مشروع قانون حماية الأسرة بين مد وجزر
الموقع الأصلي:
استمرّ مشروع قانون حماية الأسرة في فلسطين بين مد وجزر محلي داخل أروقة مؤسسات السلطة ومؤسسات المجتمع المدني منذ ما يزيد عن 10 سنوات، ولكن بعد الموافقة عليه بالقراءة الأولى، لقي مشروع القانون معارضةً شديدة في الوسط الفلسطيني، على اعتبار أنه مستنبط من اتفاقية "سيداو"، التي لاقت معارضة أيضاً. فقد قامت دولة فلسطين بتوقيع اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والمصطلح عليها اختصاراً بـ “سيداو". وتم إقرار هذه الاتفاقية في الجمعية العامّة للأمم المتحدة عام 1979، ومنذ ذلك الحين، قامت 189 دولة بالتوقيع عليها، ومن ضمنهم معظم الدول العربية والإسلامية. ولقد جاء سياق الاتفاقية ليحمي حقوق المرأة من الاضطهاد حول العالم، كونها من أكثر الفئات اضطهاداً وتعرضاً للتمييز على أكثر من صعيد، وجسّدت أغلب بنود الاتفاقية انعكاساً للإجماع العالمي على مسائل مثل تجريم الاغتصاب والإساءة والتحرش والاستغلال الجنسي والاقتصادي للمرأة. لقد أطلق مئات المحامين حراكًا ضدّ هذا القانون ووقّعوا على عريضة للرئيس محمود عباس ولرئاسة الوزراء، ضد الاتفاقيات الدولية التي تفرض ما أسموه "بالنموذج الغربي" على الأسرة الفلسطينية، إلى جانب إرفاق دراسات قانونية تبين أخطار اعتماد وإصدار قانون حماية الأسرة، مؤكدين أنه سطو على المرجعية الدينية والفكرية، وأن صاحب القول الفصل في مثل هذه القوانين هو المجلس التشريعي. كما سيشجع القانون، حسب اعتقادهم، على خلق حالة من الانفلات الاجتماعي وربما الأخلاقي وسيؤدي إلى استغلال الفتيات من قبل ذئاب الطرق والإنترنت في ظل عدم وجود الولي. كما أشار المحامون إلى إمكانية استغلال نصوص القانون من قبل أفراد الأسرة غير مكتملي الأهلية بشكل سلبي يؤثر على تربيتهم وتوجيههم من قبل أولياء أمورهم، موضحين أنه يحوي إعادة تعريف وما أسموه "بتمييع” مفهوم الأسرة فلا يشترط عقدًا، ويشجع على المثلية، والعلاقات دون زواج، إضافة إلى التبني. لقد تم ربط مشروع قانون حماية الأسرة باتفاقية "سيداو"، رغم عدم وجود أي ذكر للاتفاقية فيه، إلا أنّ عدداً من المواد كانت متشابهة إلى حد كبير، مما غذّى فكرة كونه مستمداً من الاتفاقية. وكان هذا الربط في ذاته محل انتقاد. ويتكون مشروع القانون من 54 مادّة، وتنص مادّته رقم (52) على إلغاء "كل ما يتعارض مع أحكام هذا القرار بقانون"، وتم ربط هذه المادة بالمادّة الثانية من اتفاقية "سيداو"، التي تنص على واجب الدول في تعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزاً ضد المرأة. وقد فُهم من هذا النص أنه قد يشمل قانون الأحوال الشخصية الإردني المطبق بالضفة الغربية المستمد من أحكام الشريعة الاسلامية . جاء هذا الهجوم بالرغم من تأكيد وزارتي التنمية الاجتماعية وشؤون المرأة خلال الاجتماعات السابقة لهما حول هذا المشروع أن فلسفة القانون ترتكز على العملية الإصلاحية للمجتمع وتوفير الحماية والرعاية والتمكين للأسرة الفلسطينية، انطلاقًا من مبدأ تساوي الفرص بين الذكور والإناث، وأن المرجعيات الأساسية للقانون هي وثيقة إعلان الاستقلال والنظام الأساسي الفلسطيني والمرجعيات الدولية المتمثلة بالاتفاقيات الدولية التي وقعتها دولة فلسطين. كما أكدتا على دوافع المؤيدين للقانون بدءا بالاضطهاد الذي تعاني منه المرأة الفلسطينية