من المنتظر أن تشرع سلطات الاحتلال الإسرائيلي اليوم بسحب قواتها وإخلاء مستوطناتها من قطاع غزة. تأتي هذه الخطوة الأحادية الجانب ضمن ما يسمى "خطة الفصل" أو "فك الارتباط" التي صادق عليها الكنيست الإسرائيلي بغالبية الأصوات. ومن المفترض أن تقوم دولة الاحتلال بموجب هذه الخطة بسحب قواتها من القطاع وإخلاء جميع مستوطناتها من هناك، وإخلاء أربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة تظهر إسرائيل على أنها بدأت باحترام التزاماتها القانونية القاضية بإنهاء احتلالها للمناطق الفلسطينية، إلا أن "الحق" ترى أن هذه الخطوة ترمي إلى التغطية على ما ترتكبه من انتهاكات في الضفة الغربية، من توسع استيطاني، ومواصلة بناء جدار الضم، وضم القدس، وغيرها من الانتهاكات.
وفي هذا السياق فإن مؤسسة "الحق" تؤكد أن هذه الخطوة لا تعني إنهاءً للاحتلال، حيث أن دولة الاحتلال الإسرائيلي ستبقى تسيطر على الحدود، والأجواء، والبحر، وهذا يجرد المنطقة التي سيتم الانسحاب منها من السيادة الكاملة. كما أن إسرائيل أعطت نفسها الحق في العودة للقطاع في أي وقت تشاء. لذا فإن مؤسسة الحق تعرب عن قلقها عما ستتمخض عنه هذه الخطوة التي قد تحول القطاع بأكمله إلى منطقة مغلقة أشبه بالسجن. بالإضافة لذلك، يجب النظر إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة بكاملها كإقليم واحد محتل، وأن انسحاب قوات الاحتلال من بعض مناطق هذا الإقليم لا يعني بأي شكل من الأشكال انتهاء الاحتلال، وخصوصاً أن النية لا تتوفر للانسحاب من بقية هذا الإقليم، والاعتراف بحقوق الفلسطينيين وفقاً لما نصت عليه قرارات الشرعية الدولية. وهذا يحتم على دولة الاحتلال الاستمرار في تحمل مسؤولياتها القانونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وكان مسؤولون إسرائيليون قد هددوا بأن إسرائيل ستعود لاحتلال قطاع غزة وشن حرب عليه إذا ما تم إطلاق النار عليهم أثناء الانسحاب. لذا فإن "الحق" قلقة من احتمال قيام بعض الإسرائيليين المعارضين للانسحاب بالاحتكاك بالفلسطينيين والاشتباك معهم أثناء الانسحاب بهدف إعاقته، ودفع قوات الاحتلال إلى استخدام القوة بمواجهة الفلسطينيين في القطاع. كما أن "الحق" قلقة إزاء ما ستؤول إليه الأوضاع بشكل عام بعد الانسحاب الإسرائيلي، وخصوصاً الأوضاع الاقتصادية، حيث أن إغلاق القطاع سيؤدي إلى تفاقمها.
ومن منطلق تقييمها لهذه الخطوة، وحرصها على تطبيق القانون الدولي في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة فإن "الحق" تلفت انتباه المجتمع الدولي الذي ينظر بإيجابية لهذه الخطة إلى ما يلي:
· أن نسبة المستوطنين الذين سيتم إخلاؤهم من قطاع غزة تعادل 2% فقط من مجموع المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة البالغ عددهم 425 ألف مستوطن تقريباً، وأن عدد المستوطنين الذين قدموا للاستيطان في الضفة الغربية منذ الإعلان عن الخطة يفوق عدد المستوطنين الذين سيتم إخلاؤهم من قطاع غزة.
· أن إسرائيل ماضية في بناء الجدار وتوسعها الاستيطاني في الضفة الغربية، في انتهاك سافر لقرارات الشرعية الدولية، وفتوى محكمة العدل الدولية التي اعتبرت الجدار الاستيطان غير قانونيان ودعت إلى وقفهما، وتفكيكهما.
· أن خطة "فك الارتباط" تنص صراحة على نية إسرائيل ضم بعض مناطق الضفة لها، وهذا يعني أن الخطة لن تؤدي إلى إنهاء احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة بالكامل، وهو بالطبع مخالف للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، باعتبار أن الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة تعتبر مناطق محتلة وفقاً للقانون الدولي.
في ظل هذه المعطيات فإن "الحق" لا ترى في "خطة فك الارتباط" الطريق الأمثل لحل الصراع، وأن أفضل طريق لإنهائه يتمثل في احترام دولة الاحتلال الإسرائيلي لالتزاماتها القانونية بموجب القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة. كما أن "الحق" ترى أن التوصل لحل دائم وعادل للقضية الفلسطينية لن يتأتى إلا بانتهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة بكاملها، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه المشروع في تقرير المصير والسيادة الدائمة على موارده وثرواته. وهذا يتطلب من المجتمع الدولي التدخل، والضغط على دولة الاحتلال لإنهاء احتلالها.
لذا فإن "الحق" تطالب الدول الموقعة على اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949، والدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتحمل مسؤولياتها، ومراقبة تقيد إسرائيل بالقانون خلال انسحابها من قطاع غزة، وخلال إخلاء بعض مستوطناتها من شمال الضفة. كما تطالب "الحق" المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته حيال الانتهاكات التي ترتكب في الأراضي الفلسطينية في هذه الأثناء.