دراسة: أثر الاحتلال الإسرائيلي على أمن النساء في القدس المحتلة
بقلم: فاطمة حماد
2022/5/30

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=15604

مقدمة: -

منذ تسعينيات القرن الماضي تطورت نظرة المجتمع الدولي للصراعات، لتشمل جوانب أوسع إذ لم تعد رؤية الصراع تقتصر على تهديد الدولة وسيادتها فحسب، بل تتعدى ذلك إلى ملاحظة آثارها على الفرد ورفاهيته ولا سيما الفئات الأقل حظاً في المجتمعات. بناء عليه؛ ظهر مصطلح الأمن الإنساني بديلاً عن مصطلح "الأمن" سابق الاستخدام؛ حيث أشير إليه للمرة الأولى في تقرير الأمم المتحدة الإنمائي عام 1994. شجع دخول هذا المصطلح على خلق زاوية نظر جديدة للعسكرة، والصراعات المسلحة، وسعت النظرة التقليدية للأمن لتشمل فضلاً عن أمن الدولة أمن الأفراد.

منذ ذلك الحين لم يجر الاتفاق على معنى اصطلاحي للأمن الإنساني، ولكن انطوى المفهوم على وجهين أساسيين؛ التحرر من الخوف والتحرر من الحاجة. وبناء على هذه التغيرات في ساحة المجتمع الدولي، صدر عام 2000 قرار مجلس الأمن 1325 الذي ينظر إلى الأثر المضاعف للصراعات على النساء؛ شاملاً أربعة جوانب: الحماية، الوقاية، المشاركة، والمساءلة. إلاّ أنّ القرار الذي تبعه سلسلة قرارات لاحقة شبيهة تدعم تطبيق أجندة المرأة، السلام والأمن لا يشير بشكل صريح إلى الاحتلال كمهدد للأمن الإنساني وبشكل خاص أمن النساء، وإنما يكتفي بذكر حالة الصراع التي تختلف قانونياً عن حالة الاحتلال العسكري، كما ويلاحظ تركيز القرار 1325 والقرارات اللاحقة له على الجرائم الجنسية. على الرغم من أنّ أجندة المرأة، السلام والأمن مجال واسع، تشمل مفهوم الأمن الإنساني كما أسس له تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي 1994 وكما تم تطويره لاحقاً ليشمل حالة الصراع، وحالة ما بعد الصراع.

تعاني النساء الفلسطينيات من الاحتلال الإسرائيلي والعنف المرتبط به منذ قيام دولة إسرائيل على الأرض الفلسطينية عام 1948، لذلك برزت المساعي الفلسطينية للعمل على تعزيز أجندة المرأة، السلام والأمن وتوطين القرارات المتعلقة بها فلسطينياً ما يجب أن يستند إلى تعريف واضح للأمن، محدداته، مكوناته وقابليته للقياس.

وهو ما تهدف عبره الدراسة إلى: التوصل إلى تعريف الأمن الإنساني ومكوناته وحدوده، لاستعراض انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في ضوء هذا التعريف، في محاولة لقياس تأثير الاحتلال الإسرائيلي على أمن النساء الفلسطينيات - مدينة القدس المحتلة نموذجاً. حيث تقوم الدراسة على فرضية مؤداها: أنّ الاحتلال الإسرائيلي هو المسبب الرئيس لانعدام الأمن الإنساني وبشكل خاص أمن النساء في القدس المحتلة.

بناء على المعطيات السابقة ستحاول الدراسة الإجابة على السؤال الرئيسي الآتي: ما هو أثر الاحتلال العسكري الإسرائيلي لمدينة القدس على الأمن الإنساني للفلسطينيين وبخاصة النساء؟ عبر ثلاثة مباحث؛ يتناول المبحث الأول دراسة مفهوم الأمن الإنساني ومكوناته، ويستعرض المبحث الثاني انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في مدينة القدس في ضوء مفهوم الأمن الإنساني، ويبين المبحث الثالث أثر الاحتلال الإسرائيلي وممارساته على النساء الفلسطينيات في ضوء أجندة المرأة، السلام والأمن.

ظهر مصطلح "الأمن الإنساني" في أوائل التسعينيات، نتيجة العديد من الأزمات الإنسانية والصراعات التي حدثت في أعقاب الحرب الباردة؛ منذ ذلك الحين تم استعراض الأمن الإنساني كنهج واسع التطبيق. حيث ذكر تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "الأمن البشري" لأول مرة عام 1994 وبحسب التقرير يتسع الأمن الإنساني ليشمل: الأمن الاقتصادي، الأمن الغذائي، الأمن الصحي، الأمن البيئي، الأمن الشخصي، الأمن المجتمعي، والأمن السياسي.

بذلك لم تتفق أدبيات المجتمع الدولي على تعريف اصطلاحي واحد للأمن الإنساني، ولكنها جميعاً أقرّت بارتباطه بحالة حقوق الإنسان وتحقيق التنمية. وبناء عليه تعتبر الصراعات، النزاعات المسلحة والاحتلال من مهددات الأمن الإنساني لأنها تمس بصورة مباشرة حالة حقوق الإنسان وقدرة الفرد والمجتمع على التنمية.

