'وعر أبو صلاح'.. حكاية عائلة.. وقصة مدينة
بقلم: محمد عبد ربه لمفتاح
2013/2/9

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14558

"وعر أبو صلاح": مرتفع من بيت حنينا شمال القدس يقابله على تلة أكثر ارتفاعا مستوطنة ريخس شعفاط المقامة على أراضي بلدة شعفاط...

في وعر أبو صلاح أسرة فلسطينية ممتدة قامتها في السماء وجذورها في الأرض...

وفي مبنى ضخم لم تكتمل تشطيب شققه الأربع بعد يقطن المواطن صلاح كستيرو وأربعة من أبنائه... تحيط بالمبنى أرض حباها الله من الزرع الأخضر ما حباها..

"شقاء الدنيا كلها" صبته العائلة صبا حتى اكتحلت عيونها بمأوى...

كان حلما يؤوي نحو عشرين طفلا من أبناء العائلة.. جلهم تلاميذ مدارس يحملون على أكتافهم الصغيرة حقائبهم المدرسية.. ثم حين يعودون من مدرستهم يعودون ركضا إلى مملكتهم في غرف امتلأت بالصور والرسومات...

هذا الحلم الذي حققوه زمنا.. تلاشى فجأة بعد أن سبقتهم الجرافات إليه، وكانوا غادروا منزلهم ليعودوا عند الظهيرة وقد تحول البيت إلى ركام...

كان التعبير عفويا.. بكاء ودموع ملأت عيون الصغار... وبكى من كان من جد كاد أن يفقد وعيه.. وآباء وأعمام .. ونحيب الجدة وبناتها والعمات والخالات..

صرخ الطفل الصغير" هذي الأرض إلنا..." وتقدم.. لكن شياطين الجليد بردائهم الأسود أحاطوه بفوهات بنادقهم وبابتسامات ساخرة قتلت فينا الرجولة.. وبلغت قلوبنا الحناجر...

ظل الطفل يبكي متفلتا من الجنود قبل أن تصده شقيقته الطفلة الصغرى... خشيت على شقيقها بطش الجنود والشياطين التي تقوت بالكلاب...

كاد الجد أن يسقط لولا تدافع الأبناء إليه يهدئون من روعه.. فيما هدير الجرافات يعلو على النحيب وعلى بكاء المكلومين....

أنياب الجرافات كانت تغوص في الروح قبل الاسمنت... كان الحلم يتهاوى أمامنا.. حلم عائلة ممتدة.. بل أحلام عشرات من نسائها وأطفالها ورجالها...

لم نكن نسمع سوى تهدج الجد بالبكاء والصراخ" هدوه... هجم البيت باللي فيه... تحويشة العمر يا عالم...."

الكل تسمر في المكان حتى من امتشق يراعه أو آلة التصوير...

لست اليوم حياديا... ليس الجد وحده صاحب البيت... أنت ومن معك تشاركون المسن لحظة انهياره وبكائه... تشاركه دمعه وغيظه وفقدان حلمه ومأواه...

في المقابل كانت شياطين الجليد تحتفل بخراب بيوت "الأغيار" على طريقتها...

ابتسامات وضحكات يتبادلها الجنود... حققوا في الهدم والتخريب ما لم يحققوه في ساحات المعارك...

لعلنا لم ننس بعد سائق الجرافة في مخيم جنين في معركة كرامة المخيم قبل عقد من الزمان.. مما رواه السائق في حينه عن سعادة لا توصف وهو يتقدم بجرافته فوق بيوت الصفيح والطوب...

عمال البلدية المستجلبون من تايلاند ومن أثيوبيا... وطواقم الإخلاء المستجلبون من المستوطنات غادروا المنزل بعد أن أفرغوه من الأثاث ورموه من الشرفات... وقبل أن يغادروا لوحوا بأصابع أيديهم بإشارات معيبة... لم يخفوا فرحتهم على أنقاض الطفل الصغير من عائلة كستيرو...

صراخه لا زال يصم الآذان...

وحبات دمعه صوان بيت وعد الجد أن يبنيه من جديد....

قالت الجدة أيضا: سنبقى فوق الركام حتى نبني بيتا آخر...

http://www.miftah.org