رام الله - الحياة اللندنية - تحدث الرئيس السابق للبنك الدولي جيمس ولفنسون بعد فترة وجيزة من تسلمه مهمات منصبه كموفد خاص للجنة الرباعية الدولية للاشراف على خطة الانسحاب الاسرائيلي المزمع، عن «نوع من الجنون» يلحظه القادم من خارج المنطقة في الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي على السواء، وعن حرصه على الذهاب والاياب بين فترة وأخرى «كي لا يعلق في هذا الجنون وللحفاظ على سلامة عقله».

وولفنسون.

«جنون المنطقة» لم يمنع ولفنسون الذي وصف نفسه بـ «الواقعي»، عن الحديث عن احراز «تقدم مهم» في مفاوضات الوساطة التي يجريها بين الفلسطينيين والاسرائيليين، رغم اعترافه بوجود مسائل عالقة على طاولة المفاوضات قبل نحو اسبوع من الموعد المفترض للانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة.

وأكد ولفنسون في مقابلة أجرتها معه «الحياة» انه تم الاتفاق على «حل القوافل الموقت» للربط بين الضفة الغربية وقطاع غزة بعد الانسحاب، كاشفاً ان اسرائيل وافقت على زيادة عدد العمال الفلسطينيين الذين سيسمح لهم بالعمل في السوق الاسرائيلية. واعتبر ان العلاقات الاقتصادية بين غزة واسرائيل التي وصفها بـ «المحرك» الذي سيشغل القطاع، هي العامل الأهم لانعاش الاقتصاد الفلسطيني.

وفيما كشف ولفنسون ان قضية «تعويض» الفلسطينيين عن 38 عاماً من الاحتلال الاسرائيلي «لم تثر في اي من نقاشاته» مع الفلسطينيين، وصف المساعدات المالية التي التزمت الدول الصناعية الثماني الكبرى تقديمها بأنها التزام غير مسبوق من المجتمع الدولي بمساعدة الفلسطينيين اقتصادياً، مشدداً على ان «قادة هذه الدول ملتزمون شخصياً بأن تكون غزة خطوة أولى على طريق خريطة الطريق وباتجاه التسوية النهائية» بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي.

وفي ما يأتي نص المقابلة:

> ما هي المحددات الأساسية لأي خطة لانعاش الاقتصاد الفلسطيني ما بعد الانسحاب الاسرائيلي المزمع؟

- الجميع يدرك انه بعد الانسحاب ستكون هناك حاجة للتنقل بين الضفة وغزة، وفي هذه الحال يجب ان نطابق بين قضيتين: من الجانب الفلسطيني مسألة تنمية الاقتصاد الفلسطيني وعافيته، وفي الجانب الاسرائيلي يجب التأكد من توفير الامن. خلال المفاوضات نحاول الموازنة بين آمال الفلسطينيين وأحلامهم وبين رغبة اسرائيل بالامن. الجيد في الامر اننا أخيراً نناقش التفاصيل. في الايام الاخيرة، تحدثت باستفاضة عن مسألة الربط بين الضفة وغزة وعن الحركة داخل الضفة والميناء والمطار ومعبر رفح ومسألة التكنولوجيا. ونقوم بذلك كله في اطار توجه فلسطيني جيد لبرنامج يمتد ثلاث سنوات من 2006 الى 2008. أستطيع القول من خلال تجربة عشر سنوات في بلدان عدة ان هناك تقدماً حقيقياً.

> ما هو نوع هذه التقدم الملموس الذي حققتموه في ما يتعلق بالربط بين الضفة والقطاع سواء في المرحلة الانتقالية او انشاء «رابط دائم» ممثلاً بالطريق الهابط؟

- هناك اتفاق على نظام قوافل لن تدار عسكرياً (من جانب الجيش الاسرائيلي) بل من القطاع الخاص لتحريك الشاحنات والناس بين الضفة والقطاع. ونطلق على ذلك حل القوافل الموقت، وهذا اتفق عليه. ما نقوم به هو النظر الى الاتصال والربط الدائم بين الضفة والقطاع، وهذا ما يعكف البنك الدولي على درسه مع تمويل توفّره «يو اس ايد» (المنظمة الاميركية للمساعدات).