المبحث الأول: مفهوم الأمن الإنساني وارتباطه بالاحتلال العسكري:

يستعرض هذا المبحث مفهوم الأمن الإنساني وبشكل خاص، الأمن الإنساني خلال حالة الاحتلال العسكري، ويبحث في مكونات الأمن الإنساني كما وردت في تقرير الأمم المتحدة للتنمية عام 1994، بهدف خلق مرجعية لقياس هشاشة الأمن الإنساني في القدس المحتلة وارتباطها بانتهاكات حقوق الإنسان المستمرة، في ضوء أجندة المرأة، السلام والأمن والقرارات الأممية ذات العلاقة.

يجيب هذا المبحث على أربعة أسئلة فرعية على النحو الآتي:

  1. ما هو تعريف الأمن الإنساني؟
  2. ما هي مكونات الأمن الإنساني؟
  3. كيف يهدد الاحتلال الأمن الإنساني؟
  4. ما هي علاقة الأمن الإنساني بمنظومة حقوق الإنسان؟

تعريف الأمن الإنساني:

نقل مصطلح الأمن الإنساني بمعناه الحديث محور الاهتمام من الدولة إلى الفرد، بالتالي لم يعد محور التركيز والحاجة للتدخل والحماية محصورة فقط بالتهديد العسكري، ووسع التركيز ليشمل المجال الفردي وحماية حقوق الإنسان الأساسية، وتحقيق الرفاه. ومما يجدر الإشارة إليه أن الأمن الإنساني لا يعني غياب التهديد، بل يعني الحماية ضد التهديد.

بذلك يعتبر التعريف الأدق لمفهوم الأمن الإنساني هو: التحرر من الخوف والحاجة، حيث يقوم التحرر من الخوف على المعنى التقليدي للأمن المتمثل بالحماية من استخدام القوة والعنف أو التهديد باستخدامها من حياة الناس اليومية. وهو ما يشمل إجرائياً محاسبة مرتكبي الجرائم الدولية في المحكمة الجنائية الدولية ما يتقاطع مع قرار مجلس الأمن 1325 بشأن أجندة المرأة، السلام والأمن والذي ينص على تفعيل آليات المساءلة ومنع الإفلات من العقاب لمرتكبي الجرائم ضد الإنسانية. أما التحرر من الحاجة فيرتبط بالمفهوم الواسع للأمن الإنساني الذي يقوم على اعتبار مهددات الأمن تهديدًا للرفاهية.

هكذا، يخلق مفهوم الأمن الإنساني تساؤلات أكبر من الحماية من التهديدات الوجودية للأفراد تتركز في كيفية توفير الأمان للأفراد في حياتهم اليومية، في المنزل والشارع والمجتمع. دون إغفال للرابط بين العنف وانعدام الأمن وانتهاكات حقوق الإنسان.

لذلك يتم النظر إلى نهج الأمن الإنساني على أنه نهج متكامل، يجعل تعامل المجتمع الدولي مع القضايا تعاملاً متماسكاً بحيث لا يجزئ حاجات الأفراد، ولا يقدم هرمية لها بل يركز على أهمية الحقوق والحريات الأساسية.

بناء عليه؛ تردد خطط الأمم المتحدة وأهداف التنمية مبادئ الأمن الإنساني، من أجل التوصل إلى: "عالم خالٍ من الفقر والجوع والمرض والحاجة، خالٍ من الخوف والعنف، مع وصول عادل وشامل إلى التعليم الجيد والرعاية الصحية والحماية الاجتماعية حيث تكون الموائل آمنة ومرنة ومستدامة ".

مكونات الأمن الإنساني:

يتعلق الأمن الإنساني بضمان الاحتياجات البشرية الأساسية في المجالات البيئية والصحية والغذائية والاجتماعية والسياسية، ما يركز ليس فقط على حالات الصراع، ولكن أيضًا على قضايا التجارة العادلة، والوصول إلى الرعاية الصحية، وحقوق براءات الاختراع، والوصول إلى التعليم، والحريات الأساسية.

منذ انفتح المجتمع الدولي على مفهوم الأمن الإنساني، ترسخت رؤية المفهوم عبر سبعة أبعاد ذكرها تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 1994، حيث وضّح أنّ مكونات الأمن الإنساني تشمل: الأمن الاقتصادي، الغذائي، الصحي، البيئي، الشخصي، المجتمعي والسياسي، بهدف توسيع مفهوم الأمن، عن المفهوم التقليدي المقتصر على أمن الأرض من العدوان الخارجي، أو حماية المصالح الوطنية في السياسة الخارجية.

كنتيجة لهذه المقاربة تغير الهدف من أمن الدولة إلى أمن الأفراد وهو ما شجع ربط الأمن بالتنمية المستدامة. بناء عليه تتوسع دائرة مكونات الأمن الإنساني لتشمل: الأمن من التهديدات المزمنة مثل الجوع والمرض والقمع، والحماية من الاضطرابات المفاجئة والضارة في أنماط الحياة اليومية.

حيث ينطوي مفهوم الأمن على حماية الجوهر الحيوي لجميع الأرواح البشرية بطرق تعزز الحريات البشرية وتحقيق الإنسان ما يشمل عدة نواحٍ كالغذاء والبيئة والسكن وحقوق الإنسان تحت مظلة الأمن البشري.

