عنصرية متنامية... وإفلات دائم من العقاب
بقلم: محمد عبد ربه لمفتاح
2012/8/27

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14046

أعاد الاعتداء العنصري الذي تعرض له الشاب المقدسي جمال صبحي الجولاني من حي السويح في رأس العمود – شرق البلدة القديمة من القدس عشية عيد الفطر من قبل متطرفين يهود، إلى أذهان المقدسيين قائمة طويلة من الاعتداءات التي اقترفت بحقهم على مدى العامين الماضيين دون أن تتخذ ضد مقترفي هذه الاعتداءات الإجراءات الرادعة رغم اتضاح هويتهم ودوافعهم.

واللافت في هذه الاعتداءات أن مقترفيها هم إما مستوطنين متطرفين ممن يطلقون على أنفسهم "فتية التلال" وغالبيتهم يقطنون مستوطنات الضفة الغربية، وهو ما حدث في الاعتداء الذي تعرض له الشاب الجولاني حيث تبين أن غالبية المعتدين هم من مستوطني معاليه أدوميم- شرق المدينة- أو حراس أمن يتولون حماية مستوطنين كانوا استقروا خلال السنوات القليلة الماضية في عشرات البؤر الاستيطانية في البلدة القديمة وسلوان ورأس العمود والشيخ جراح، وكان أحد هؤلاء اقترف جريمة قتل الشاب سامر سرحان، والفتى ميلاد عياش قرب منزليهما في سلوان قبل عام ونصف، إضافة إلى اعتداءات ينفذها رجال أمن إسرائيليين من الشرطة وحرس الحدود، كما حدث ثاني أيام العيد مع المواطن طلال الصياد من حي الطور الذي تعرض للصعق بالكهرباء وهو مقيد وأمام زوجته وأطفاله في أحد المتنزهات قرب تل أبيب، وهي اعتداءات غالبا ما تنتهي إلى إغلاق ملفات التحقيق أو فرض عقوبات مخففة جدا تنتهي بإطلاق سراح المعتدين.

ووفقا لمعطيات مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، فقد سجل منذ مطلع العام الحالي وحتى عطلة عيد الفطر أكثر من 30 اعتداء على خلفية عنصرية، ضحاياها عمال مقدسيون تعرضوا للاعتداء في أماكن عملهم أو لدى عودتهم من أماكن العمل تلك في القدس الغربية، إضافة إلى اعتداءات تعرض لها أطفال من بلدة سلوان من قبل مستوطنين وحراسهم، او من قبل عناصر شرطة وجنود خلال عمليات دهم تنفذ بصورة يومية لمنازل هؤلاء الأطفال أو يتم توقيفهم. في حين رصدت وحدة البحث والتوثيق في المركز خلال العام المنصرم وقوع نحو 55 اعتداء على خلفية عنصرية تسببت إحداها في استشهاد شاب من عائلة الرويضي من بلدة سلوان وسكان كفر عقب.

والواقع أن تنامي هذه الاعتداءات العنصرية على هذا النطاق الواسع لها في الواقع الإسرائيلي ما يجعل منها أحداثا عادية لا تستحق المساءلة والعقاب طالما أن المؤسسة الرسمية وحتى الدينية تشارك بنحو أو بآخر بتهيئة مناخ يشجع على ارتكاب مثل هذه الاعتداءات ضد من يسمونهم ب"الأغيار" من غير اليهود. فقد سبق هذه الاعتداءات سيل من التصريحات والتفوهات وحتى الفتاوى الصادرة عن سياسيين وحاخامات بحق العرب، لم تخل من دعوات صريحة للقتل والاعتداء والمس بالممتلكات، من ذلك مؤلف لاثنين من كبار حاخامات المستوطنين في الضفة الغربية بعنوان "توراة الملك" دعا صراحة لقتل الفلسطينيين، ولم تتخذ بحق مؤلفيه إجراءات رادعة، بل أن المستشار القضائي الإسرائيلي اعتبر ما ورد في الكتاب حرية رأي وتعبير.

كان قبل ذلك الحاخام عوفاديا يوسيف الزعيم الروحي لحركة "شاس" دعا بالموت للشعب الفلسطيني وللرئيس أبو مازن، وهو نفسه الذي وصف العرب والفلسطينيين بالأفاعي، قبل أن يأتي أفيغدور ليبرمان ليشن هجومه المستمر بحق الرئيس محمود عباس، ما يعيد إلى ذاكرة الفلسطينيين حملة التحريض التي قادتها الحكومة الإسرائيلية ضد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وهي حملة انتهت إلى ما انتهت إليه من وفاة الرئيس عرفات بمرض غامض تشير المعطيات إلى أنه قضى مسموما.

في مثل هذه الأجواء من التحريض تنمو العنصرية وتتفشى، وما يضاعف من تناميها هو تواطؤ المؤسسة القضائية مع مقترفيها وتساهلها إزاء خطورة الجرائم المقترفة، ما يثير كثيرا من المخاوف والقلق من أن تتخذ هذه الاعتداءات في المستقبل طابعا فاشيا أكثر دموية، تتحمل كامل مسؤوليته الحكومة الإسرائيلية وأجهزتها التنفيذية، وكذلك الجهاز القضائي الذي لن يكون بمقدوره أن يغض النظر طويلا عن هذه الجرائم.

http://www.miftah.org