> عندما تقول «قطاع خاص»، هل تعني بذلك قطاعاً خاصاً فلسطينياً ام طرفاً ثالثاً؟

- اعني بذلك القطاع الخاص الاسرائيلي او طرفاً ثالثاً. ما لا يريده الاسرائيليون والفلسطينيون هو العودة الى نظام الحراسة العسكرية (الذي كان معمولاً به بعد اتفاقات اوسلو عبر الممر الآمن) وان يكون اكثر طبيعية. وما يريده الاسرائيليون في المعابر، «كارني» و»ايرز» ومعابر الضفة، هو ان تخضع لسيطرة مدنية ايضاً مثل سلطة المطارات الاسرائيلية او شيء آخر بدل قوات الجيش الاسرائيلي من أجل «تطبيع المعابر» ومحاولة ان تكون أكثر ودية وأكثر نجاعة.

> هل سيبقى نظام التوصيل من خلال ما يعرف بـ «ظهر الى ظهر» ام باب الى باب؟

- الهدف هو ان يكون التنقل بواسطة نظام «باب الى باب». وشاركت في مناقشات طويلة جداً مع الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني في اليومين الماضيين لوضع المبادئ المطلوبة لتحقيق الامن الاسرائيلي تسمح بالانتقال الى نظام «من الباب الى الباب». واجتمعت بالوزير محمد دحلان والوزير موفاز. ولا يوجد شك في اتفاق يهدف الى اتباع نظام «من الباب الى الباب». نعم هناك اتفاق للتحرك في هذا الاتجاه. لكن نحتاج الى تكنولوجيا لجعل ذلك سهلاً وبسيطاً. لو وُجدت آلة سحرية تستطيع ان تفحص الشاحنة وكل ما في داخلها وتوفر الامن 100 في المئة فلن تكون هناك مشكلة. لكن هذ الآلة اما ليست متوافرة او انها باهظة الثمن. يجب ان نتحرك في هذا الاتجاه: البضائع على عجلات ثم المحركات ثم الشاحنة. لكن بالاضافة الى ذلك نحن بحاجة الى نظام ناجع. ما أسعدنا هذا الاسبوع أيضاً، ان الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني يحاولان انشاء نظام متطابق عند الجانبين لادارة المعابر بشكل يسمح بـ «ادارة مشتركة»، الفلسطينيون من جانبهم والاسرائيليون في طرفهم، لكن هناك اتصالاً متواصلاً بين الادارتين يومياً.

> هل توصلتم أيضاً الى اتفاق نهائي في شأن معبر رفح الحدودي بين غزة ومصر؟

- مسألة معبر رفح مرتبطة بحركة «خط فيلادلفي» وما اذا كانت مصر ستتولى المسؤولية. وهذا يتم اتخاذ قرار في شأنه في الوقت الحاضر، ثم قضية ترتيبات موقتة او نهائية على هذه الحدود، وهذا أيضاً يتم اتخاذ قرار في شأنه في هذا الوقت بالذات. لدي أفكار خاصة بي في شأن سبل القيام بذلك، لكن القرار الاول يجب ان تتخذه الحكومة الاسرائيلية، وهذا سيتخذ خلال ايام.