الأمن الإنساني في ظل الاحتلال:

"تشكل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والتشريد الواسع النطاق للسكان المدنيين، تهديداً مباشراً للأمن البشري"

ينطوي الاحتلال العسكري على أشكال متعددة من انعدام الأمن الإنساني، حيث يرتبط الاحتلال العسكري بالعنف وانعدام الأمن من ناحية والتخلف والفقر من ناحية أخرى. في هذا الصدد يشير تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2009 إلى أن الاحتلال يعرض الأمن الإنساني للتهديد على ثلاثة مستويات: مؤسسية، هيكلية ومادية على النحو الآتي:

من الناحية المؤسسية ينتهك الاحتلال القانون الدولي، حيث يستخدم القوة في غير حالة الدفاع عن النفس، ويفرض على الإقليم المحتل قوانينه الخاصة، ويفرض سلطته على الحكم بما يخدم مصالح الاحتلال.

من الناحية الهيكلية: ينطوي الاحتلال على إعادة توزيع الثروة والسلطة وفق شروط مختلفة ما يزيد الفجوة الاجتماعية والاقتصادية بين السكان في الإقليم المحتل مخلّفاً انقسامات وحالة من الشرذمة.

من الناحية المادية: يفرض الاحتلال العسكري على المدنيين بقوة السلاح والعنف، مخلفاً الضحايا، ومؤدياً إلى المقاومة بالقوة ما يخلف خسائر إنسانية فادحة. إضافة إلى ذلك يقيد الاحتلال العسكري الحريات الأساسية، النشاط الاقتصادي وسبل العيش.

بذلك؛ يتعارض الاحتلال العسكري مع حقوق الإنسان الأساسية، ويؤدي إلى انعدام الأمن الإنساني بشكل منهجي، ويعيق التنمية البشرية، حيث يترك الاحتلال آثاره المدمرة على الأرواح والحريات، ما ينعكس سلباً على الدخل والعمالة والتغذية والصحة والتعليم والبيئة مؤدياً لانعدام الأمن الإنساني ومدمراً لكل مكوناته.

يشير التقرير إلى أن الاحتلال العسكري يؤدي بالضرورة إلى تهديد الأمن الإنساني على مستوى واسع تشمل جوانب عديدة أهمها:

  1. تهديد الحياة: وتتمثل بشكل أساسي بالإعدامات الميدانية، واستهداف المدنيين.
  2. تهديد الحريات: مثل تقييد حرية الحركة والتنقل، وحرية الرأي والتعبير.
  3. تهديد الأوضاع الاقتصادية وسبل العيش: حيث يعيق الاحتلال العسكري القدرة على إدارة الشؤون الاقتصادية، والاستقرار الاقتصادي.
  4. تهديد قابلية الناس للوصول إلى الغذاء والصحة والتعليم: حيث يرتبط الاحتلال بالعنف والتشريد اللذان يؤديان لانهيار فرص الناس في الحصول على الغذاء الكافي، المياه، الرعاية الصحية المناسبة والسكن اللائق.
  5. التهديد البيئي.

يناقش التقرير أن التقدم المحرز في التنمية المستدامة أبطأ في البلدان الهشّة والمتأثّرة بالصراعات وخاصة الاحتلال، حيث ينتشر العنف، وتفتقد الثقة في الأفراد والمؤسسات، لذلك يطرح مقاربة تقوم على أن تحقيق الأمن الإنساني لا يقوم على منع تفاقم الأزمات فقط بل يقوم على الوقوف على أسبابها، ما يستنتج منه أن تحقيق الأمن الإنساني في ظل الاحتلال ممكن فقط عبر معالجة الأسباب الأساسية متمثلاً في إنهاء الاحتلال.

علاقة الأمن الإنساني بمنظومة حقوق الإنسان:

نشأ مفهوم الأمن البشري مرتبطاً بالصراع ومتأثراً به، لكي يدفع الدول وصانعي السياسات إلى التركيز على قضايا مختلفة، وتوفير أكبر قدر من الحماية للمدنيين بحيث لا تقتصر الحماية على حماية الأرواح والحد الأدنى من الخدمات.

تنبع علاقة الأمن الإنساني بمنظومة حقوق الإنسان بالقانون الدولي الإنساني من جهة؛ من حيث قيام فكرة الأمن الإنساني على ضرورة وأهمية الحماية، وهي ما تأصلت في منظومة حقوق الإنسان وعرفت بمسمى (مسؤولية الحماية خلال النزاعات المسلحة) والتي أشارت لها اتفاقيات القانون الدولي الإنساني وبشكل خاص، اتفاقيات جنيف التي قامت على فكرة وجوب حماية الناس من التهديدات العنيفة، وعندما يتعرضون للأذى أو الجرحى، فإن المجتمع الدولي ملزم بمساعدتهم، إذ تعتبر حماية المدنيين خلال الصراع من أبرز قضايا الأمن الإنساني.

