الهيئة المستقلة تصدرا تقريرا حول صلاحيات جهاز الشرطة
بقلم: الهيئة المستقلة لحقوق الانسان
2004/10/27

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=1904


اصدرت الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الانسان تقريرا خاصا (38) حول "صلاحيات جهاز الشرطة" من اعداد المحامي معن ادعيس، وذلك ضمن سلسلة التقارير الخاصة. وفيما يلي النص الكامل للتقرير:

مقدمـــة

يعتبر جهاز الشرطة في الدولة أحد أهم الأجهزة المكلّفة بتوفير الأمن الداخلي للمجتمع، وحمايته من الجريمة. وبالنظر إلى طبيعة عمل هذا الجهاز، وإمكانية تدخله وتقييده لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية من جهة، وتعدد الأجهزة والإدارات العاملة على حماية المجتمع، من جهة أخرى، كان لا بد من وجود التشريعات التي تنظّم طبيعة وحدود الصلاحيات المنوطة بهذا الجهاز، وتنظّم علاقته مع غيره من الأجهزة.

بصورة عامة، يحكم تنظيم هيكل وعمل جهاز الشرطة نوعين من التشريعات. فهناك التشريعات التي تحكم التنظيم الهيكلي لجهاز الشرطة، الإدارة، الحقوق والإلتزامات، والإجراءات التأديبية التي يمكن فرضها بحق أفراد جهاز الشرطة. وهناك تشريعات أو أحكام تشريعية تحدد طبيعة المهام والصلاحيات المنوطة بهذا الجهاز، وكيفية ممارستها.

على المستوى العملي، يقوم جهاز الشرطة بنوعين من الأعمال. أولها، الأعمال التي تهدف إلى حماية النظام العام للمجتمع بعناصره المختلفة، المتمثلة في الأمن العام، الصحة العامة، السكينة العامة، والآداب والأخلاق العامة. وثانيها، الأعمال التي تهدف إلى الكشف عن الجرائم، وملاحقة المجرمين الذين أخلّوا بالنظام العام للمجتمع، ولم يتمكن جهاز الشرطة من وقف هذا الإخلال قبل وقوعه.

يتناول هذا التقرير موضوع صلاحيات جهاز الشرطة بشقيه الإداري (المكلف بوقاية المجتمع من الجريمة) والقضائي (المكلف بالكشف عن الجرائم وملاحقة المجرمين). يعالج الفصل الأول موضوع التقرير على المستوى الدولي، بينما يعالج الفصل الثاني موضوع التقرير على المستوى المحلي.

الفصل الأول

صلاحيات جهاز الشرطة على المستوى الدولي

تنقسم المهام المنوطة بجهاز الشرطة إلى قسمين أساسيين: الأول، المهام المتعلقة بجهاز الشرطة كسلطة ضبط إداري، وهي التي يقوم بها أفراد الجهاز لوقاية الإنسان مما قد يتهددّه من جرائم (الوقاية من الجريمة قبل وقوعها). أما القسم الثاني، فهو المهام المتعلقة بجهاز الشرطة كسلطة ضبط قضائي، وهي الأعمال التي يقوم بها جهاز الشرطة لملاحقة المجرمين، القبض عليهم، والبحث عن أدلة الجريمة (التعامل مع الجريمة بعد وقوعها).

وتظهر أهمية التفرقة بين نوعي الضبط الإداري والقضائي في عدة جوانب أهمها:

1- الإختلاف في الطبيعة القانونية: تمارس سلطات الضبط الإداري نشاطا وقائيا للحد من الإخلال بالنظام العام بعناصره المختلفة، بينما تقوم سلطات الضبط القضائي بإتخاذ الإجراءات الجزائية الضرورية للكشف عن مرتكبي الجرائم، إثبات وقوع الجريمة، وجمع أدلتها وتسليم الجاني للعدالة. وبهذا يكون العمل الذي تقوم به الضابطة الإدارية عملا إداريا، في حين يكون العمل الذي تقوم به الضابطة القضائية عملا قضائيا. ويترتب على التمييز بين نوعي الضبط إختلاف في الجهة القضائية التي تملك الرقابة على كل منهما. ففي حين تخضع أعمال الضبط الإداري لرقابة القضاء الإداري، تخضع أعمال الضبط القضائي لرقابة القضاء العادي.