أسرياً، والتمييز الذي تعاني منه مجتمعياً ومهنياً، والاستغلال الذي تتعرض له النساء، سواء في المنازل وتسلط الزوج أو الأب على مالهن الخاص، والتعنيف غير المبرر من الأبوين للأبناء - وخاصةً الإناث - في حالات عديدة، والتي تصل في عدة حالات إلى العنف الجسدي. وتقول منظمات حقوقية أيضاً بأن المرأة تعاني من التمييز في القوانين، مثل قضايا الزواج والطلاق والقضايا المتعلقة بالأطفال، وعدم وجود حماية كافية للمرأة في قضايا الاغتصاب والعنف الجنسي. ويذكر المؤيدون كذلك بأن المرأة ما تزال هي الفئة الأكثر استضعافاً في المجتمع الفلسطيني وتحتاج إلى حماية حقيقية، ويبرهنون على ذلك بالحالات العديدة التي اضطهدت فيها المرأة مثل إسراء غريب التي قتلها أهلها لمجرد خروجها بمفردها مع خطيبها. وبالتالي، وفي ظل فشل القوانين الحالية في حمايتها، تبدو الحاجة ماسة لوجود قانون جديد يعالج ثغرات القوانين الموجودة ويشدّد العقوبة بهدف الردع لتحقيق نتائج ملموسة. وإضافة إلى ذلك، يشير المؤيدون لمشروع القانون إلى مسألة "صلاحيات القضاة"، حيث إن مشروع قانون حماية الأسرة اعطاهم قدراً عاليا من المرونة بما يجعل موائمته مع الشريعة أمراً ممكناً. كما أنّ القانون لا يقتصر على العقوبات، بل يدعو ويؤسس إلى التوعية للحدّ من العنف الأسري من خلال برامج عبر المؤسسات الحقوقية والنسوية. بسبب انقسام الرأي العام بين مؤيد لمشروع القانون لما يرونه من حماية تحتاجها المرأة بحق، وإصلاح لإشكاليات مجتمعية سائدة، وبين من يعارض مشروع القانون لما يرونه من تعارض بعض بنوده مع تعليمات الشريعة الاسلامية وموروثات ثقافية حساسة للمجتمع الفلسطيني. فعلى مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني تعريف البنود الواردة في مشروع القانون بالتفصيل وشرح حول اتفاقية "سيداو"، من أجل إزالة المفهوم الخاطئ في المجتمع، ولا سيما معالجة النصوص الفضفاضة، ووضع حدود واضحة بين ما يمثل "اعتداء وجريمة"، وما يمثل "تصرفاً طبيعياً ومقبولاً ضمن العرف المجتمعي السائد في جو أسري مطمئن"، وذلك بما يضمن حماية الأسرة من ناحية، ويحمي حق الآباء والأمهات في ممارسة التربية من ناحية أخرى. وعلى ذلك يجب القيام بنشر وقائع المؤتمر التحضيري الخاصّة بمشروع القانون، حتى تكون مرجعاً تفسيرياً لفهم سياق القانون ومعانيه مستقبلاً وتشكيل لجنة حوار مجتمعي يجمع علماء الشريعة مع لجنة صياغة القانون ومنظمات المجتمع المدني المعنية بالمرأة والأسرة، للوصول إلى صيغ مناسبة تلائم المجتمع الفلسطيني وتحمي المرأة. في النهاية، فإنّ إقرار قانون حماية الأسرة سيكون بمثابة خطوة كبيرة بالنسبة للشعب الفلسطيني، النساء والأطفال بشكل خاص. فإقرار القانون سيعزز صوت المرأة وقدرتها على الوصول للمساعدة مع توفر المراكز المناسبة والداعمة بشكل أقوى في الوطن. كشخص وامرأة مؤيدة لإقرار القانون أشدد على أهمية عمل المؤسسات المدنية على تعريف البنود الواردة في مشروع القانون وشرح حول اتفاقية "سيداو" بالتفصيل، كما أؤكد على أهمية العمل مع والتركيز على الفئات المعارضة للقانون بشكل خاص لإصلاح ما قاموا به من الانقلاب على كل ما هو حضاري وتقدمي وعلى كل منجز وطني أو اجتماعي، وبعد انطلاق بيانات وتهديدات ومسيرات ومؤتمرات وخطب" ضد " اتفاقية "سيداو" التي هوجمت وشوّهت دون أن يطّلع عليها أو يحاول فهمها.
http://www.miftah.org |