كذلك يتعلق مفهوم الأمن الإنساني ببناء السلام بعد انتهاء الصراع الذي ينطوي على تعزيز احترام القانون الدولي الإنساني، وعمل المحكمة الجنائية الدولية، وتعزيز الجهود لحماية المدنيين في حالة الصراع ومساءلة مرتكبي جرائم الحرب ومنع إفلاتهم من العقاب.

ومن جهة أخرى يتشابه مفهوم الأمن الإنساني مع مبادئ حقوق الإنسان؛ وبخاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حيث يقوم منطق الأمن الإنساني على دعم التنمية، ويتضمن الأمن الاقتصادي والأمن السياسي وحق الإنسان في العيش في مستوى معيشي لائق.

وبذلك لا يمكن فصل الأمن البشري عن خطاب منظومة حقوق الإنسان وقت السلم ووقت النزاعات، ويتميز الأمن الإنساني بأنه أكثر ارتباطاً بالتنفيذ والممارسة بل وأكثر فعالية وعدالة؛ لأنه لا يهتم بحماية والحفاظ على حقوق الناس فحسب ولكن أيضًا بتطويرها.

كما ويأخذ الأمن الإنساني بعين الاعتبار موضوع الاستبعاد الاجتماعي، ويسلط الضوء على تأثير التفاوت في المجتمعات على التنمية ما يعالج استبعاد الأقليات والآثار المضاعفة على الفئات المهمشة وإعاقتها من الوصول إلى الخدمات العامة الأساسية. ليفرض الأمن الإنساني الخدمات لتلبية احتياجاتهم الخاصة، مع مراعاة ظروفهم المختلفة، كجزء من التنمية الشاملة للوصول إلى الفئات الأكثر تهميشًا، وتعزيز الرفاهية العامة والوئام الاجتماعي، مع تحقيق مكاسب كبيرة عبر البلدان.

وهو ما أدى إلى تحول الانتباه، من خلال سلسلة من قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى التوسع في قضايا حماية حقوق الفئات المهمشة في حالات النزاع، والتعامل مع ظواهر مثل الاستخدام المتعمد للاغتصاب كاستراتيجية حرب ومعاملة العنف الجنسي كجريمة حرب.

المبحث الثاني: انتهاكات حقوق الإنسان في القدس المحتلة وأثرها على الأمن الإنساني:

تشير استخلاصات المبحث الأول إلى وجود علاقة طردية بين الأمن الإنساني وحالة حقوق الإنسان، فكلما تحسنت حالة حقوق الإنسان ترتفع مؤشرات الأمن الإنساني، وكلما زادت انتهاكات حالة حقوق الإنسان تنخفض مؤشرات الأمن الإنساني ويمكن أن تصل إلى انعدام الأمن الإنساني في حالة انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة.

يستعرض هذا المبحث أبرز انتهاكات حقوق الإنسان ضد الفلسطينيين في القدس المحتلة في ضوء مفهوم الأمن الإنساني، مركزاً على أثر تلك الانتهاكات على الأمن الإنساني ومكوناته، مراعياً منظور النوع الاجتماعي وأثر تلك الانتهاكات على النساء الفلسطينيات في القدس المحتلة.

يسلط هذا المبحث الضوء على خمسة انتهاكات أساسية ضد حقوق الفلسطينيين في القدس المحتلة وهي: إغلاق الأنشطة والمؤسسات الثقافية، الإعدامات الميدانية، هدم المنازل، التضييق على الحقوق الاقتصادية، والاعتداء على المدنيين في المساحات العامة.

تعتبر القدس الشرقية محتلة عسكرياً حيث ضمت إسرائيل أراضيها بشكل غير قانوني، على الرغم من دعوة مجلس الأمن الدولي القوات الإسرائيلية للانسحاب منها كما ورد في القرار رقم 242، تفرض إسرائيل على القدس المحتلة القوانين الإسرائيلية، والتي تعامل الفلسطينيين الأصليين. كمقيمين دائمين، في حين تعتبر المستوطنين الإسرائيليين مواطنين كاملين. وتفرض إسرائيل سياسات لتهويد المدينة تتمثل في انتهاكات حقوق الإنسان الأساسية والتي تستعرض الدراسة أبرزها:

  1. إغلاق الأنشطة والمؤسسات الثقافية: عززت ممارسات الاحتلال فيما يتعلق بقطاع الثقافة المقدسي من السيطرة الإسرائيلية على المدينة وتغليب الطابع اليهودي على الفلسطيني فيها، بدءاً من الإغلاق القسري للمؤسسات الرسمية الفلسطينية، وانتهاءً بالتضييق على عمل المؤسسات الثقافية ومؤسسات المجتمع المدني.

    بشكل عام؛ تواجه المؤسسات الثقافية في القدس الأوامر الإدارية الصادرة عن وزارة الداخلية الإسرائيلية، أو ضابط الشرطة المسؤول حيث يعتبر ملف المؤسسات الثقافية ملفاً أمنياً لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي لا ملفاً خدماتياً وبالتالي، يجب أن يخضع لرقابة وتنظيم الشرطة.

    تقضي غالبية الأوامر الإدارية بمنع إقامة أنشطة متنوعة كالمسابقات والندوات وغيرها. وتشير الإحصائيات حتى عام 2019 أن عدد المؤسسات الثقافية التي تم إغلاقها في القدس وصل إلى 120 مؤسسة. ويتنوع الإغلاق بين الإغلاق التام للمؤسسات بسحب الرخصة، أو الإغلاق لمدة معينة بأمر إداري، أو حتى إغلاق نشاط معين وملاحقة القائمين عليه.