ولتحديد طبيعة الضبط فيما إذا كان ضبطاً إدارياً أم قضائياً، إعتمد القضاء الفرنسي على معيار الغاية من الضبط، فإذا كان الضبط يتجه إلى إثبات جريمة، وجمع أدلتها وتسليم مرتكبيها للعدالة، يكون حينئذ ضبطاً قضائياً، أما إذا كانت غاية الضبط منع إضطراب النظام العام والإخلال به، فيكون حينئذ ضبطا إدارياً.

2- الإختلاف في التبعية والإشراف: تخضع أعمال الضبط الإداري للرقابة الإدارية لجهاز الشرطة، أما أعمال الضبط القضائي فتخضع لإشراف ورقابة النيابة العامة، وفقا لما أخذ به النظام القانوني الفرنسي وغالبية الدول العربية المتأثرة به. كما يلتزم مأمورو الضبط القضائي بما تصدره إليهم النيابة العامة من تعليمات بشأن الإجراءات القضائية الواجب مراعاتها، وكذلك بإيداع البلاغات والمحاضر مع بقية أوراق القضية إلى النيابة العامة.

3- الإختلاف في المسؤولية عن الآثار: يتفق الفقه والقضاء على مسؤولية الدولة عن الأضرار الناجمة عن أعمال الضبط الإداري بإعتبارها قرارات وأوامر إدارية تسأل الدولة عن التعويض عنها، إذا كان الخطأ جسيماً أو فادحاً. أما بالنسبة لأعمال الضبط القضائي، كالقبض والتفتيش والمصادرة والحبس والحفظ والإحالة، فالأصل عدم مسؤولية الدولة عن الأضرار الناشئة عن هذه الأعمال. وقلة من التشريعات، التي رتّبت مسؤولية على الدولة عن أعمال سلطتها القضائية، وفي نطاق محدود، إقتصر على الخطأ الجسيم وحالة إنكار العدالة فقط، مثل المادة 505 من قانون المرافعات الفرنسي لسنة 1975، والمادة 47 من دستور الجزائر لسنة 1976. من جانب آخر، يُسأل القضاء الإداري عن النتائج المترتبة على أعمال الضبط الإداري، بينما يختص القضاء العادي بالمسؤولية عن النتائج المترتبة على أعمال الضبط القضائي.

المبحث الأول: صلاحيات جهـاز الشرطة كسلطـة ضبـط إداري

أولا: مفهــوم الضبــط الإداري

تعدّدت التعاريف الفقهية للضبــط الإداري. فقــد عرّفه الفقيه (De Laubadere) على أنه " صورة من صور تدخل السلطات الإدارية بقصد فرض قيود على الحرية الفردية بغية الحفاظ على النظام العام وحمايته". كما عرّف الفقيه (Hauriou) الضبط الإداري على أنه" سيادة السلام والنظام، وذلك عن طريق التطبيق الوقائي للقانون". وعرّفه الفقيه (Waline) على أنه "قيد تستلزمه وتقتضيه المصلحة العامة، ومن ثم تفرضه السلطة العامة على نشاط المواطنين وليس على حرياتهم". في الإجمال، الضبط الإداري هو عبارة عن الإجراءات الإدارية التي تتخذها سلطات الضبط الإداري، بما فيها جهاز الشرطة، في منع وقوع الجرائم، العمل على تفادي مخالفة القوانين الخاصة، المحافظة على النظام العام والأمن العام، وكفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين في كافة المجالات.

ثانياً: أهــداف الضبــط الإداري

لم يحدد المشرّع أغراض الضبط الإداري بصورة واضحة، وإنما تولّى الفقه القانوني تحديدها وتفصيلها. إذ يهدف الضبط الإداري بشكل أساسي إلى منع وقوع الجريمة من خلال تحقيق أغراضه الأساسية في الحفاظ على النظام العام بعناصره المختلفة، المتمثلة في الأمن العام، الصحة العامة، السكينة العامة، والآداب والأخلاق العامة، وذلك عن طريق:

1. إشاعة الأمن العام: تقوم سلطات الضبط الإداري، بما فيها جهاز الشرطة، بإشاعة الأمن العام بين الجمهور عن طريق إتخاذ الإحتياطات والإجراءات اللازمة لمنع وقوع الحوادث المخلة بالقانون، كما في حالة المظاهرات أو الهياج الشعبي، أو عندما تبدو خطورة ما من أشخاص معينين (مجانين مثلا)، أو أثناء الكوارث والأخطار الطبيعية كالغرق والحريق والفيضانات وحوادث السطو، وحماية أفراد الجمهور من إنهيار المباني، ودرء الفتن الداخلية ومنع أسبابها، ووقف ما قد يترتب عليها من عدوان على الأشخاص والأموال.

