د. سناء سرغلي أستاذة القانون الدستوري في جامعة النجاح الوطنية:
وجود محكمة دستورية أمر هام في عملية بناء الدولة والفصل بين السلطات

بقلم: مفتاح
2018/7/12

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=15284

  • وجود محكمة دستورية أمر هام في عملية بناء الدولة والفصل بين السلطات
  • يجب التركيز على العدالة الجندرية والعدالة الاجتماعية في كتابة الدستور الفلسطيني
  • دستور تونس يمثل تجربة جميلة، لكن محتواه قصة مختلفة تماما

    مقدمة

    أكدت د. سناء سرغلي، استاذة القانون الدستوري في جامعة النجاح، على أهمية المحكمة الدستورية في عملية بناء الدولة والفصل بين السطات، داعية إلى نشر الوعي والثقافة الدستورية في صفوف المواطنين وشرائح المجتمع المختلفة، وصولاً إلى مشاركة واسعة في كتابة دستور دولة فلسطين القادمة ليعبر عن قناعات واعتقادات تلك الفئات والشرائح، مع أهمية التركيز على موضوع العدالة الجندرية والاجتماعية في كتابة الدستور.

    وردت أقوال د. سرغلي هذه، في الحوار التالي معها ضمن زاوية "في ضيافة مفتاح"، ما يلي نصه:

    ** كيف تقيمين الوضع الدستوري في فلسطين الآن؟

    برأيي أن فلسطين اليوم دخلت ما يسمى ب"حالة الاستثناء"، ولكن فلسطين ليست استثنائية، وهذا أمر مهم جدا للتفريق بينهما. حالة الاستثناء هذه، وهي الحالة التي يصبح فيها غير الاعتيادي اعتياديا، وهي حالة الفراغ القانوني الذي تعيشه حاليا. حالة نشأت من استمرار "حالة الضرورة" التي نعيشها منذ عام 2007، وعليه، فإن أي تطور دستوري أو بناء مرحلة دستورية لا بد أن تبدأ بمعالجة هذه الحالة. فعدم وجود مجلس تشريعي منعقد أفسح المجال للسلطة التنفيذية بأن تصبح المشرّع الوحيد، مما قضى تماما على مفهوم فصل السلطات في فلسطين. كما أن التداخل غير المفهوم بين مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية أفسح المجال للتداخل الدستوري غير المفهوم في هذه العلاقة، مما يستدعي توضيح هذه العلاقة في أية منظومة دستورية، حتى يكون هناك معالم واضحة للنظام الدستوري والنظام السياسي في فلسطين.

    أنا أرى أن المحكمة الدستورية الفلسطينية وبالنظر إلى قانونها، فإنها تعطي حق الدعوى المباشرة في حال تم انتهاك حقوق المواطن، حيث بإمكانه التوجه مباشرة إلى القضاء الدستوري. ولو نظرنا إلى قانون المحكمة الدستورية فيما يتعلق بقابلية لجوء الفرد إليها، فإن هذا الحق متوفر وقائم، ولكن ما مدى تفعيل هذا الحق، وبالتالي، فإن نشوء المحكمة الدستورية في الوضع السياسي الحالي ترك تساؤلات تتعلق في مدى استقلالية هذه المحكمة، علما بأنه من الصعب الحكم على هذه المحاكم في السنوات الخمس الأولى لإنشائها، لأن هذه المحاكم وللأسف ُتنشأ مسيسة، أو دعنا نقول أنها تُنشأ لدعم النظام الذي أنشأها، وليس معلوماً في هذه الفترة إلى أي مدى تستطيع هذه المحاكم الخروج من عباءة النظام الذي أنشأها، حتى يتبين لنا بأن هذه المحاكم قوية فعلا، وستقوم بنجدة المواطنين وحماية الدستور، أم ستبقى فعليا مسخّرة لخدمة النظام.