    يترافق إغلاق الأنشطة مع ضروب العنف التي لا يسلم منها الحضور أو القائمون على تنفيذ النشاط، وإتلاف الممتلكات الموجودة في المكان الخاصة بتنظيم النشاط، والاعتداء على المتواجدين في محيطه.

    تنتهك هذه الممارسات الحق في المشاركة في الحياة الثقافية إضافة إلى جملة من الحقوق الأخرى التي تنطوي عليها الممارسات الثقافية مثل: الحق في التعبير، وتصطدم بمكون الأمن المجتمعي كمكوّن من مكوّنات الأمن الإنساني حيث لا يعود الإنسان آمناً في مجتمع تحت الاحتلال، كما وتصطدم بمكوّن الأمن الشخصي حيث تعتبر تعبير الإنسان عن ثقافته خرقاً للقانون، فضلاً عن الاعتداء على المشاركين والحضور في النشاط وتمثل تهديداً على الحريات .

    وبشكل خاص، تضيق هذه السياسة الممنهجة ضد الوجود الفلسطيني في القدس مساحة اندماج ومشاركة النساء في النشاطات التي تقيمها مؤسسات المجتمع المدني، وتحد من انخراط المرأة المقدسية في تلك الأنشطة، وحيث أنه لا آليات حماية واضحة حتى الآن، تضطر بعض النساء إلى العزوف عن المشاركة في الأنشطة التي تستهويها، أو العزوف عن الانخراط في مؤسسات المجتمع المدني لتلافي الاصطدام مع الشرطة.

    وقد وثقت التقارير تعرض القائمين على بعض الأنشطة الثقافية للاعتداء الجسدي، والاعتقال لعدة ساعات وحتى التهديد بسحب الإقامات المؤقتة.

    إنّ الممارسات الإسرائيلية تجاه المؤسسات الثقافية بوصفها انتهاكاً للحقوق الثقافية ترتّب عليها ضعف المؤسسات بالتالي ضعف انخراط المجتمع المقدسي في الحياة الثقافية، وضعف المعلومات المقدمة للمواطنين الفلسطينيين بالتالي ضعف الوعي السياسي والمجتمعي الوطني. وقلما تثور إشكالية المؤسسات الثقافية في القدس تبعاً لاعتبار الحقوق الثقافية حقوقاُ أساسية مكملة لا متطلباً في مواجهة انتهاكات حقوق السكن والمعيشة الكريمة التي تعد أولوية الشارع المقدسي وهموم هذا المجتمع.

  2. الإعدامات الميدانية:

    بتاريخ 16/06/2021 قتلت طالبة الدكتوراه مي عفانة بدم بارد على يد جنود الاحتلال الإسرائيلي قضاء القدس، الذين أطلقوا النار عليها وهي بداخل سيارتها، ومنعوا وصول الإسعاف إليها، وتحفّظوا على جثمانها مانعين عائلتها من توديعها ودفنها. وزعمت المواقع الإسرائيلية الإخبارية محاولة مي القيام بعملية دهس. مي ليست حالة استثنائية، بل هي واحدة من ما يزيد على ألفي فلسطيني وفلسطينية أعدموا ميدانياً منذ عام 2015.

    يشكل الإعدام الميداني حرمانًا من حق أساسي وهو الحق في الحصول على محاكمة عادلة. وهي سياسة ممنهجة قامت القوات الإسرائيلية بدمجها في نظامها منذ بداية الاحتلال، وتعد جريمة مركّبة تتكون من عدة انتهاكات للقانون الدولي، حيث الحق في الحصول على محاكمة عادلة وعلنية من قبل محكمة مستقلة ومحايدة، وكذلك المبدأ الجنائي الذي ينص على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. وفي بعض الحالات يمكن أن يؤلف الإعدام الميداني جريمة حرب.

    في غالبية الحالات تدعي السلطات الإسرائيلية أنّ عمليات القتل هذه هي حالات دفاع عن النفس، لكن الظروف التي تحيط بمعظم الحوادث تشير إلى أنها ليست سوى عمليات إعدام تعسفية خارج نطاق القضاء وغير مبررة. تتمثل هذه الظروف بما يلي:

    1. عدم وجود خطر وشيك: في كثير من الحالات، لم يشكّل القتلى تهديدًا وشيكًا على الحياة. ويشمل ذلك إطلاق النار على الجرحى أو الفارين وإطلاق النار على المتظاهرين العزل، فضلاً عن الحالات التي تم فيها إعدام النساء والقصر خارج نطاق القضاء. يُحسب هذا الجزء من المجتمع على أنه غير ضار أو غير قادر جسديًا على شن هجمات على جنود مدربين تدريباً جيداً، وبالتالي يستحيل تشكيل هذه الحالات لخطر وشيك.