2. المحافظة على الصحة العامة: يهدف الضبط الإداري إلى المحافظة على صحة الجمهور ووقايته من الأمراض، منع إنتشار الأوبئة، والإحتياط من كل ما يمكن أن يمس الصحة العامة، كمنع تلويث مياه الشرب، مقاومة الأمراض المعدية ومنع إنتشارها، وتنظيم المجاري العامة، إلى غير ذلك من الأعمال التي تلزم للمحافظة على صحة الجمهور.

3. توفير السكينة العامة: يهدف الضبط الإداري إلى توفير السكينة العامة ويتحقق ذلك عن طريق المحافظة على حالة الهدوء والسكون في الطرق والأماكن العامة، فلا يتعرض أفراد الجمهور لمضايقات الغير في هذه الأماكن، ولا تزعجهم في أوقات راحتهم الضوضاء والأصوات المقلقة للراحة، كإستعمال الميكروفونات، أو تلك الأصوات التي تنبعث من الباعة المتجولين أو المتسولين أو المذياع.

كما وسّع القضاء الإداري الفرنسي من أغراض الضبط الإداري، عندما أصدر مدير الضبط في شرطة مقاطعة "السين" الفرنسية لائحة ضبطية تحظر توزيع النشرات على المارة في الطرق العامة خشية إلقائها بعد تصفحها في الطريق، وتشويه رونق الطريق وجمالها. عندئذ، طعن إتحاد نقابات المطابع والنشر في مدينة باريس في هذه اللائحة وطلب إلغائها، لأنها تتجاوز أغراض الضبط الإداري سالفة الذكر. غير أن مجلس الدولة الفرنسي (أعلى محكمة إدارية) قضى بحق هيئات الضبط الإداري في إصدار لوائح، تحمي جمال منظر الطرقات وتحافظ على رونق الأحياء السكنية.

ووسّع القضاء الفرنسي من مفهوم النظام العام، بحيث شمل بالإضافة إلى الأمن العام، الصحة العامة، السكينة العامة، والآداب والأخلاق العامة. فبتاريخ 18/12/1959 وافق وزير الإستعلامات الفرنسي على عرض فيلم سينمائي بعد أن أجازت الرقابة عرضه، إلا أن عمدة المدينة التي عُرض فيها الفيلم أصدر قرارا منع بموجبه عرض الفيلم المذكور، بسبب مخالفته اللباقة والآداب العامة، لأن من شأن عرضه إثارة إضطرابات بين الجمهور. ولمّا عُرض الموضوع على مجلس الدولة الفرنسي، قضى بأن للعمدة الحق في منع عرض الفيلم، إذا تبيّن أن عرضه سوف يترتب عليه الإضرار بالنظام العام، عن طريق الإخلال بالآداب العامة.

ثالثاً: مأمــورو الضبــط الإداري

بالإضافة إلى فئات أخرى مختلفة من رجال الدولة، يتمتع بصفة الضبطية الإدارية جميع أفراد الشرطة بمختلف درجاتهم. ويتحدد إختصاص كل فئة من فئات الضبط الإداري بحسب المنطقة الجغرافية التي يمارسون فيها صلاحياتهم وفقا لما يلي:

فرنسا

ينقسم جهاز الشرطة في فرنسا بحسب التقسيم الجغرافي إلى ثلاثة أقسام، وفقا لما يلي:

1) شرطة السين: إلى جانب الأعمال المندرجة ضمن إختصاصات جهاز الشرطة كسلطة ضبط قضائي، يتولى هذا الجهاز مهمة حفظ النظام في إقليم السين.

2) قوّات الدرك "الجندرمة" الوطنية: تقوم هذه القوّات بأعمال الشرطة في المناطق الريفية وفي المدن الصغيرة، وتؤدي إجراءات الضبطية الإدارية الشرطية، وذلك لمنع الجريمة وحفظ النظام العام.

3) قوّات الأمن القومي: تتولى هذه القوّات أعمال الشرطة في كافة أرجاء فرنسا، بإستثناء إقليم السين، وهي المسؤول الأول عن حفظ النظام العام.

