رُعب وغضب في ديمقراطية الشرق الاوسط: 75 في المائة فقط من الشبان يتحوّلون الى عسكريين. ومن خلال الترجمة الى لغة التاريخ المعيارية عندنا: "الجيش الاسرائيلي تحوّل الى جيش نصف الشعب". لذلك تم افتتاح مهرجان موسم صيد المتهربين من الخدمة. اهود براك ضد جاكو (مُطرب اسرائيلي).
قبل لحظة من وصول مسيرات التنديد الى بوابة بيتي (قبل سنوات كثيرة توقف الجيش الاسرائيلي عن ملاحقتي وأنا لم أرغب في إتعابهم)، أريد أن أقول شيئا: أنا الى جانب الجاكوات. ليس لانهم أكثر قُربا الى قلبي من مقاتلي غولاني وغيره من الألوية، وانما لأن الجانب الآخر قد أصبح مكتظا وساخنا وأحمقا جدا.
لندع للحظة الحقيقة الهامشية أن نصف غير المتجندين تقريبا هم من الأصوليين، وأن كثيرين منهم يعانون من مشكلات نفسية أو جنائية الى جانب ذلك – وباختصار، اشخاصا يُفضل الجيش نفسه أصلا حذفهم. ولكن هناك أقلية من بين غير المتجندين وهم الجاكوات، اولئك الذين حظوا بالاسم الجذاب "المتهربين". فجأة لدينا جيل لا يوجد لدى جزء من فتيانه استعداد لقبول التجنيد كمسألة بديهية ولا يرغبون في ارتداء الزي العسكري. هذا التغير يقول أمرا من اثنين: الأول، عندما كانوا صغارا قامت جهات معادية بدس هرمون مضاد للنزعة الوطنية في حليبهم. والثاني، هم يعيشون في فترة مختلفة مع حقائق مختلفة.
بعض الجاكوات يتصرفون من منطلق ايديولوجية مناهضة للحرب، ولكن عددا أكبر لا يتطوع للجيش ببساطة لأنه لا يرغب بذلك. وهذه مسألة غريبة جدا. لماذا لا يندفعون كرجل واحد للالتحاق بهذا الجيش؟ فقط لأنهم منذ ولادتهم لم يروه يخرج في حرب دفاعية واحدة. فقط لأن رئيس هيئة اركانه يجد وقتا لبيع أسهمه في يوم الخروج للحرب، ووزير العدل يجد متسعا من الوقت لمغازلة ضابطة إبان الخروج من جلسة مناقشة الحرب، ولأن رئيس الوزراء ووزرائه يتخبطون حتى رؤوسهم في التحقيقات الجنائية ويتمنون حدوث أي شيء يحرف أنظار الرأي العام في الوطن، وفقط لانه بدلا من أن يكون جيشنا صغيرا وذكيا، تحول الى شرطة كبيرة بليدة المشاعر. وفقط ايضا لأنهم يرسلون الجنود الى الجبهة من دون خوذات وستر واقية أو طعام، أو لأن من يسقط من الجنود في الأسر لا يمكنه أن يتطلع الى التحرر وانما فقط سيُستخدم كذريعة كاذبة لشن حرب فاشلة في أقصى الحدود.
هل الأمور تسير على هذا النحو حقا وانه لم تعد هناك حدود للدلال والتسامح؟.
كوننا دولة ديمقراطية تدخل الألفية الثالثة، يستوجب أن لا تكون نسبة التجنيد هي المسألة الأكثر إثارة للقلق فيها. فالحروب الحديثة لم تعد تحتاج الى الكم الكبير من الجنود أصلا، وانما ترتكز على التكنولوجيا والاستخبارات والعتاد. وهذه ايضا حقيقة جزئية جدا: في الحروب الحديثة في واقع الأمر ليس هناك منتصرين. بامكانك أن تقلص الأضرار، أو اذا كنت ذكيا – أن تبحث عن انجازات بطرق غير عسكرية. الدولة التي ترغب في العيش بازدهار وأمان ليست بحاجة الى الارتكاز على قوة عنصرها العسكري، وانما على ذكائها السياسي ومنعتها المدنية. هذا صحيح بالنسبة لنا، وهو صحيح ايضا بالنسبة للامبراطورية الامريكية.
في سنوات الدولة الاولى تمحورت الحروب هنا حول البقاء. لم يكونوا بحاجة الى شن حملات اعلامية حتى يدفعوا الـ ج م ي ع للتطوع للجيش. الجوقات العسكرية هي التي كانت في ذلك الحين تُنظم مهرجانات "نجم يولد"، وقد وُلدت من هذه المهرجانات أجمل الأغاني وأعذبها. ولكن في ذلك الحين ايضا وُلد الاعتقاد بأننا "جيش لديه دولة". وولد الاعتقاد بأننا سنكون دائما الجيش الأقوى في الشرق الاوسط، ولذلك يمكننا أن نلقي عليه بكل ثقلنا. نحن لسنا بحاجة الى الخيار السياسي لأننا سنمتلك دائما الخيار العسكري المُحبب.
الجيش الاسرائيلي لم ينجح في الحرب الأخيرة بهزيمة ثلاثة آلاف من مقاتلي حزب الله – وليس بسبب غياب الجاكوات أو أفيف غيفن أو بار رفائيلي. الجنود متوفرون لدينا، أما العتاد والعقل والتخطيط والحِكمة والقيادة المسؤولة – فلا. في كل الاحوال نشأ شيء واحد جيد من كل ذلك: لم يعد بامكاننا أن نواصل التبجح بأسطورة الخيار العسكري، فلم يعد هذا الخيار موجودا. أي حظ هذا.
هدف وجود الدولة ليس ضمان أن يكون لها جيش قوي، وانما أن تضمن الحياة الجيدة والسليمة والآمنة لمواطنيها. الأمن لن يتحقق بواسطة تجنيد المطربين وعارضات الأزياء، وانما من خلال التخلص من قيمة البقاء العليا (فنحن الذين بادرنا لشن كل الحروب الأخيرة)، والانتقال الى قيمة البناء والازدهار.
وبدلا من التطلع الى تجنيد المزيد من الشبان، يتوجب على الجيش أن يُجند عددا أقل منهم بالتحديد. يتوجب أن نبني بالفعل جيشا صغيرا وذكيا ومحترفا يرتزق اغلبية جنوده منه ايضا. في المقابل يجدر أن نُقيم هنا جسما لا يقل عن ذلك كِبرا أو أهمية أو دعما ماليا – جسم الخدمة المدنية الحقيقية. الشبان الذين لا يرغبون في ارتداء الزي العسكري يستطيعون مساعدة المرضى والمسنين واعادة إحياء السيول الملوثة وتنظيف السواحل ومساعدة الاطفال في ضائقة واللاجئين السودانيين (أنا أداعبكم فقط، فهناك حدود لكل سذاجة)، وإبادة الحشرات وطرد الذباب. هناك أمور كثيرة يمكن أن نفعلها من دون زي عسكري ايضا. وبامكان جاكو وأفيف غيفن أن يواصلا عزف أغانيهما. وهذا جيد ايضا. - يديعوت 13/8/2007 -