رئيس الوزراء اهود اولمرت سُئل خلال شهادته أمام لجنة فينوغراد عن سبب قوله في الكنيست أن اسرائيل لن توقف الحرب في لبنان إلا بعد أن تحقق هدفها الرئيسي - اعادة المخطوفين - هذا رغم علمه أن تحقيق هذه الغاية غير ممكن. المحامي اولمرت رد على اعضاء اللجنة قائلا: "هناك امور تُقال لانه يجب أن تُقال"، أي انه أراد القول بأن الانسان لا يقصد ما يقوله دائما، وانه يحدث أن يتحرك الانسان باعتبارات خاصة حتى يُعبر عن موقف معين رغم أنه لا يقف من ورائه فعليا أو أنه يعرف بأنه لا يمتلك فرصة للنجاح.
ما ينطبق على الانسان العادي يسري بأضعاف المرات على رئيس الوزراء. قائد الدولة يضطر في مرات عديدة للتحدث بلغة مزدوجة في معرض مخاطبته لأناس وشرائح مختلفة، وفي مرات كثيرة يطرح موقفا موجها في الأساس للأسرة الدولية مع أنه ينطوي على تناقض مع توقعات الجمهور في البيت، وفي مرات عدة يضطر الى ارتداء ريش الصقر رغم أنه في حقيقته حمامة بيضاء. هذه قواعد اللعبة في الحياة العامة، ولذلك لا يتوجب الامساك بكلمة اولمرت عندما صرح بأن الجيش لن يضع سلاحه الى أن يُعيد المخطوفين الى وطنهم رغم علمه في تلك اللحظة أن هذه الاحتمالية شبه معدومة. السؤال هو هل يتوجب التعامل معه بنفس التسامح عندما يهاجم سلوك لجنة فينوغراد الآن بعد عشرة ايام من اعلانه عن انه يتبنى توصيات لجنة فينوغراد الأولية.
منذ أمس الاول، بعد يوم من نشر البروتوكولات المقطعة لشهادة اولمرت وعمير بيرتس ودان حلوتس أمام اللجنة، وأمواج الصد المضادة تتوارد من ناحية اولمرت. يوجد لهذه الأصداء لحن قوي يشير الى أن صاحبها محامي، إلا انها تفتقد للنغمة الرسمية المتوقعة من رئيس الوزراء. اولمرت في اليومين الأخيرين يبدو مثل محامٍ يهب بكل قوته للدفاع عن زبونه (أي عن نفسه) وليس كقائد دولة يحني رأسه أمام قرارات لجنة تقصي الحقائق الحكومية التي عيّنها بنفسه حتى يُشخص مصدر الخلل والاخفاقات التي تكشفت خلال حرب لبنان.
في ظل هذا السلوك يطفو بداهة السؤال: أي اولمرت يتوجب علينا أن نصدق - ذلك الذي صرح بأنه المسؤول الأعلى عن سلوك الجيش والحكومة خلال الحرب، أم ذاك الذي يدعي أنه يجد خللا في أن اللجنة لم تسمح له بالرد على رواية تسيبي لفني حيث تدعي بأنها عرضت عليه إنهاء الحرب بعد ثلاثة ايام من اندلاعها. هل نصدق اولمرت الذي سارع الى تشكيل لجنة برئاسة ليبكين شاحك حتى يطبق توصيات التقرير بالكامل، أم اولمرت الذي يريد طرح موقفه أمام اللجنة لانه يعتقد انه مظلوم. اولمرت الذي يقتبس قول رئيس المعارضة مناحيم بيغن وهو يخاطب رابين عشية عملية عنتيبة (في اوغندا) بأنه سيدعمه حتى اذا فشلت العملية العسكرية الجريئة، أم علينا أن نصدق اولمرت الذي يشكو من أن اللجنة لم تنشر بعض الاسئلة التي طرحتها عليه والتي يمكن لها أن تُحسن من صورته حسب اعتقاده.
اولمرت يتشبث الآن، مثل المحامي المصمم والعازم، بكل مسألة صغيرة من اجل زعزعة مصداقية لجنة فينوغراد. سلوكه يُذكر بسلوك قصاب الذي لم يتردد في مهاجمة سلطات القانون محاولا الخلاص من رهبة الحكم. اولمرت يدعي في الواقع أن اللجنة قد خضعت للرأي العام الذي حسم مصيره بسبب أدائه خلال الحرب، لا بل انه يدعي أن نهج فينوغراد ورفاقه لا يعطيه فرصة للخلاص من التقرير النهائي الذي سينشر في الصيف.
بذلك يقوم اولمرت بوصم اللجنة، ويُضعف توصياتها ويمارس عليها ضغوطا غير نزيهة في الواقع حتى تلائم توصياتها توقعاته. بذلك يتسبب اولمرت باثارة البلبلة في نفوس الجمهور محاولا جذبه الى جانبه ومُضعفا مؤسسة لجان التحقيق. ربما كانت ادعاءاته الآن مجرد طبعة جديدة من "الامور التي تُقال لانها يجب أن تُقال" حتى وإن لم تكن الحقيقة الناصعة. - هآرتس 13/5/2007 -