    ** كيف تنظرين لموضوع تأسيس المحكمة الدستورية؟ وما انعكاس ذلك على حالة حقوق الإنسان في فلسطين؟

    ** كان هناك تخوف من إنشاء محكمة دستورية في ظل الوضع الدستوري الحالي، خاصة وأن المحاكم في محاولة الخروج من عباءة النظام السياسي، ومحاولة إثبات نفسها كمؤسسة قوية ضمن المؤسسات الأخرى، حيث لم أتفاجأ فعلا بهذا القرار، إذ أنه يذكرني بموقف اتخذته المحكمة العليا الأميركية في قضية ماربوري الشهيرة، حينما لم ترد أن تظهر بأنها موالية للنظام فتضعف نفسها، ولم ترد أن تخسر النظام أيضا، فقامت بتوسيع صلاحياتها من خلال الحكم القضائي، لذلك أؤكد على أهمية التروي لنرى إلى أين ستصل المحكمة الدستورية.

    ** ما أبرز الفجوات القانونية التي تحتويها الاجراءات التي سميت من خلالها لجنة صياغة الدستور في فلسطين ؟ وهل يعتبر العمل على دستور فلسطيني من الأولويات الملحة؟

    ** لدى الحديث عن القانون الأساسي، أو الدستور في فلسطين، فقد جرت العادة على تغييبه لصالح مصالح ملحة أكثر، كالانقسام السياسي، وما إلى ذلك.

    أنا كمواطنة فلسطينية، اعتبر وجود مؤسسات تنفيذية، تشريعية، وقضائية مستقلة ومنفصلة شيء بالغ الأهمية، لكن المحكمة الدستورية نظرياً وعلمياً وتاريخياً قد تلعب دوراً سياسياً وأحياناً دوراً سياسياً بحتاٍ لدى بدء إنشائها، مما يؤدي إلى قلب الموازين السياسية في البلاد، وقد رأينا جميعاً الدور الذي لعبته المحكمة الدستورية المصرية منذ عام 2011 ولغاية اليوم. ولذلك، فإن إنشاء المحاكم الدستورية قد يكون سيفا ذو حدين.

    بالرغم من هذه التخوفات، فإنني أرى أن المحكمة الدستورية الفلسطينية لا بد من وجودها، ولا بد من إعطائها المجال لإثبات فعاليتها قبل تقرير مدى تسييسها .

    دائما في الدول التي تحاول أن تصبح دولة يعتبرون أن الحل هو في كتابة دستور. لكن قد لا يكون الحل في كتابة دستور، بل ربما يكون ذلك بداية المشاكل. وهنا نتساءل: متى يكون الحل في كتابة دستور؟ في رأيي يجب أولاً أن يتم بطريقة صحيحة ومدروسة، وللأسف، حينما تم تشكيل لجنة صياغة الدستور في العام 2016، كنت أتأمل أن يكون النقاش مفتوحاً وعلنياً. نحن لدينا قانون أساسي منذ فترة طويلة، وكان يفترض أن يكون انتقالياً، لكن تأخر حتى يومنا هذا، وبالتالي حين نتحدث عن لجنة صياغة الدستور، لأن وجود هذه اللجنة كان يفترض طرح المسودة للنقاش من قبل جميع فئات وشرائح المجتمع المختلفة، لأن شعبنا لا يملك الثقافة الدستورية حتى يستطيع أن يحاسب أو يناقش المواد المكتوبة بهذا الدستور، وبالتالي كان يفترض أن يتم العمل بهذا الخصوص على عدة مراحل، وقد رأينا العيوب الموجودة في القانون الأساسي، وتم العمل عليها، قبل أن نكتب شيئا مؤقتا، لتأتي بعد ذلك مرحلة كتابة الدستور الدائم من خلال إشراك لجان منتخبة وليست معينة، ولنتأكد من وجود نوع من الاستفتاء عليها، وإشراك الشعب وإدماجه في هذه النقاشات حتى لا يكون أمرا مفروضا عليه.

