قد يبدو أنّ فكرة وزير الخارجية الفرنسي بيرنار كوشنير، التي أيدها معه نظيره الإسباني الخبير في القضية الفلسطينية ميغيل موراتينوس، الاعتراف بدولة فلسطينية في غضون 18 شهراً، لا تتعدى كونها اعترافا أوروبيا، جزئيا ربما، بالدولة الفلسطينية التي أعلنت عام 1988، ولم تؤد لتغييرات حقيقية على الأرض بالنسبة للفلسطينيين، سوى افتتاح سفارات وزيادة شعور القيادات بأنّها قيادات رسمية، مع تراجع الشكل والمضمون الثوريين.

الأخطر، أنّه منذ إعلان تلك الدولة تدهورت مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية التعليمية والبحثية والخدمية، مع أن الأصل أن يحدث العكس، ولم يحدث انتعاش للمؤسسية الفلسطينية سوى مؤخرا في الضفة الغربية، مع شبه إهمال تام للشتات.

ويمكن بالفعل أن يكون مؤدى فكرة كوشنير هو في هذا الاتجاه الشكلي التخديري الذي لا يؤدي لشيء على الأرض. ولكن في المقابل يمكن أن تكون خطوة مهمة في طريق التحرر الوطني الفلسطيني.

إذا ما اكتفي بالجانب الاحتفالي في الإعلان فالقيمة محدودة للغاية. ولكن إذا ما تم النظر لها في حجمها ومعناها الحقيقيين. فهي مكسب يمكن أن يبنى عليه.

الحجم الحقيقي للخطوة بحد ذاتها ليس كبيرا ولكن يمكن أن يستفاد منه. وأهم المعاني أنّ مثل هذا الاعتراف لا يعطي الفلسطينيين شيئا من أهدافهم ولكن يقدم لهم أدوات يمكن استخدامها. فهذا الاعتراف ليس هدفا بذاته بل مقدمة لشيء آخر.

يجب أن يتضمن النضال في مواجهة الاحتلال مسارات متعددة؛ أولها المقاومة على الأرض، بأنواعها الجماهيرية وغيرها، مع ضرورة اختيار الأوجه والأنواع الأنسب من المقاومة لكل مرحلة ولكل هدف سياسي.

والمسار الثاني، بناء مؤسسات الدولة والمجتمع على الأرض وما يحدث من عمليات بناء في الضفة الغربية لا يغني عن ضرورة إنهاء الانقسام وشمول غزة في البناء عدا عن مأسسة المجتمع والعمل الفلسطينيين في الشتات لحين العودة وحل قضية اللاجئين.

والمسار الثالث، هو الدبلوماسية بأنواعها الرسمية والشعبية.

والمسار الرابع هو التفاوض على قاعدة “المقاومة تزرع والسياسة تحصد”، بمعنى أن المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة المرتبطة بأهداف سياسية مرحلية واقعية تعكس أوراق قوة مختلفة بدءا من المقاومة على الأرض وصولا للعملين الدبلوماسي والشعبي.

وهنا تأتي أهمية مثل هذا الاعتراف وإمكانية جعله أداة في إدارة الصراع. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يساعد هذا الاعتراف على تغيير مكانة التمثيل الفلسطيني دوليا، ما يغيّر من حقوق وواجبات الفلسطينيين. فمثلا لا تتمتع فلسطين بالعضوية الكاملة في الكثير من الهيئات والمجالس والمحاكم الدولية.

وإذا كان الفلسطينيون قد اتفقوا مؤخرا، كما كشفت ردود الأفعال المرتبطة بتقرير غولدستون حول حرب غزة، على أهمية هذه الهيئات الدولية، فإنّ مثل هذا الاعتراف الأوروبي يمكن أن يساعد على إعطاء الفلسطينيين ورقة قوية. تضاف لذلك مكاسب سياسية وإعلامية، أهمها أنّ الاعتراف بالدولة الفلسطينية يسهم بالفعل في حسم بعض القضايا التفاوضية ويعزز المطالب بشأن أمور مثل القدس، والحدود، وغيرها.

سارعت إسرائيل للاتصال بالجانب الفرنسي للاحتجاج بشدة على الفكرة، وربما يكون الاحتجاج الإسرائيلي سبب عدم تأييد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للفكرة علنا، عند لقائه نظيره الفلسطيني محمود عباس، الاثنين الماضي، وإنْ أعلن احتمال إشهار مبادرات أوروبية لمعالجة الموضوع الفلسطيني، وإنهاء الجمود فيه. ولكن في المحصلة بدت فكرة كوشنير مجرد فكرة شخصية.

هذه الفكرة يمكن أن لا تتحقق، ويمكن أن تتحقق ولا تعني شيئا عمليا على الأرض، ويمكن أن تتحقق وتصبح أداة مهمة في عملية إدارة الصراع، وهذا كله يعتمد على الأداءين العربي والفلسطيني.

* كاتب وباحث أُردني يقيم في الإمارات. - aj.azem@gmail.com