المواصي (قطاع غزة) ـ من مارك هاينريك- رويترز: في جيب فلسطيني يقع بين مستوطنين يهود والبحر المتوسط يراقب مزارعون محصولهم يتعفن في الاراضي الخصبة وقوارب يعلوها الصدأ علي الشاطئ الذي يحفه النخيل تحت اعين الجيش الاسرائيلي. وكانت المواصي في وقت ما مركزا للرخاء النسبي في غزة غير ان كل ذلك انتهي مع قتال القوات الاسرائيلية للانتفاضة اذ عزلت الجيب بمد طوق امني لاحدي المستوطنات ليحيط به لحرمان نشطاء من موطئ قدم علي الساحل يستخدم في شن هجمات. ولكن بعد سنوات من العزلة بعيدا عن الوظائف والاسواق والاقارب في بقية انحاء غزة يلوح الخلاص في الافق اذ تعتزم اسرائيل الانسحاب من الاراضي المحتلة في اب (اغسطس).

ويأمل السكان ان يمر الوقت سريعا لتنتهي الايام التي لا يسعهم فيها سوي الحملقة بحزن من الجيب العليل الي المستوطنات المزدهرة. وقال المزارع محمد حسن نتطلع للهروب من هذا السجن المفتوح داخل سجن آخر في اشارة الي المواصي وغزة بصفة عامة حيث تتناثر الجيوب اليهودية التي تعوق انتقال الفلسطينيين والتجارة داخل الاراضي الفلسطينية. وتمتد المواصي لمسافة 15 كيلومترا علي طول الساحل وعرضها كيلومتر واحد وازدهرت في فترة سابقة بفضل محصول الخضروات والموالح الي جانب صيد السمك من عرض البحر ورحلات يومية لشواطئها الرملية. وعمل بعض سكانها في المدن الفلسطينية القريبة مثل خان يونس ورفح او حتي في مواقع البناء وفي المزارع المحمية في مستوطنة غوش قطيف القريبة. واوصدت اسرائيل الباب في عام 2001 بعد وقت قليل من بدء الانتفاضة حين قتل عامل من المواصي مستوطنا كان يعمل لديه. واقتصرت الحركة من والي المواصي علي نقطة تفتيش واحدة تغلق لفترات طويلة نتيجة حالات التأهب الامني. ومنعت اسرائيل عبور الذكور الذين تتراوح اعمارهم بين 16 و35 عاما وهي المرحلة السنية التي ينتمي اليها عادة النشطاء. ونتيجة لذلك انفصلت اسر لسنوات اذ عجز الرجال عن الانتقال عبر نقطة تفتيش التفاح ويشتكون من تعرضعهم لعقاب جماعي. وفسدت كميات كبيرة من المنتجات الزراعية والاسماك في شاحنات غير مجهزة بمبردات تقف لفترات طويلة امام نقاط التفتيش والسلع التي تعبر الحدود سليمة ينبغي اعادة تحميلها علي شاحنات علي الجانب الاخر من نقطة التفتيش مما يزيد التكلفة. وانخفضت اعمال العنف انخفاضا حادا اثر اتفاق الهدنة الاسرائيلي ـ الفلسطيني في شباط (فبراير) غير ان سكان المواصي ومسؤولي الاغاثة يقولون ان نظام التفتيش لا يزال صارما كما هو رغم فتح نقطة التفتيش لفترات اطول يوميا وتضييق نطاق الحظر علي السفر الي الذكور الذين تتراوح اعمارهم بين 16 و25 عاما. وفي استسلام يترك محمد النجار الطماطم (البندورة) تتعفن في مكانها حين تتساقط من علي عروشها لانه يعلم انها لن تتحمل الحرارة في نقاط التفتيش حتي وان كانت في طريقها الي مدينة غزة القريبة وليس الي اسرائيل او الضفة الغربية. ويلقي معظم انتاجه من الخضروات والفواكه نفس المصير لذات السبب. ويوجد في الجيب عدد كبير من الحقول شبه المهجورة التي تتناثر فيها المخلفات. ويقول النجار (50 عاما) ولديه 14 ابنا ابيع بعض الطماطم والفلفل محليا ولو بخمس سعرها قبل الانتفاضة لان السكان لا يطيقون الا القليل الان .

