سدروت كانت الحكاية الأكثر سخونة في الانتخابات التمهيدية في حزب العمل. أي محرر أخبار هذا الذي يمكنه أن يتنازل عن صورة الرئيس عمير بيرتس، هذا الذي يقولون عنه انه "يكافح من اجل حياته السياسية" إبان تصويته في صندوق الاقتراع في البلدة التي تهدد الصواريخ حياة سكانها؟.

هذه الحكاية لم تبدأ بالأمس صباحا مع افتتاح صناديق الاقتراع، وهي لم تنته بالأمس مساءا مع اغلاقها. سواء انتهت الانتخابات التمهيدية في جولة واحدة أو استوجبت جولة اخرى، يبدو أن سدروت ستبقى في حدقة عيون حزب العمل. التلميح الى ذلك يمكن أن نجده في اقوال الوزير بنيامين بن اليعيزر في الاسبوع الماضي في اجتماع اللجنة المركزية في الحزب، والذي كان من المفترض فيه أن يبحث في اقتراح أوفير بينيس بالاستقالة الفورية من الحكومة. فؤاد قام بتأنيب المشاركين الذين دعوا الرفاق الى قاعة مُكّيفة في فندق في تل ابيب بدلا من التوجه الى سدروت المتعرضة للقصف. اللجنة المركزية قررت بأغلبية الاصوات تأجيل النقاش الى ما بعد الانتخابات التمهيدية.

ماذا سيقول فؤاد وبيرتس واسحق هرتسوغ وشاؤول سمحون ويولي تامير وغالب مجادلة حول الشراكة مع اهود براك اذا عاد الهدوء الى سدروت؟ أية ذريعة يمكنها أن تلصقهم في ائتلاف نجم لجنة فينوغراد؟ في المقابل يمكن لصواريخ القسام أن تكون السلاح الأكثر نجاعة ضد عامي أيلون، الذي صرح بأن حزب العمل تحت رئاسته لن يبقى في حكومة اولمرت. نحن نتشوق لرؤيته وهو يحاول انتزاعهم من مقاعدهم الوزارية بدلا من "تشبيك الأيدي" والوقوف صفا واحدا من وراء سكان سدروت المثخنة بصواريخ القسام. هذه المادة اللاصقة برهنت على نفسها في فترة العمليات، وفي فترة السور الواقي، وقد صمدت الى أن قام عمير بيرتس بانتزاعهم بالقوة من حضن اريئيل شارون الدافىء. الرفاق لن يسمحوا بتكرار ذلك معهم مرة اخرى. التقارب الزمني مع ازمة فينوغراد يمكنه أن يوضح سبب استطالة قافلة السياسيين المتوجهين الى سدروت وشحذ الحِراب الأكثر صخبا من عادته. الجلبة الكبرى بدأت منذ الايام الاولى لهجمة القسام الحالية قبل اسبوعين عندما لم يصل عدد الصواريخ التي سقطت في المنطقة الى مائة صاروخ بعد، وهو نصف عدد الصواريخ التي سقطت في شهر تشرين الثاني 2006، وأقل من الموجة الكبرى السابقة في حزيران من نفس العام بخمسين صاروخا.

ردود فعل المستوى السياسي كذلك، وعمليات الانتقام العسكرية الاسرائيلية، كانت في هذه المرة أكثر حزما. وقد ساعدتها الجلبة الاعلامية حول فضيحة التحصين والتوقع العام برؤية صورة جديدة من عملية "السور الواقي". ضبط النفس الذي تصرف به الجيش والحكومة، كما يُزعم في غزة، يُعتبر ستارا دخانيا لعملية وتحركات جديدة في الضفة الغربية.

"ضبط النفس" هذا يحرف الأنظار عن الاعتقالات الجماعية في الضفة، ورفض اولمرت البحث في اقتراح أبو مازن واسماعيل هنية بتطبيق وقف اطلاق النار في غزة على الضفة الغربية. "ضبط النفس" لا يترك مكانا للأنباء حول قرارات جديدة بحق سكان الضفة مثل حظر الاستحمام في البحر الميت. الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي يؤكد للمرة الاولى ادعاء الفلسطينيين بأن موسم الاصطياف قد أُغلق أمامهم مُتذرعا بانذارات أمنية خطيرة في منطقة شمالي البحر الميت، الامر الذي أجبر الجيش على فرض قيود على حركة المواطنين على الحواجز. هذه القيود ستُدرس لاحقا في ضوء التقييمات الأمنية في حينه، على حد قوله.

اوروبا تريد دوراً

في موقع الانترنت التابع لرئيس البرلمان الاوروبي، هانس غيرتس باترينغ، كُتب بأن والده قُتل في الايام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية من دون أن يحظى بالتعرف على ابنه. كُتب هناك أن هذا الامر أثر على حياة رجل القانون الالماني إبن الـ 61 عاما ودوره في الحياة السياسية الاوروبية.

ربما يوضح ذلك سبب اعتبار ارض اسرائيل هي الارض الاجنبية الاولى التي اختار وضع قدمه عليها منذ أن انتُخب قبل اربعة اشهر لهذا المنصب. باترينغ منفعل جدا قُبيل الخطاب الذي سيلقيه غدا في الكنيست. في مقابلة اولى مع الصحافة الاسرائيلية وقبل أن يهبط هنا بساعات قلائل حرص على التحدث عن لقائه مع أبناء عائلات المخطوفين إلداد ريغف واهود غولدفاسر. هو قال لهم أن الوضع الأمني السائد في لبنان دفع نبيه بري الى مطالبته بتأجيل زيارته الى بيروت، ولكن باترينغ وعدهم بارسال طلب مكتوب لرئيس البرلمان اللبناني للمساعدة في البحث عن أعزائهم.

