رام الله - رويتر - يعمل نادر الخطيب محاسبا في الحكومة الفلسطينية التي تقودها حركة المقاومة الاسلامية »حماس« في الصباح ويكمل يومه بالعمل كسباك ليعول اسرته.
ولا يزال الخطيب يتوجه الى عمله في وزارة الاشغال العامة لساعات قليلة رغم انه لم يحصل على راتبه منذ اذار الماضي وعدم وجود ما يفعله هناك. وتقول احدى النقابات الحكومية ان 60 في المئة من موظفي الحكومة كفوا عن الحضور للعمل.
وتقترب خدمات البنية الاساسية للسلطة الفلسطينية من التوقف منذ قررت اسرائيل والغرب قطع المساعدات ووقف تحويل عائدات الضرائب للحكومة التي تعتمد على المعونة بسبب رفض حماس الاعتراف بدولة اسرائيل.
ولا تقدم الوزارات سوى خدمات قليلة. اما الوزارات التي تقدم خدمات فانها تفتقر للاموال لشراء حتى ابسط المواد مثل الادوات المكتبية. وفي المستشفيات الحكومية توقف الاطباء عن اجراء العمليات الروتينية.
ويقول الخطيب »لابد ان اعمل بعد ساعات العمل كي اعيش.« اما رائد حمد وهو محاسب حكومي اخر فيقول انه يكافح للعثور على دولارين يحتاجهما للسفر من قريته الى مكان عمله في مدينة رام الله بالضفة الغربية حيث مقر السلطة الفلسطينية. ويعمل حمد في مطعم ليلا.
واضاف لرويترز »السلطة الفلسطينية تنهار. حتى لو توجهنا الى اعمالنا فلا يوجد شيء نفعله هناك. سأكف قريبا عن الذهاب الى المكتب .« ومنذ تأسسها بموجب اتفاقيات السلام التي ابرمت في اوسلو عام 1993 والسلطة الفلسطينية تعول على المساعدات الاجنبية لتظل واقفة على قدميها.
ويعمل لدى السلطة 165 الف موظف يعيش على رواتبهم ربع الشعب الفلسطيني وتعداده 3.8 مليون نسمة في الضفة الغربية وقطاع غزة الفقير الذي سحبت اسرائيل جنودها منه العام الماضي. وتولت حماس السلطة في اذار بعد تغلبها في انتخابات كانون الثاني التشريعية على حركة فتح بزعامة الرئيس الفلسطيني محمود عباس التي هيمنت على الساحة السياسية الفلسطينية لفترة طويلة.
ورغم الحظر المفروض عليها ترفض الحركة الاسلامية التخفيف من موقفها تجاه اسرائيل. وهيأ عباس الاجواء هذا الاسبوع لمواجهة مع حماس بعد ان اعلن انه سيجري استفتاء ربما في شهر تموز المقبل على اقتراح لاقامة دولة فلسطينية يتضمن اعترافا باسرائيل. ورفضت حماس الاقتراح. ومع استمرار المأزق السياسي يقترب جهاز الحكومة الفلسطينية من التوقف.
ويقول مسؤولون ان الوزارات اجلت جميع المشاريع التي تتطلب تمويلا من وزارة المالية. وذكر اخرون أن الصفقات العقارية لا تسجل. ويقول موظفو الحكومة الذين يحضرون الى اعمالهم في الصباح انهم يكتفون بالجلوس خلف مكاتبهم وقراءة الصحف والتحدث مع زملائهم ثم يغادرون قرب الظهر وهم يشعرون بالملل والاحباط. واغلقت اجهزة الكمبيوتر ولا تعمل اجهزة الفاكس والات النسخ لعدم توفر الاحبار والورق. واغلق بعض العاملين الذين توقفوا عن الحضور مكاتبهم. وتراكمت في المكاتب الاعمال المكتبية التي لم تنجز.
وساق بعض الموظفين اسبابا عدة لذهابهم الى العمل منها الخوف من انتقام وزارات حماس منهم اذا لم يحضروا أو لانهم ليس لديهم شيء اخر يفعلونه. وينتمي 60 في المئة من موظفي السلطة لحركة فتح.
وحذرت الحكومة الموظفين المتغيبين من فرض عقوبات عليهم. وقال المتحدث باسم الحكومة غازي حمد ان الموظفين الذين لا يقدمون اسبابا مقبولة لتغيبهم سيواجهون اجراءات قانونية. واضاف ان الحكومة ستنظر في حالات من لا يستطيعون تحمل تكاليف المواصلات او من يتغيبون بسبب اغلاق نقاط التفتيش الاسرائيلية في الضفة الغربية التي قد تحول دون وصول الناس الى مكاتبهم. لكن الازمة تتجاوز نطاق الاقتصاد. فعجز الحكومة عن دفع رواتب الموظفين والصراع على السلطة بين حماس وفتح اثارا مخاوف من تفاقم التوترات الداخلية وخروجها عن نطاق السيطرة. وقال المحلل السياسي الفلسطيني علي جرباوي »السلطة لم تنهر بعد لكن اذا استمر الحال على ماهو عليه لشهرين اخرين فان الازمة ستصبح خانقة.«
واصبحت حياة الكثير من الموظفين على شفا الانهيار بالفعل. فأم محمود 43 عاما وهي ارملة كانت تتلقى 500 دولار في الشهر. ولجأت المرأة في بداية الامر الى بيع ذهبها ثم الى بيع اثاث منزلها ثم لم تجد مفرا من اللجوء الى اقاربها. وتقول لم يعد لدي شيء ابيعه. لا اعرف ماذا افعل. انا يائسة. الجمعيات الخيرية التابعة لحماس ترفض منحي اموالا لاني لست عضوة بحماس.
ودفعت بعض البنوك المحلية من اموالها رواتب الموظفين اصحاب الاجور المنخفضة هذا الاسبوع لتجنب فرض عقوبات عليها من الغرب لتعاملها مع حماس التي تعتبرها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي منظمة ارهابية. لكن المبلغ الذي دفع وهو 13 مليون دولار هو جزء بسيط من 360 مليون دولار هي القيمة الاجمالية للاجور التي تدين بها الحكومة. وقال وزير المالية الفلسطينية عمر عبد الرازق ان الازمة لم تنته بعد.
وساهم نقص الاموال في اضعاف اقتصاد يعاني بالفعل بسبب سنوات من الصراع مع اسرائيل وسوء الادارة والفساد. وتعكف لجنة الوساطة الرباعية المؤلفة من الولايات المتحدة وروسيا والامم المتحدة والاتحاد الاوروبي على صياغة الية لتقديم المساعدات مباشرة الى الفلسطينيين. لكن دبلوماسيين يتوقعون ألا تحول مساعدات في بداية الامر سوى للعاملين في قطاع الصحة. وخرج الموظفون المحبطون وبينهم افراد من الاجهزة الامنية وقوامها 70 الف شخص الى الشوارع مطالبين بدفع رواتبهم. وفي الاسبوع الماضي الحق افراد من اجهزة الامن اضرارا بمبنى البرلمان في غزة. وقال البعض انهم فكروا في سرقة المتاجر والمنازل.
وقال ضابط صغير اكتفى بذكر اسمه الاول وهو محمد اعتمد على اخوتي لكن الى متى...لدي افواه لاطعمها... لااستطيع النظر في اعين اطفالي الجوعى. اين كرامتنا..انهم يحولوننا الى متسولين ولصوص. يوما ما..في القريب العاجل. قد اضطر الى السرقة.