وتقف سيارته المرسيدس القديمة يعلوها الصدأ في ممر رملي امام منزله لعجزه عن نقلها الي خان يونس لاصلاحها ومثل كثيرين في المواصي اصبح النجار يستخدم عربة يجرها حمار للانتقال من مكان لاخر. وكما يفعل في معظم الايام توجه بها الي الشاطئ انتظارا لعودة ابنيه المراهقين اللذين ابحرا بقارب الاسرة الصغير المتداعي لصيد الاسماك ليس بعيدا عن الساحل. وفي وقت لاحق قال له ابنه لم نصطد الكثير يا ابي. لم نتمكن من الابتعاد لمسافة كافية ملخصا محنة الصيادين المحليين.

وتراجعت بشكل حاد كميات السمك الذي يجلبه الصيادون الذين تمنعهم اسرائيل من الوصول لافضل اماكن الصيد في عرض البحر وفي بعض الاحيان تجبرهم علي احترام الحظر باطلاق النار فوق رؤوسهم. اما المراكب الاكبر التي يمكنها الابحار لمسافة عشرة اميال بحرية وهي اقصي مسافة مسموح بها فينبغي ان تترك في مجمع تحت سيطرة الجيش ويتعين طلب تصريح للقيام باي رحلة وقد يئس الصيادون وتركوا قواربهم علي الشاطئ.

وقال ابو اسماعيل (34 عاما) وهو اب لثمانية غالبا ما نعجز عن الحصول علي التصريح في الوقت المناسب حتي يمكن ان نصطاد السمك في الوقت الذي يكثر فيه لذا فاننا نجلس فترات طويلة علي الشاطئ كنت اصطاد ما بين 70 و80 صندوقا من السمك يوميا انخفضت الان الي بين 10 و15 شهريا .

ولتفادي انتظار الحصول علي تصريج يبحر بعض الصيادين مثل الاخوين النجار في المناطق المفتوحة التي لا تخضع لرقابة دائمة من الجيش ولكن يمكنهم فقط الابحار في قوارب صغيرة غير مناسبة للمياه العميقة. ويقول الجيش ان مظلته الامنية حيوية لمنع تسلل النشطاء او تهريب الاسلحة في المكان الوحيد في غزة حيث لا يفصل بين الفلسطينيين والاسرائيليين اي حاجز طبيعي. والحوادث نادرة الوقوع اذ ان المستوطنين وهم عادة مسلحون يعبرون بشكل منتظم المواصي للتوجه الي مواقع محمية خاصة بهم علي الشواطئ. وقال مصدر عسكري اسرائيلي سيسمح تحسن الوضع الامني وتراجع معدل الهجمات الارهابية بتخفيف اكبر للقيود مشيرا الي الهدوء النسبي في الاونة الاخيرة .

وفي كل يوم يجلس بعض سكان المواصي علي قطاع رملي عازل في انتظار القوات الاسرائيلية التي تنقلهم للبحث عن فرصة عمل متواضعة او اي اشارة لجمع عمالة او سلع تمر من نقطة التفتيش في خان يونس. كما ان الحصار الامني الاسرائيلي منع السكان المحليين من الوصول الي المدارس ومراكز الرعاية الطبية في خان يونس ورفح. وفيما فقدت المواصي القدرة علي توفير احتياجاتها تدخلت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بتقديم مساعدات عاجلة وبرامج لتوفير فرص عمل تركز علي التخلص من اكوام ضخمة من القمامة تهدد صحة السكان.

ويجلس محمود حسن (53 عاما) صاحب مقهي ومتجر علي الشاطئ ينتظر زبائن نادرا ما يأتون ويحلم بعودة الاوقات الطيبة بعد مغادرة القوات الاسرائيلية. ويقول اعتدت ان اضع 20 مائدة ومظلة هنا وكانت تجد من يشغلها يوميا... كانت الحياة طيبة جدا في يوم ما وان شاء الله ستكون كذلك من جديد .