> نحن على بعد اسبوع تقريباً من بدء الانسحاب ومعظم القضايا ما زالت قيد النقاش؟

- ليس كل شيء على الطاولة وقيد النقاش. معبر رفح ما زال قيد النقاش، لكن حققنا الكثير في ما يتعلق بمجالات أخرى. هناك عروض من اشخاص مدنيين في شأن الدفيئات الزراعية. توصلنا الى حل لقضية مخلفات المستوطنات (التي ستهدم) ونقل جزء من الركام الى اسرائيل ونقل أجزاء أخرى الى أماكن أخرى. دعيني أقول لك انني لست متفائلاً بطبيعتي. أنا واقعي. وأقول لك ان المطروح هنا مواضيع سنوات طويلة... نحن نحرز تقدماً مهماً. اذا اعتقدت انه يمكن خلال يومين او شهرين حل كل المشاكل فأنت التي تحلمين ولست انا. هناك اناس جيدون جداً في الطرفين ملتزمون السلام ويقومون بعمل جيد، اذا حصلوا على الدعم ستحصلون على منطقة مختلفة، اما اذا لم يحصلوا عليه فستكون منطقة مريعة وستجبرون على عمل ذلك (التفاوض) مرة أخرى بعد خمس سنوات بعد أن يموت أناس كثيرون مرة أخرى.

> تقول ذلك رغم التوسع الاستيطاني والجدار وما تفرضه اسرائيل على الارض من أمر واقع في هذه الاثناء؟

- هذه واحدة من المواضيع القوية التي يجب تناولها. المستوطنات والجدار مسائل صعبة جداً، لكنها جزء من التسوية النهائية ولا نستطيع عمل كل شيء في وقت واحد. هي حقائق لكن هناك حقائق أخرى في الجانب الفلسطيني التي يجب معالجتها أيضاً. لن تستطيعي ان تحمليني على القول ان هناك جواباً بسيطاً. ما نحتاجه هو عملية والتزام بالسلام. اذا حصلتم على ذلك تحصلون على حل.

> هل يمكن القول ان العنصر الاساس المهم لانعاش الاقتصاد الفلسطيني هو المعبر الرابط بين الضفة والقطاع؟

- هو عنصر مهم، لكن ليس العنصر او العامل الاهم لأن هناك 1,2 مليون فلسطيني، وهناك الضفة وفيها 2,4 مليون او 2,5 مليون...

> اذن ما هو العامل الاهم؟

- اعتقد اننا اذا أخذنا غزة لوحدها، غزة بحاجة الى عوامل عدة، هي بحاجة الى حركة جيدة مع اسرائيل. يجب ألا ننسى انه في ما يتعلق بالاستيراد والتصدير والعمل، العامل الاكبر الوحيد لغزة هو اسرائيل. سواء أعجبنا ذلك أو لا فهذا هو المحرك. واذا نجح ذلك، فان غزة تنجح بشكل أكبر.

> لكن اسرائيل أعلنت انه لن تكون هناك عمالة فلسطينية تدخل اليها عام 2008؟

- لا أستطيع الاجابة عن هذا السؤال لانني لست رئيس وزراء اسرائيل. لكن ما أستطيع قوله هنا هو اننا نركز على المرحلة القريبة 2005 - 2006. وما أتطلع اليه هو زيادة في عدد العمال في اسرائيل. ما قيل سياسياً لا سيطرة لي عليه، ولا أعلم ما الذي سيفعله شارون عام 2008، لكن أستطيع القول ان الأهم بالنسبة الي الآن هو ما الذي سيحصل في 2005 و 2006. وهناك دليل على انه ستكون هناك زيادة في عدد العمال الذين سيسمح لهم بالدخول (الى اسرائيل)، وستكون هناك مرونة أكبر وحرية تنقل اكبر للدخول والخروج للمستثمرين والعمال في أجواء أكثر طبيعية.

عندما يأتي المرء من جزء آخر من العالم، يجد ان هنا نوعاً من الجنون من الجانبين، واذا بقي طويلاً هنا سيعلق في هذا الجنون، ولهذا أحب ان أغادر لأحافظ على سلامة عقلي. هناك امكانات كبيرة للاسرائيليين عند الفلسطينيين والعكس بالعكس، لكن اذا التقيا في مستوى معين من الثقة فالناس متشابهون جداً. أتمنى لو كنت كائناً خارقاً لأفعل ذلك، لكنني لست كذلك. ما نحاول ان نعمله هو خلق الشروط التي تتم بها اعادة الثقة بشكل تدريجي بين الجانبين.

