طابور خامس، خونة، عملاء، انقلابيون – هكذا يصف الناطقون بلسان حماس المسؤولين من وجهة نظرهم عن حرب الفصائل في قطاع غزة. في حماس يتهمون "تيارا خيانيا" في حركة فتح، ويُحذرون من أن محمود عباس "لا ينجح في السيطرة عليه". هم يقصدون محمد دحلان ومقربيه. أتباع عباس يطرحون ادعاءات مشابهة: تيار تآمري داخل حركة حماس يسعى الى تنفيذ انقلاب ضد مؤسسات السلطة الشرعية.
كل جانب يتهم "التيار الخياني" في الجانب الآخر بالتأثر بجهات خارجية تُملي عليه خطواته وتحركاته: هنا يتهمون ايران وتيارات اسلامية أصولية، وهناك يتهمون الولايات المتحدة واسرائيل.كل جانب يتهم الآخر بمؤامرة شبه علنية: حسب رواية حماس – في فتح عملوا على إفشال حكومة حماس المنتخبة ومن بعدها حكومة الوحدة الوطنية. وحسب فتح – حماس تتشبث بحكمها في غزة متجاهلة التدهور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الصعب الذي تسببت به، وتستخدم هذا الموقع كجسر للسيطرة الشاملة على م.ت.ف.
سُخرية القدر هي أن هناك جوانب من الحقيقة في اتهامات الجانبين لبعضهما البعض. عندما يزداد عدد القتلى والجرحى في الاقتتال الداخلي الفلسطيني، ويتزايد الخوف من انزلاق المصادمات الى الضفة الغربية، يصعب ملاحظة حقيقة أن المعسكرين يعملان كمرآة، واحدا يعكس صورة الآخر. المعسكران يحوّلان كل المواطنين الى رهائن ومحكومين بالاعدام في حروب الشوارع التي يخوضانها ويُضحيان بالكفاح الفلسطيني للتحرر والانعتاق من الحكم الاجنبي على مذبح المنافسة الداخلية بينهما.
هناك فرق هام واحد موجود مع كل ذلك بين الحركتين: في الوقت الذي يغيب فيه قادة فتح الهامون عن غزة – في الخارج أو في الضفة – لم يتخل قادة حماس عن جمهورهم.
في حماس قرروا في هذا الاسبوع السيطرة على مواقع اجهزة الأمن الموجودة تحت قيادة "الرئاسة" مُدعين أن هذه الطريقة وحدها هي التي تُمكّنهم من ايقاف اعمال القتل التي يرتكبها "التيار الخياني". ولكن السيطرة هي في الواقع اعلان عن الجهة السيادية الحقيقية في غزة. لذلك تسير حماس في أعقاب ياسر عرفات الذي تفاخر بأجهزته شبه العسكرية التي سمحت له اسرائيل باقامتها واعتبرها كوشان السيادة.
السلاح الذي كان بيد أجهزة عرفات، ومظاهره العسكرية والعلاقات الودية الدافئة التي نشأت بين قادة في اجهزة الأمن الاسرائيلية والفلسطينية – حتى عندما خلعوا زيهم الرسمي وتحولوا الى شركاء في التجارة والاقتصاد – لم توقف تحويل عملية اوسلو الى مشروع حثيث للبناء في المستوطنات وتقليص المساحة المتبقية للفلسطينيين. بعد اندلاع الانتفاضة في ايلول 2000 – عندما كانت شعبية في بدايتها، الى أن اختُطفت على يد عبادة الكفاح المسلح – غذّت الاسلحة والمظاهر العسكرية سياسة اسرائيل في تقطيع أوصال المناطق الفلسطينية.
بعد اقامة حكومة حماس واصل عباس طلب الموافقة الاسرائيلية والامريكية، وحصل على ما طلبه بادخال السلاح الى القطاع. جدوى هذا السلاح المحدودة تظهر أمامنا في هذه الايام. اجهزة فتح ضعيفة ليس بسبب النقص في السلاح، وانما لأن حركة فتح التي خيبت الآمال في اوسلو عندما وعدت بالاستقلال السياسي، لا تُقدم للفلسطينيين أي خطة عمل جديدة في مواجهة المحتل الاسرائيلي.
حكومة حماس صرحت، كانعكاس لحركة فتح، بأنها تستطيع تمويل رواتب القطاع العام. ولكنها وجدت مصادر لتمويل السلاح الكثير المهرب الى قطاع غزة والمُشترى في الضفة الغربية. الآن ستكون لديها سيطرة "عسكرية" كاملة على قطاع غزة. فهل ستوفر هذه السيطرة الرفاه لـ 1.4 مليون فلسطيني من سكان غزة؟ هل ستُحسن الجهاز الصحي وتضمن فرص العمل لخريجي الجامعات؟ هل سترفع الحصار البحري والبري الذي تفرضه اسرائيل على غزة؟.
الاعتقاد هو أن السيطرة العسكرية على رموز "سيادة" عباس ستُستخدم من قبل اسرائيل كذريعة حاسمة لقطع ما تبقى من العلاقة المدنية والاقتصادية بين غزة والضفة الغربية بصورة نهائية، هذه العملية السياسية التي شرعت اسرائيل فيها منذ عام 1991، ذلك لان حماس على غرار صورتها الانعكاسية، فتح، لا تملك أي خطة عمل ملموسة للكفاح من اجل الاستقلال والتحرير، ليس في العالم الآخر وانما في هذا العالم. - هآرتس 14/6/2007 -