اذا تمسك بالمواقف التي عبّر عنها في المقابلة خلال كل ولايته في رئاسة البرلمان الاوروبي القادمة، فسيكون بامكان تسيبي لفني أن توفر على نفسها عددا من الوظائف في القسم المسؤول عن الاتصال مع مؤسسات الاتحاد الاوروبي. الخروج الوحيد الذي قام به باترينغ عن خط السياسات الاسرائيلية هو لقاءاته مع وزير الخارجية الفلسطيني زياد أبو عمرو ومع سلام فياض. ولكن الحقيقة هي أن الامريكيين حتى لا يُطبقون المقاطعة الاسرائيلية المفروضة على الوزراء من غير حماس.

باترينغ يؤيد مبادرة السلام العربية، ومن محادثته مع عمرو موسى يُفهم أن العرب يقصدون ما كُتب فيها بالفعل، وهو مسرور لان اولمرت ولفني قد رحبّا بهذه المبادرة. وما هو موقفه بالنسبة للمفاوضات مع سوريا والمصادقة على اتفاق الشراكة الجديد بينها وبين الاتحاد الاوروبي؟ الجواب يمكن أن يدخل في الملف الاعلامي لمبعوثي اسرائيل في اوروبا: "سوريا لا تلعب دورا ايجابيا في المنطقة. هي قريبة جدا من ايران تحت رئاسة محمود أحمدي نجاد الذي ينفي الكارثة ويدعو الى إبادة اسرائيل".

رئيس البرلمان الاوروبي شريك ايضا في القلق الاسرائيلي من تقدم البرنامج النووي الايراني، ويُقدر بأن هناك مكانا بعد للجهود الدبلوماسية بما فيها الاوروبية. كما أنه يعتقد مثل حكومة اسرائيل بأن نزع سلاح الشرق الاوسط نوويا يجب أن ينتظر حتى انجاز السلام الشامل في المنطقة.

باترينغ يعِد بأن لا تكون زيارته الاولى الى الشرق الاوسط هي الأخيرة. التزام اوروبا بكرامة واستقلالية كل شعوب المنطقة يقع على رأس جدول اعماله. من المحتمل أن يكون الوجود على الحدود الاسرائيلية - اللبنانية والحدود الغزاوية - المصرية ليس الكلمة الأخيرة التي تقولها اوروبا في كل ما يتعلق بالقضايا الأمنية في هذا الحي الهائج. هو لا يستبعد امكانية ارسال اوروبا الجنود الى قطاع غزة نفسه في اطار قوات السلام التابعة للامم المتحدة.

افغانستان الجديدة

النبأ الرئيس الصادر أمس من خلال صحيفة "نيويورك تايمز" يُفيد بأن العراق قد تحول الى المنافس الأكبر لافغانستان على لقب المُصدِّر المتفوق للارهاب من انتاج القاعدة. قائد الجهاز الأمني الداخلي اللبناني، أشرف الريفي، قال في الآونة الأخيرة بأن منظمة فتح الاسلام التي أعلنت الحرب في طرابلس على النظام اللبناني تضم 50 مخربا من خريجي الحرب العراقية. الريفي أضاف بأن الدولة التي تعتقد أنها محصنة من وباء المتعصبين هؤلاء تضع رأسها في الرمل. سوريا استطاعت إخراج رأسها من هناك، فقد قتل السوريون صهر شاكر العبسي، رئيس فتح الاسلام، عندما حاول اجتياز الحدود الى العراق. العبسي هو من الاشخاص المقربين جدا من أبو مصعب الزرقاوي الذي تمت تصفيته في الصيف الماضي.

السوريون مثل الاردنيين يتابعون بقلق دولة القاعدة التي أُقيمت قبل أقل من عام وسط العراق، وتُركِّز أنظارها جهارا على حقول النفط في الموصل وكركوك. مجموعة سنيّة متطرفة أعلنت عن كيان مستقل في وسط محافظة الأنبار باسم "دولة العراق الاسلامية". على رأس هذه الدولة أمير اسمه أبو عمر البغدادي والى جانبه عشرة وزراء من بينهم وزير حربية اسمه حمزة المصري، وهو ايضا رئيس فرع القاعدة في العراق. هم يقولون بأن دولتهم هذه هي نواة الخلافة الاسلامية و"بوابة نحو فلسطين".

بهذه الطريقة الغريبة وجدت سوريا نفسها عالقة الى جانب اسرائيل في نفس العاصفة التي تهدد باغراق المنطقة كلها، من العراق شرقا وحتى لبنان غربا، وكل ما بينهما. في خطاب أمام مجلس الشعب قبل اسبوعين تحدث بشار الأسد مرارا وتكرارا عن انهيار النظام العربي والأهمية الهائلة التي يوليها للاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في سوريا. من هناك وصل الأسد الى الصراع مع اسرائيل الذي يزعزع الاستقرار، والى دعمه لمبادرة السلام العربية التي تعِد بتوفير النقص في هذه البضاعة الاستهلاكية الغالية.

الأسد قال انه ما زال متمسك بتأييده لمبدأ الارض مقابل السلام، ويُصر على أن المفاوضات مع اسرائيل يجب أن تجري علانية. مصدر استخباري اسرائيلي بارز أكد في الآونة الأخيرة للمستوى السياسي في القدس بأن المباحثات مع ألون لِيال وابراهيم سليمان في القناة السويسرية قد جرت بتفويض كامل من الأسد. لِيال وسليمان فعلا ما طُلب منهما بالنسبة للأسد، والآن بامكانهما أن يغادرا وأن يُخليا مكانهما للمبعوثين الرسميين والعلنيين من الدولتين. - هآرتس 29/5/2007 -