إنجلترا

ينقسم جهاز الشرطة الذي يمارس سلطات الضابطة الإدارية إلى قسمين رئيسيين:

1) شرطة العاصمة المركزية. 2) شرطة المقاطعات.

الولايات المتحدة الأمريكية

ينقسم جهاز الشرطة كسلطة ضبط إداري وفقا للهيكل التنظيمي العام للجهاز إلى:

1. الشرطة الإتحادية - تنقسم هذه الفئة من الشرطة إلى قسمين:

أ‌) مكتب المباحث الفيدرالية (F.B.I): يختص هذا القسم بمنع الجريمة وحفظ النظام العام في جميع الجرائم الإتحادية/ الفيدرالية، وخصوصاً الجرائم الكبرى، كالجاسوسية، التزييف، التزوير والقضايا المتعلقة بالأمن الداخلي.

ب‌) إدارة الهجرة والجنسية: وتختص بمنع وقوع مخالفات لقوانين الهجرة والجنسية وحراسة الحدود، وخصوصا منع التسلل غير المشروع عبر الحدود.

2. شرطة/ بوليس الولاية: تمارس هذه الفئة إختصاصات الشرطة كسلطة ضبط إداري ضمن حدود الولاية فقط، وبموجب قوانينها.

3. شرطة المقاطعة: تمارس هذه الفئة إختصاصات الشرطة كسلطة ضبط إداري ضمن حدود المقاطعة فقط.

4. البوليس المحلي (شرطة البلديات): تمارس هذه الفئة إختصاصات الشرطة كسلطة ضبط إداري ضمن حدود البلدية فقط.

رابعاً: وسائــل ممارسـة سلطــات الضبــط الإداري لا يختلف الدور الوقائي لرجل الشرطة في الأنظمة المقارنة في منع وقوع الجريمة والحفاظ النظام العام. كما لا تختلف الأساليب المتبعة من قبل سلطات الضبط الإداري في ممارسة صلاحياتها عموما. ومن أهم الأساليب التي تتبعها سلطات الضبط الإداري في ممارسة صلاحياتها ما يلي:

1) الإجراءات والأوامر الفردية: تمثل التدابير والإجراءات ذات الطابع الفردي الصادرة في مختلف مجالات الضبط الإداري النسبة الغالبة بين صور وأساليب الإدارة في ممارسة سلطات الضبط الإداري. ويمكن أن تأخذ هذه الإجراءات والتدابير صورة الفعل الإيجابي الذي يتمثل في إصدار سلطة الضبط الإداري لأوامر صريحة كتابية أو شفهية كتلك الصادرة بهدم أحد المنازل الآيلة للسقوط حفاظا على الأرواح والممتلكات، أو بالتطعيم ضد الأمراض والأوبئة ووقاية للصحة العامة، أو تكتفي الإدارة بمجرد الإشارة في أوامر الضبط، مثل ما يحدث بالنسبة لتحديد أماكن توقف السيارات أو أماكن عبور المشاة. كما يمكن أن تمارس سلطة الضبط الإداري صلاحياتها على صورة أوامر وإجراءات سلبية، مثل رفض سلطة الضبط الإداري منح أحد المواطنين ترخيص بحمل سلاح ناري، عدم التصريح لمجموعة من الأفراد بعقد إجتماع عام، أو منعها من القيام بإضراب أو مظاهرة، أو منع المرور في شارع من الشوارع العامة أو وقف عرض فيلم أو مسرحية لإحتمال إخلالها بالنظام والأمن العام.

2) إصدار لوائح الضبط الإداري: يمكن للإدارة المحافظة على النظام والأمن العامين عن طريق إصدار أنظمة ولوائح، هي في حقيقتها تشريع ثانوي، وتنطوي على تقييد لحرية الأفراد، وتتضمن في الغالب عقوبات على مخالفة أحكامها، مثل اللوائح المنظمة للمرور، المحال العمومية، والمحال الخطرة أو الضارة بالصحة. على أنه من الضروري أن لا تخالف هذه اللوائح الدستور أو القوانين، وأن لا تؤدي إلى حظر نهائي أو كامل على الحريات أو أوجه النشاط الفردي. ففي فرنسا مثلا، نجد أن لوزير الداخلية، ومديري الأقاليم، وعمد القرى حق إصدار مثل هذه اللوائح. وفي الصين، لهيئات الشرطة الحق في صياغة القواعد واللوائح التي تحد بها من سلوك المواطنين الذين يقيمون في دائرة إختصاصهم، وذلك بعد موافقة الهيئة التنفيذية للمدينة أو المقاطعة. وفي الولايات المتحدة الأمريكية، فوّضت بعض إدارات الشرطة بإصدار مثل هذه اللوائح.