    2. تجاهل واضح لمبدأ التحييد والتناسب وهو مبدأ رئيسي من مبادئ القانون الدولي الإنساني: يسعى مبدأ التناسب إلى الحد من الضرر الناجم عن العمليات العسكرية من خلال اشتراط ألا تكون تأثيرات وسائل وأساليب الحرب المستخدمة غير متناسبة مع الميزة العسكرية المنشودة. وهذا ينطبق على الحالات التي كان من الممكن أن يشل فيها جنود الاحتلال حركة الضحية بإطلاق النار على الأجزاء السفلية من أجسادهم بدلاً من إطلاق النار على الجزء العلوي مما يؤدي في النهاية إلى الموت، وتشير هذه الطريقة إلى أن الجنود الإسرائيليين يطلقون النار لقتلهم بدلاً من تحييدهم.

    3. السياسيون الذين يحثون المدنيين على حمل السلاح ويدعون صراحة إلى الإعدام الميداني: قائد شرطة منطقة القدس موشيه إدريستيد على سبيل المثال قال: "كل من يطعن يهوداً أو يؤذي الأبرياء سيقتل". كما نقل عن وزير الأمن الداخلي جلعاد أردن قوله "يجب على كل إرهابي أن يعرف أنه / أنها لن ينجو من الهجوم الذي هو / هي على وشك القيام به".

    4. استخدام القوة المفرطة من قبل الجنود الإسرائيليين: إن ثقافة الإفراط في القوة قديمة قدم الاحتلال الإسرائيلي، ويمكن ملاحظتها عندما يتعلق الأمر بالإعدام خارج نطاق القضاء.

      تجعل سياسة الإعدام الميداني التي تنتهجها سلطات الاحتلال الإسرائيلي من حياة الفلسطينيين في تهديد دائم، وتهدد الأمن الشخصي، والأمن المجتمعي. وتفرض حالة من الذعر والخوف والقلق فضلاً عن انتهاكها جملة من حقوق الإنسان الأساسية، ترسخ هذه السياسات القيود المجتمعية المفروضة على النساء لدواعي "الحماية"، حيث تقلص سلطات الاحتلال الإسرائيلي بانتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان من الوجود الفلسطيني في المساحات العامة، وحرية تنقلهم بين مدنهم وفيها بأمان ويكون وقع هذه الجرائم مضاعفاً على النساء الفلسطينيات اللواتي يزداد شعورهن بالتهديد الدائم والخطر.

  3. التضييق على الحقوق الاقتصادية:

    منذ احتلال القدس عام 1967 احتلالاً عسكرياً وفرض النظام القانوني الإسرائيلي على المدينة، لم تنفك سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن تسخير القانون للتضييق على جوانب حياة الفلسطينيين المختلفة، في محاولة دائمة لتضييق سبل العيش ودفع الفلسطينيين إلى الرحيل عن مدينتهم رحيلاً صامتاً.

    ويعد التضييق على الحقوق الاقتصادية من أبرز الأمثلة على استخدام القانون الإسرائيلي لصالح تهويد المدينة وبسط السيطرة الإسرائيلية عليها.

    أدى فرض القانون الإسرائيلي على القدس المحتلة إلى عدم معرفة التجار والقائمين على إدارة المنشآت التجارية لكيفية التعامل مع تلك القوانين، بالإضافة إلى المبالغ الباهظة التي تفرض على المنشآت التجارية في القدس، وانعدام الدعم الحكومي للمنشآت التجارية الفلسطينية في القدس، وصعوبة الحصول على تخفيضات للضرائب لأن التاجر الفلسطيني لم يألف القوانين الإسرائيلية.

    خلال عام 2021، أغلقت ربع المحلات التجارية في البلدة القديمة في القدس أبوابها. ولم تعد قادرة على الاستمرار. على الجانب الاخر، تزدهر القدس بالمشاريع الريادية الصغيرة كقطاع تسيطر عليه النساء، حيث تعرض مشغولاتهن اليدوية المميزة للبيع وتلاقي صدى مجتمعياً حاضراً. تبدو النساء أكثر دافعية للإنتاج فتسيطر النساء المقدسيات تقريباً على قطاع ريادة الأعمال الصغيرة في القدس المحتلة، ونتيجة لتضييقات الاحتلال الإسرائيلي على القطاعات التجارية تستغل النساء المقدسيات البازارات التي تقيمها مؤسسات المجتمع المدني المختلفة لعرض منتجاتهن المختلفة، ولكن حتى البازارات تتعرض لجملة ما تتعرض له الأنشطة الثقافية من الإغلاق والاعتداء على القائمين عليه والمشاركين فيه، وتنطوي هذه الاعتداءات على إرهاب الزوار.

    تعتبر البيئة الاقتصادية في القدس بيئة صعبة مليئة بالتحديات، وتحتاج المشاريع الريادية الصغيرة إلى دعم وبرامج تمكين، تخضع برامج التمكين في مجملها إلى ذات المحددات التي تعاني منها المؤسسات الثقافية، بحيث يصبح ملف تمكين المشاريع الريادية الصغيرة ملفاً أمنياً لا خدماتياً، ويجب أن يخضع لموافقة ورقابة شرطة الاحتلال.