    ** هل بالإمكان توضيح العلاقة الجدلية ما بين تشكيل محكمة دستورية بغياب اكتمال العمل على دستور فلسطيني وازدواجية الأدوار بالنسبة للأعضاء؟

    ** يفترض عدم وجود ازدواجية ما بين لجنة صياغة الدستور، وأعضاء في المحكمة الدستورية، لأنني أعتبر بضرورة أن تنأى هذه المحكمة عن أن تكون مشرّعة، إنما يجب أن تكون مراجعة للدستور لتتأكد من أن كافة المبادئ التي نريد موجودة، وهذا يعيدنا إلى ما ذكرته سابقا بضرورة وجود توعية لدى المواطنين بها، واتفاق على مبادئ وأسس نريد أن تكون موجودة في الدستور، ومن ضمنها مدنية الدولة. قد نتفق على مدنية الدولة، وقد لا نتفق، ويمكن أن نتفق على طبيعة النظام السياسي، أو ربما لا نتفق، وهنا يأتي دور المحكمة الدستورية بعد كتابة الدستور، أي أن تقوم بمراجعته حتى تتأكد من أن المبادئ التي اتفق عليها تم تثبيتها في هذه الوثيقة الدستورية.

    ** كيف يمكن التأكيد على هوية الدولة المدنية في الدساتير، والتي غابت عن القانون الاساسي الفلسطيني وعن مسودة الدستور الفلسطيني؟

    ** بداية، يجب أن نفهم ما المقصود من مدنية الدولة؟. هل نقصد نوعاً من فصل الدين عن الدولة؟. أم عدم وجود دولة عسكرية (سيطرة عسكرية على الحكم). هذه المفاهيم يفترض أن تكون واضحة لنا. فإذا كان قصدنا عدم وجود دولة عسكرية، فيجب أن نحرص بشكل أساسي على أن لا يحدث لدينا ما حدث في مصر حيث سيطر العسكر على الحكم، وهذا يحتاج إلى أسس وإجراءات وتدابير احترازية تذكر في الدستور ويتم النصّ عليها. أما إذا أردنا دولة مدنية، فهل المقصود بأننا لا نريد أي تطبيق للشريعة على سبيل المثال؟. أم أننا نريد أن نأخذ من التجربة التونسية مثلا، من قبيل الحديث عن التعاليم السمحة، وأي نوع من الشريعة الإسلامية نريد؟، بحيث يطبق فقط في قانون الأحوال الشخصية.

    نحن نفترض أن تتم مناقشة هذه الأمور على مستوى واسع، ويتم فيها نوع من أنواع التوافق الشعبي والحزبي والسياسي عليها، لأن هذه ليست فقط قرارا، أو عبارة يتم وضعها في الدستور، بل يفترض أن تكون عبارة مدروسة تماما، وواعين إلى آثارها وما المقصود منها.

    ** من خلال اطلاعك ودراستك حول الدساتير وآلياتها، كيف تصفين دستور تونس 2014 ودستور مصر، من حيث الهوية المدنية للدولة، أسس الديمقراطية والحكم، الحقوق بالنسبة للمواطنين من رؤية جندرية ؟

    ** تونس تمثل تجربة جميلة من ناحية "الطريق أجمل من الوصول". أي أن التونسيين وصلوا إلى الدستور عبر طريق جيد، حيث أن الجمعية التأسيسية التونسية التي وضعت الدستور، تمثلت فيها مختلف الفئات، واستمرت النقاشات حول الدستور مدة طويلة، واطلع عليها الشعب التونسي وشارك فيها بفاعلية، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، لكن لو نظرنا إلى محتوى الدستور فهذه قصة مختلفة تماما عن الطريق، حيث يتحدث عن روح الإسلام السمحة، ولغته لغة جندرية قوية، من حيث أنها تؤكد على مصطلح "المواطن التونسي" و"المواطنة التونسية"، لكن إذا نظرت إلى الدستور بصورة متكاملة لا نعرف ماذا قصد التوانسة من كلمة "مدنية الدولة". لم يكن واضحاً، خاصة أنه لدى حديثه عن مدنية الدولة، فهو يشترط أن يكون الرئيس مسلماً.

