اعتصم موظفون حكوميون، أمس، أمام مقرات عملهم في وزارات ومؤسسات السلطة الوطنية بمدن الضفة الغربية، في بدء فعاليات الإضراب التحذيري، الذي يستمر اليوم، كتمهيد للإضراب الشامل والمفتوح المقرر في الثاني من أيلول المقبل، مطالبين المسؤولين الفلسطينيين، في الحكومة والرئاسة، بالإسراع في دفع رواتبهم المستحقة منذ آذار الماضي، وتوفير الضمانات لاستمرار تقاضيهم لهذه الرواتب في الأشهر المقبلة، واعتبرت مصادر نقابة العاملين في الوظيفة العامة أن الإضراب التحذيري شكّل "بروفة" ناجحة للخطوات التصعيدية القادمة.

وحمّل موظفون الحكومة مسؤولية تدهور أوضاعهم المعيشية، جراء عجزها عن إيجاد الآليات اللازمة لتأمين رواتبهم، في حين انتقد آخرون موقف الرئاسة، بينما لم يغفل الجميع أن الاحتلال والحصار هما السبب الرئيس في الأزمة التي يعيشونها، إلا أن ستة أشهر "كانت مدة كافية لكي يبحث المسؤولون عن طرق يخرجون بها الموظفين، ويشكلون أغلبية في الشارع الفلسطيني، مما باتوا يعانونه من فقر وعوز، وصعوبات في تأمين قوت عيالهم"، حسب عاصم أبو لبن، الموظف في إحدى الوزارات، في حين أكد صادق محمد، ويعمل في وزارة أخرى أن "الإضراب ليس سوى رسالة احتجاج للحكومة والرئاسة، وجرس يقرعه الموظفون لعلّ المسؤولين يلتفتون لمعاناتهم، فليس الهدف إسقاط الحكومة، أو الضغط عليها، كما يحاول البعض الترويج، بل هي أهداف مطلبية .. نحن نريد رواتبنا".

واستهجنت اعتدال قاسم تهديد الحكومة بمعاقبة كل من يشارك في الإضراب، وتقول: ليس ثمة ما نخسره .. فلا رواتب منذ أكثر من ستة أشهر .. "الوضع زي العمى، ومش لاقيين أجرة الطريق"، مذكّرة المسؤولين بالحديث الشريف القائل "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه".

ولم يبتعد العديد من الموظفين عن البحث عن حلول مقترحة للأزمة، تمحورت في مجملها حول تشكيل حكومة وحدة وطنية، وبأسرع وقت، استجابة لبنود وثيقة الوفاق الوطني، حيث انتقد البعض اشتراطات الحكومة الحالية على تشكيلها، والتي وصفوها بغير الواقعية، في حين تحدث آخرون عن ضرورة الاقتداء بموقف حزب الله اللبناني الذي وفر للبنانيين مقومات الصمود، "فالخطب لا تشبع طفلاً جائعاً، ولا تشفي مسناً مريضاً".

من جهته، أكد بسام زكارنة رئيس نقابة العاملين في الوظيفة الحكومية نجاح الإضراب الجزئي في يومه الأول، مشيداً بوحدة الموظفين الحكوميين وتماسكهم في سبيل الحصول على حقوقهم، واصفاً ما حدث بـ"الالتزام الحديد"، مؤكداً أن لا بوادر لحل الأزمة، سوى ما تحدث عنه د. غازي حمد، الناطق باسم الحكومة، بخصوص العمل على تشكيل لجنة مشتركة بين ممثلي الموظفين والحكومة، معرباً عن أمله بتحقيق أية نتائج حقيقية في توفير مستحقات الموظفين قبل الثاني من الشهر المقبل .. ويقول: حتى الآن لا توجد أية خطوات رسمية .. لو كنا متفائلين لما خضنا هذا الإضراب .. الحديث عن بعد سياسي وما شابه أمر لا علاقة له بالواقع .. ليس الهدف أن نسقط حكومة منتخبة من الشعب كما يقولون، نحن نريد حقوقنا، وأعتقد أن ستة أشهر من الصمود، تعبر عن تعاطف حقيقي للموظف مع الحكومة المحاصرة، لكن "للصبر حدود".. الموظفون في ظروف غاية في الصعوبة، ولم يتعاطَ أي مسؤول في الحكومة أو الرئاسة مع الأمر بجدية، رغم توجيه رسائل عدة للرئيس محمود عباس، ورئيس الوزراء إسماعيل هنية.

ويؤكد زكارنة أن الإضراب الشامل المقرر في الثاني من الشهر المقبل، يشتمل على إغلاق جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية، وبقاء الموظفين في منازلهم، على عكس الإضراب الجزئي الذي اقتصر على الامتناع عن العمل، ما يترتب عليه شلل كامل في مختلف المرافق الحياتية، باستثناء المعابر، وأقسام الطوارئ في المستشفيات، والمياه، مع أن هذه القطاعات قد تنضم للإضراب المفتوح، بعد أيام من انطلاقه، حال لم يتم توفير مستحقات الموظفين كاملة.

ويستهجن زكارنة اقتصار الحكومة على سياق المبررات، و"الحديث عن الحصار، الذي نعيشه جميعاً"، ويقول: مثل هذه الإجابات لا يجب أن تخرج عن أحد في الحكومة، التي هي مسؤولة عن إدارة شؤون الموظفين، وتوفير حقوقهم، وإذا كانت الحكومة عاجزة، فهذه ليست مشكلة الموظف.. يجب أن يكون للحكومة كلام مقنع بخصوص رواتب الموظفين، بحيث تقدم خطة واضحة وأسساً قابلة للتطبيق، تمكن الموظف من العيش بكرامة.

وفي تعليقه على توفير بعض "السلف" للموظفين، يقول زكارنة: هذه السلف كانت بمثابة المخدر غير الناجع، فقرابة ما معدله مائتا شيكل أو أكثر قليلاً شهرياًُ، لا تحل الأزمات المتفاقمة لدى الموظفين، والديون الملقاة على كاهلهم، والمسؤوليات التي عليهم القيام بها.

ويؤكد زكارنة: لم يعد أمامنا سوى الإضراب كخطوة سلمية وديمقراطية للاحتجاج، بعد أن بدأنا نلمس بعض المظاهر العدائية والمرفوضة كردات فعل من بعض الموظفين، وآخرها ما حصل في بعض البنوك .. الإضراب كوسيلة حضارية يأتي لتلافي أية وسائل عنيفة، ولتلافي تداعيات ثورة الجياع.

ويؤكد زكارنة أن هذه الخطوة الاحتجاجية ليست موجهة ضد الحكومة فحسب، بل إن على الرئيس تحمل مسؤولياته كاملة تجاه شعبه .. على الحكومة والرئاسة معاً، وجميع الفصائل العمل على إيجاد حل سريع لأزمة الرواتب، مشيراً إلى أن مسيرة حاشدة ستنظم نهاية الشهر الجاري باتجاه مقر الرئاسة في رام الله، لمطالبة الرئيس بالاضطلاع بمسؤولياته تجاه الشعب الفلسطيني.

ويختم زكارنة حديثه بالتأكيد: الإضراب لن يتوقف إلا بصرف جميع مستحقات صرف الموظفين، ودون تجزئة، حيث نرفض ما يقدمونه لنا من "فتات"، علاوة على توفير ضمانات مقنعة لاستمرار صرف الرواتب، كما كان، في المستقبل.