> قد يقول البعض انك متفائل جداً لأن شارون عاد وأكد قبل يومين ان خطة «فك الارتباط» هي احادية الجانب وانه لن يبدأ بخطة خريطة الطريق الا اذا نفذ الجانب الفلسطيني شروطه. السؤال هو هل حددتم جدولاً زمنياً لما يجب ان تفعله اسرائيل بعد انسحابها من غزة في اطار خريطة الطريق؟

- بالتأكيد ليس لدي جدول زمني لانني لست رئيس الولايات المتحدة ولست زعيم اي من اعضاء اللجنة الرباعية. لدي مهمة آنية وهي تسهيل الانسحاب. جميع الناس في الرباعية، بوش وبلير بوتين وكوفي أنان، قالوا ان هذه يجب ان تكون الخطوة الاولى في خريطة الطريق. يجب ان تكون خطوة أولى في اتجاه التسوية النهائية. واجتماع الثماني الاخير تصريح واضح وصريح للدعم المالي بثلاثة بلايين دولار، وهو لم يحصل في السابق أبداً. التقيت شخصياً مع الزعماء الثمانية، وأستطيع ان أؤكد لك، لانني اعرفهم جميعاً جيداً، ان كلاً منهم ملتزم شخصياً بأن يرى ذلك ينجح، وهم لا يتحدثون فقط عن غزة أولاً وأخيراً. هم يتحدثون عن غزة كخطوة باتجاه تسوية نهائية. لا أستطيع ان أعدك بما سيفعله الفلسطينيون او الاسرائيليون، لكنني أستطيع ان أقول لك ان المجتمع الدولي اليوم مئة في المئة وراء مساعدة الفلسطينيين والاسرائيليين للتوصل الى نهاية.

> كيف يمكن ان نضمن ان غزة لن تكون أخيراً؟ ما الذي تقوله للفلسطينيين في هذا الشأن؟

- اقول للفلسطينيين في هذه اللحظة ان لا يقوموا بأي افتراضات غير الضغط لاستمرار النقاشات، وقد تجدون بذلك سهولة لتلقي الدعم الدولي أكثر مما تتوقعون لأن هذا ما يريد الجميع ان يفعله بصورة قاطعة. وانا لا أختلق ذلك، هذا ما قالوه في اجتماع دول الثماني الصناعية. لكن هناك تشككاً في كلا الطرفين، دعيني اذكرك بأننا في الاشهر الستة الى التسعة المقبلة سنشهد الاعياد اليهودية وهناك شهر رمضان والانتخابات، والله اعلم ما الذي سيقوله الناس في الانتخابات. لكن في ما يتعلق بالمجتمع الدولي، فهو مستعد فوراً لدعم نشاطات اقتصادية، وأنا أعلم انه مستعد لدعم التحرك نحو تسوية نهائية. هذا يتطلب تحرك الطرفين باتجاهها.

> البلايين الثلاثة كيف ستنفق وعلى اي مشاريع، ومن خلال اي قنوات: السلطة الفلسطينية أم أطراف أخرى؟

- التقيت وزراء المال سلام فياض والتخطيط غسان الخطيب والاقتصاد مازن سنقرط السبت والاحد، وقلت ان المشاريع للاعوام 2006 الى 2008 يجب ان تكون مشاريعهم ليس مشاريعي، واليوم تحدثنا عن كيفية وضع هذه المشاريع. لا توجد عندهم حتى الآن خطة نهائية، هم ينظرون الى البنية التحتية والتعليم والمرأة ومصارف بلدية وتكرير المياه والمجاري. اعتقد ان الامر سيستغرق ثلاثة الى اربعة اشهر للخروج بهذه الخطة، لكنها خطة فلسطينية وليست خطتي ونحن نحاول ان نساعدهم.

> ماذا في شأن مسألة تعويض الفلسطينيين عن 38 عاماً من الاحتلال؟

- لم أناقش هذه المسألة بتاتاً، ولم تطرح خلال نقاشاتي.

> كلمة أخيرة عن غزة في اليوم التالي للانسحاب؟

- غزة في اليوم التالي للانسحاب ستشهد الكثير من النشاط الاقتصادي، وأتوقع ان يعلن «ابو مازن» عن ذلك واعتقد ان الناس سيكونون سعداء.