    التجربة التونسية بحد ذاتها تجربة جيدة، وصياغة الدستور هناك تركز على الأسرة، وهو أول دستور عربي يتحدث عن جزئيات تتعلق بحرية الاعتقاد، وبالتالي هو يحتوي على أشياء جميلة لم تذكر في بقية الدساتير العربية، لكنه مع ذلك يحتوي على ثغرات إذا تم استخدامها فستكون مصيبة. وإذا نظرنا إلى الدستور المصري، نجد أنه يحتوي على ثغرة متعلقة فيما سيحدث في حالات الطوارئ، في حين لا زلنا في فلسطين فيما يسمى ب"حالة الضرورة"، وانتقلنا إلى "حالة الاستثناء"، والسؤال المطروح هنا، كيف ننظر في فلسطين إلى هذه الدساتير؟ هل ننظر إلى هذه الدساتير على أنها جيدة، ونأخذها كما هي؟ في اعتقادي لا يجب أن نفعل ذلك. نحن في فرصة أفضل من غيرنا في هذا المجال، حيث بإمكاننا أن نطّلع على هذه الدساتير، وكيفية كتابتها، وعلينا في الوقت ذاته أن نكون حذرين جداً من أن نتبنى دساتير ما بعد الثورات العربية، لأن أخطر شيء في الدساتير هو أن تأخذها من بيئتها الأصلية وتزرعها في مكان آخر، وهذه مشكلتنا في فلسطين، حين كنا نطلع على تجارب دول أخرى ونأخذها كما هي، علما بأن وضعنا السياسي والمجتمعي والثقافي وحتى الديني مختلف تماما. ليس من الخطأ أن نطلع على دساتير غيرنا ونتعلم منها حتى نتلافي الثغرات، وأهم ما يجب تعلمه هو لغة الدستور، مثل ما ورد في الدستور التونسي.

    ** هل وجود قوانين حامية وعادلة للمرأة كافٍ لتأمين المساواة؟ أم يجب تضمين هذه القضايا بالدستور، لماذا؟ وهل مسودة الدستور (2015) تلبي الحد الأدنى لمطالب النساء الفلسطينيات بالمساواة والعدالة؟

    ** هذا سؤال مهم جدا ومحيّر في آن. لأن في الدستور يمكن أن تختار جهتين، إما دستور مفصّل مائة بالمائة، أو دستور بمبادئ عامة وتترك التفاصيل للقوانين.

    أنا أرى أننا بحاجة إلى أمرين يجب أن يتوافرا، أولاهما، أن الدستور حين يكتب هناك شيء متعلق بجندرته، أو ما يعرف بالدساتير الحساسة للنوع الاجتماعي. أي أننا لا نريد أن نركز على المرأة فقط، بل يجب التركيز على العدالة الجندرية والعدالة الاجتماعية. فحين نتحدث عن المواطن الفلسطيني، فيجب أيضا أن نتحدث عن المواطنة الفلسطينية، بحيث لا يأتي تفسير الدستور مع اللغة في صالح الرجل، كما كان يحدث مع المواطنات المصريات المتزوجات من أجنبي، حيث كانت تفسر عبارة المواطن بالرجل فقط وليس بالمرأة.

    الأمر الثاني الهام جدا في الدستور، هو أن هناك أناسا تعترض على وجود الكوتا باعتباره تمييزا غير إيجابي، وأنا أرى أنه في ظل المجتمعات التي تعاني من انتقال سياسي أو اجتماعي في التفكير من المهم التركيز على مثل هذه الأمور، وعليه، يفترض أن تركز الدساتير على المسائل الجندرية، ثم تترك بعد ذلك للقوانين المتخصصة. وبرأيي أن الدستور هو شهادة ميلاد المجتمع، وهو يفترض وجود تمثيل لكافة الفئات والشرائح.

  • http://www.miftah.org