    تعتبر هذه السياسات إضافة إلى الملاحقة الضريبية للمشاريع الريادية الصغيرة شأنها شأن المنشآت التجارية القائمة محددات للأمن الاقتصادي في القدس المحتلة، بحيث تقيد فرص التنمية للمشاريع الاقتصادية الناشئة، بل وتصب في إغلاقها، وتقويض عملها مما يدفع المتحمسين من الجيل الشاب لإعادة التفكير في سبل خلق مصدر رزق بديل تحت الاحتلال.

  4. هدم المنازل:

    يعتبر هدم المنازل الشكل الأكثر وضوحاً لجريمة التهجير القسري، ويمكن أن يشكل في عدة حالات، جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية. تتذرع سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالبناء بدون رخصة لهدم المنشآت السكنية، فيما تضع تقييدات شديدة على شروط الحصول على رخص بناء. فخلال الربع الأول من العام 2021 شهدت العائلات الفلسطينية في القدس زيادة بنسبة 40٪ على سياسة هدم المنازل مقارنة بالسنوات السابقة. وتملك السلطة التنفيذية صلاحية إصدار أوامر الهدم والتي غالباً ما تكون غير قابلة للاستئناف، مما يعني أن القضاء الإسرائيلي ليس لديه سلطة إعادة النظر فيها. ويستند في معظم الحالات إلى قانون كامينتس الذي يمنح هذا التعديل صلاحيات واسعة للسلطة التنفيذية فيما يتعلق بهدم وفرض غرامات باهظة على البيوت المخالفة، مما يقوض صلاحيات السلطات القضائية. ويمنع التعديل المحاكم من التدخل في أوامر تجميد الهدم بحيث يمكن لوحدة التخطيط والبناء إصدار أمر إداري لهدم مبنى دون إذن من المحكمة ويمكن أن تفرض غرامة بمئات الآلاف من الشواقل دون إذن من المحكمة. تتفاخر الحكومة الإسرائيلية بأنها تمكنت من خلال القانون من الحد من 80٪ من البناء في البلدات العربية غير الخاضعة للتنظيم.

    تُعرّض هذه السياسة العائلات الفلسطينية للتشريد بين ليلة وضحاها، وتفرض على الفلسطينيين ظروفاً قاسية يصعب التأقلم معها، وتنتهك بشكل أساسي الحق في السكن اللائق، واتفاقيات جنيف التي تحظر نفل المدنيين القسري.

    تهدد هذه السياسة الأمن الشخصي للأفراد بصورة أساسية، وتعتبر النساء الأكثر معاناة من هذه الحالات، حيث يتعين على النساء التكيف مع ظروفهن الجديدة وتحمل مسؤولياتهن كما كان الحال في الماضي، ولكن بوسائل أقل. كما وتؤثر هذه السياسة على أدوار النساء التي تختلف باختلاف الظروف والمنطقة التي ترحل العائلة إليها بعد الهدم. وتعيد هذه السياسة تشكيل حياة المرأة المقدسية من الاستقرار إلى التهجير. فهو يؤثر على قدرتهن على الوصول إلى الموارد المتاحة، وإعادة إحساسهن بالانتماء، لأنهن يعشن في ظل قلق وخوف دائمين. كما أنه يؤدي إلى زعزعة استقرار الوضع الاقتصادي وهيكل الأسرة بسبب فقدان سبل العيش والممتلكات والأمتعة وفقدان الخصوصية.

    يربط القانون الدولي بين الحق في السكن اللائق والأمن البشري؛ كأحد عناصر الحق في مستوى معيشي لائق. وعليه، فإن نهج عدم القابلية للتجزئة ينطبق عليه مع حقوق الإنسان الأساسية ذات الصلة مثل الحق في الغذاء والماء والصحة والعمل والملكية وسلامة الشخص والسكن الآمن والحماية من المعاملة اللاإنسانية والمهينة، وينعكس هذا الارتباط في تعريف "الحق في السكن الملائم" على أنه أكثر من مجرد توفير سقف يمكن للفرد أن يعيش في ظله، إنه الحق في أن يعيش حياة آمنة وكريمة في مسكن لائق بعيدًا عن التهديدات. لذلك، يعتبر المجتمع الدولي التهجير القسري انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي. علاوة على ذلك، قد يُشكّل في بعض الحالات جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية.

  5. الاعتداء على المدنيين في المساحات العامة:

    تستهدف سلطات الاحتلال الإسرائيلي تقييد حق الفلسطينيين بالوصول والتواجد في المساحات العامة، من خلال الاعتداء على المدنيين المتواجدين في المساحات العامة، وتوزيع أوامر اعتقال بشكل عشوائي، وأوامر إبعاد عن محيط المدينة. تعتبر سياسة الاعتداء على المدنيين انتهاكاً لقواعد القانون الدولي الإنساني حيث تفرض المادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة على سلطات الاحتلال حماية المدنيين وضمان تمتعهم بالحقوق الأساسية وعدم التعرض لكرامتهم أو عاداتهم أو قيمهم أو ممارساتهم الدينية، وكذلك توفير الحماية لهم من أعمال العنف التي قد تطالهم، إضافةً إلى أنها تعد انتهاكاً لحق الفلسطينيين في التجمع السلمي المحمي بموجب المادة (21) من العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية.

