهة وبالمستوطنات، ويكاد لا يكون هناك منافذ لهما سوى شوارع تحكمها الحواجز العسكرية الإسرائيلية.

في حالة سامي (الذي صودرت سيارته مؤخرا بعد اكتشاف أنها مسروقة أصلا) وقريبه فإنّ جدّيهما هما من ملاك أراضي مستوطنة معاليه أدوميم التي يعملان مع من فيها بتصاريح خاصة أو ترتيبات معقدة. والمستوطنة نموذج لمستوطنات أخرى شبيهة، قامت لا لأسباب أيديولوجية وحسب، بل سياسية وأمنية أيضا، فالمستوطنة تمتد من غور الأردن شرقا ومن المخطط أن تتصل بالقدس غربا، وبالتالي تقطع شمال الضفة الغربية عن جنوبها، وتمنع تواصلها الجغرافي.

لا يوجد تشويه لنفس الإنسان أكثر من أن يسعى لتصريح ولإجراءات معقدة للعمل لدى اللص القادم من خلف البحار، ليسرق ويصادر أرضه ويسكنها، كما هو حال معاليه أدوميم، وليرى كل يوم الفلل وبرك السباحة والملاعب التي بنيت على أرض عائلته، وهو يبحث عن سبل لبناء غرفة هنا أو هناك، بشكل عشوائي فوق بيوت أهله القديمة ليتزوج فيها.تقول "واشنطن بوست " إنّ 17 منشأة ومصنعا في المستوطنة وحدها أغلقت، ومنشآت عدة تتوقع الإغلاق قريبا، والسبب هو حملة المقاطعة الأخيرة، التي تجري تحت عنوان "أنت وضميرك... من بيت لبيت "، ويسهم فيها آلاف الشباب المتطوعين للقضاء على أي تعامل اقتصادي مع المستوطنات. وهنا لا بد أن نذكر أنّ نسبة النمو في عدد سكان المستوطنات في السنوات الماضية هو نحو خمسة إلى ستة أضعاف نسبة النمو في فلسطين المحتلة عام 1948، (نحو 5 % للمستوطنات مقابل نحو 1.8 % في "إسرائيل ") والسبب في ذلك الدعم الحكومي الاقتصادي الكبير، ولأن منع العمال العرب من العمل خلف "الخط الأخضر " جعل كثيرا من المنشآت الصهيونية تأتي للمستوطنات قرب العمالة مستفيدة من الإعفاءات الضريبية.

لست واثقا بدقة هذه الأنباء، لكنها إن صدقت تؤكد أنّ سوق الضفة الغربية أساسي للمستوطنات. ومن شبه المؤكد أن مقاطعة العمال العرب للمستوطنات سيوجه ضربة لاقتصادها ولوجودها.

إذا تمثلنا شعار حملة المقاطعة "أنت وضميرك "، يجب أن نعترف بأهمية الحملة، باعتبارها واحدة من أدوات المقاومة إلى جانب أدوات أخرى على طريق الفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين اقتصاديا وحياتيّا، وهي رد مؤثّر على أكاذيب بنيامين نتنياهو عن "السلام الاقتصادي "، ويجب أن يؤدي تحكيم ضميرنا (خارج فلسطين) لنعود لا للمقاطعة الفاعلة للشركات والمصانع العالمية التي تتعامل مع إسرائيل، ولكن أيضا لتعزيز تجارب الصناعة العربية.

* كاتب وباحث أُردني يقيم في الإمارات. - aj.azem@gmail.com