ظاهريا ، لا يبدو أن ثمة صلة من أي نوع ، بين استعجال الرئيس الفلسطيني محمود عباس عقد دورة طارئة للمجلس الوطني الفلسطيني لترميم "اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير" ، واستمهال رئيس الحكومة اللبناني المكلف النائب سعد الحريري تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات في لبنان ، فالمساران السوري واللبناني يبدوان منفصلين ، ولا رابط يجمع هذا بذاك ، إلا بالعودة لـ"الصورة الأكبر" للإقليم برمته ، حيث تبدو أزماته وملفاته شديدة التداخل والتشابك ، واللاعبون الإقليميون هنا وهناك هم أنفسهم تقريبا ، مع تباين طفيف في أوزان أدوارهم وأحجام نفوذهم وتأثيرهم.

من الصعب على المراقب الحصيف أن يأخذ على محمل الجد أن "الغيرة" على حيوية منظمة التحرير والرغبة في إحيائها ، هما المحرك الرئيس لاستعجال عقد الدورة الطارئة للمجلس الوطني ، فاللجنة التنفيذية تشكو فقدان نصابها منذ سنوات ، إن لم يكن بوفاة خمسة من أعضائها ، فبمرض وهزال واحتجاز أعضائها الباقين في قطاع غزة أو في الخارج ، فلماذا هذه "الصحوة" الآن ، وما علاقتها بالاستعدادات لاستئناف المفاوضات بعد شهر أو شهرين ، وهل هي توطئة لـ"انتخابات بمن حضر" مطلع العام المقبل ، وهل ستؤسس كل هذه الخطوات لإعلان القطاع إقليما متمردا ، وحماس فصيلا محظورا وخارجا على القانون؟... وما علاقة كل ما يجري هنا بالمواقف الإقليمية والدولية خصوصا في عواصم الاعتدال العربي ، وبالأخص القاهرة التي تميل لبنانيا لتكليف فؤاد السنيورة بدلا عن سعد الحريري ، وتقود إقليميا ودوليا حملة منهجية ضد الانفتاح على حماس أو الإفراج عن ملفات القطاع العالقة خارج إطار "الوساطة المصرية" ومقاساتها وحساباتها.

ومن الأصعب على المراقب ذاته ، أن يقبل ادعاءات فريق 14 آذار ، بأن سبب التعطيل والمراوحة في تشكيل الحكومة عائد لمطالب العماد ميشيل عون ، وكامن في رغبته بالحصول على حقائب وزارية تتناسب مع مقاعده البرلمانية ، والأصعب الأخذ بنظرية "الصهر المعطل" ، فما يجري من محاولات "مطمطة" وتأخير ، إنما يتعلق بانتظار مستجدات إقليمية وربما دولية ، تتضح معها "الصورة الكاملة"... أول هذه المستجدات استقراء اتجاهات هبوب الريح بين دمشق والرياض خصوصا بعد انتهاء موسم الإجازات السعودية الطويل... وثانيها ، تتبع رياح التصعيد ونذر المواجهة بين لبنان وإسرائيل والتي تشير كافة التقديرات إلى أنها مرجحة بيد أنها مؤجّلة... وثالثها: انتظار القرار الظني لدانيال بيلمار ومحكمته ذات الطابع الدولي ، والذي تذهب بعض التقديرات بشأنه إلى أنه سيطال حزب الله أو بعض عناصر القيادية ، إلى غير ما هنالك من تطورات قد تجعل مشاركة حزب الله في الحكومة العتيدة أمرا غير مرغوب فيه ، تماما مثلما هي مشاركة حماس في المنظمة والسلطة و"الوحدة الوطنية" أمر غير مرغوب فيه.

مسار أنابوليس - 2 (أو كامب ديفيد - 2) المنتظر انطلاقه بعد شهر أو شهرين كما تقول المصادر المختلفة ، لا يحتمل مشاركة حماس في مطبخ صنع القرار الفلسطيني ولا وجود حزب الله على مقاعد مجلس الوزراء اللبناني ، وهو قد لا يحتمل أيضا مشاركة حلفاء الفصيلين في الحكومتين والقيادتين ، المحليين والإقليميين سواء بسواء ، ولهذا تتسارع خطوات التفرد الأحادية على المسار الفلسطيني ، وتتباطأ خطوات تشكيل الحكومة على المسار اللبناني ، والأرجح أن هذا الحال سيستمر على هذا المنوال إلى أن يتصاعد الدخان الأبيض من المكتب البيضاوي في البيت الأبيض.