    تنعكس هذه السياسة بشكل مباشر على النساء الفلسطينيات، حيث تدفعهنّ للبقاء ضمن الحيّز الخاص، وتشعرهنّ بالتهديد الدائم في الحيز العام، مهددة الأمن الاجتماعي، والأمن الشخصي وبشكل خاص للنساء.

المبحث الثالث: أثر الاحتلال الإسرائيلي وممارساته على النساء الفلسطينيات في ضوء أجندة المرأة، السلام والأمن

يجيب هذا المبحث على ثلاثة أسئلة فرعية: ما هي أجندة المرأة، السلام والأمن؟ كيف تتقاطع أجندة المرأة، السلام والأمن مع منظومة القانون الدولي؟ ما هو أثر الاحتلال الإسرائيلي وممارساته على النساء الفلسطينيات في ضوء أجندة المرأة، السلام والأمن؟

صدر القرار 1325 عن مجلس الأمن بهدف تعزيز دور المرأة في تحقيق الأمن والسلام في العالم بناء على معطى أن فئة النساء تعتبر من أكثر الفئات تأثراً بالنزاعات المسلحة. ووفق هذا فهي أكثر الفئات المعنية بإنهائه؛ ويحمل القرار رؤية ورسالة مؤداها أن تعزيز السلم والأمن وإنهاء الصراعات حول العالم لا يمكن أن يتم إلا بإشراك حقيقي للنساء، وتعزيز لدورهن في مواقع صنع القرار. يتناول القرار نساء العالم أجمع عامة، وبشكل خاص النساء في مناطق النزاعات، ويجد القرار تطبيقه في الحالة الفلسطينية بناء على الفهم الآتي: إن تعزيز حالة حقوق النساء ومشاركة المرأة الفلسطينية لا يمكن أن يحدث بمعزل عن تعزيز حالة حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، وبما أن المرأة هي الأكثر تأثراً في حالات الصراع، فإن تأثير سياسات وجرائم الاحتلال الإسرائيلي يتضاعف على النساء الفلسطينيات.

بناء على المادة (9) من القرار والتي تقضي بوجوب مراعاة وتطبيق اتفاقية جنيف الخاصة بالمدنيين في أوقات الصراعات المسلحة، وحيث أنّ الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية قضى بانطباق مفهوم النزاع المسلح على الأرض الفلسطينية، وبالتالي يعتبر النقل القسري الذي تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلي مخالفة لاتفاقيات جنيف.

وكذلك المادة (11) من القرار والتي تقضي بوجوب المساءلة ومنع الإفلات من العقاب بخصوص جرائم حقوق الإنسان وبشكل خاص الجرائم ضد الإنسانية؛ حيث يصنف التهجير القسري جريمة ضد الإنسانية مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية أن تشكل أدوات التهجير القسري منفردة مقومات جرائم دولية أخرى بحسب نظام روما الأساسي، ما يمكن من تفعيل سبل مساءلة الاحتلال الإسرائيلي عن جرائمه في الأراضي المحتلة وخاصة بالنسبة لأثرها على النساء.

إنّ أمن النساء الفلسطينيات يرتبط بالأمن الإنساني الذي يتأثر بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ وبالتالي، فإنّ أمن النساء يتأثر بالسياسات الإسرائيلية التي تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي، وبالتالي لا يمكن تجزئة تحسين واقع النساء الفلسطينيات، وفصله عن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي.

هكذا تم تبني أجندة المرأة، السلام والأمن فلسطينياً بناء على الرؤية القائمة على فهم أبعاد الاحتلال الإسرائيلي المدمرة للأمن الإنساني، لذلك تتجه الرؤيا لتفعيل قرار 1325 في ضوء القرارات الدولية الأخرى ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية وتأسيساً على ذلك برز القرار 1325 كأداة سياسية لفضح انتهاكات الاحتلال وجرائمه ضد النساء وخصوصاً في مناطق (ج)، على الحواجز والنساء المتضررات من استمرار الاستيطان وتوسعه؛ بالإضافة إلى العنف الذي تتعرض له النساء نتيجة الثقافة الأبوية السائدة في المجتمع. أي؛ أن القرار 1325 يفهم في السياق الفلسطيني على ضوء القرارات الدولية الأخرى التي تناولت الوضع الفلسطيني ككل، وبما أن قضية المرأة غير منفصلة عن الواقع السياسي ومرتبطة به فلا يمكن الحديث عن تمكين المرأة دون التطرق للواقع الذي تعيش به، وبشكل خاص فإن تحسين واقع النساء الفلسطينيات مرتبط بنضالهن وصمودهن للحصول على حقوق الإنسان الأساسية في ظل انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة. لذلك يعد إنهاء الاحتلال مطلب النساء الفلسطينيات الأساسي في إطار أجندة المرأة، السلام والأمن. بالاستناد إلى قرار مجلس الأمن 1325 في البند التاسع الذي يقضي بوجوب تطبيق الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة في مناطق النزاع، والبند الحادي عشر الذي يقضي بتفعيل آليات المساءلة ومنع الإفلات من العقاب.

فاطمة حماد:متدربة في مجال حقوق الانسان وأجندة المرأة السلام والأمن لدى مؤسسة مفتاح

http://www.miftah.org