3) التنفيذ الجبري والجزاءات المادية: يقصد بذلك حق هيئة الشرطة في إستخدام القوّة المادية لإجبار الأفراد على تنفيذ القوانين واللوائح وأوامر الإدارة ونواهيها. ويقصد بالقوّة المادية القوّة التي تستخدم لمنع وقوع أي إخلال بالنظام العام، وليست القوّة التي تستخدم لمجازاة الأفراد على أفعال إجرامية إرتكبوها. علماً بأن هذا الإجراء يعد من الإمتيازات التي تتمتع بها الإدارة، إستثناء، لأنه لا يجوز لسلطات الضبط الإداري أن تستعمل القوّة الجبرية إلا بعد صدور حكم من القضاء، بإستثناء حالة الضرورة والحالات التي يحددها القانون لمقتضيات المصلحة العامة.

خامساً: الرقابـة القضائيـة على أعمـال سلطـة الضبـط الإداري إن قيام جهاز الشرطة، كسلطة ضبط إداري، بإتخاذ إجراءات من شأنها التأثير على الحريات العامة التي كفلتها المواثيق الدولية والدساتير الداخلية أو تقيدها، ليس من شأنه أن يبقى دون رقابة أو تدقيق قضائيين، سواء من قبل القضاء الإداري أو العادي.

تمتد رقابة القضاء الإداري لتشمل مجالات ثلاثة هي:

1) الرقابة على أهداف الضبط الإداري: يمكن للقاضي الإداري في إطار رقابته على الضبط الإداري الحكم ببطلان كافة إجراءات وتدابير الضبط الإداري الصادرة لتحقيق أهداف مغايرة لتلك الأهداف الخاصة بالمحافظة على النظام العام بمدلولاته المختلفة (الأمن العام، الصحة العامة، السكينة العامة، والآداب والأخلاق العامة). كما لو أصدرت سلطة الضبط الإداري إجراء معيناً هدفه مضايقة أحد الأفراد أو إزعاجه.

2) الرقابة على أسباب الضبط الإداري: تتحدد مهمة القاضي في هذا الإطار في التأكد من توافر أسباب جدية لإجراء الضبط الإداري المتخذ، تنطوي على معنى تهديد النظام العام أو إشاعة الفوضى في المجتمع، مع مراعاة كون هذه الأسباب حقيقية واقعية غير خيالية أو مفترضة. وإذا كان الأصل في القرارات والأعمال الإدارية إستنادها إلى أسباب صحيحة إلى أن يثبت العكس، إلا أن القضاء الإداري إستقر على قرينة مفادها عدم توفر أسباب مشروعة أو صحيحة لإتخاذ تدابير الضبط الإداري في أحوال معينة، مثل التدابير والإجراءات الصادرة بشأن منع المواكب الدينية أو المظاهرات السلمية.

3) الرقابة على أساليب الضبط الإداري: يفرض القاضي الإداري رقابته على الأساليب والوسائل المستخدمة من جانب سلطة الضبط الإداري. إذ يتعين على سلطة الضبط الإداري المفاضلة بين مجمل أساليب الضبط الإداري المتاحة وإنتقاء الأسلوب الأنسب. وتخضع عملية الإختيار بين أساليب الضبط الإداري المختلفة إلى العوامل الرئيسية التالية:

أ‌) ضرورة الأخذ بعين الإعتبار أسلوب الضبط الإداري الملائم لطبيعة النشاط المتعلق به الضبط.

ب‌) ألا يتم إختيار أسلوب من شأنه الإفضاء إلى الحظر النهائي أو المطلق لنشاطات الأفراد وحرياتهم الخاصة أو لإحدى الحريات الأساسية الواردة بنص الدستور أو القانون. من هنا، يمكن الحكم قضائيا ببطلان إجراءات وتدابير الضبط الإداري، إذا ثبت أن فيها حظر مطلق على نشاط الأفراد وحرياتهم. كما لو صدر عن سلطة الضبط الإداري أمراً بمصادرة نشاط فردي ما أو منع تداول الصحف، وذلك بإستخدام أعمال القهر والإجبار المادي في هذا الصدد.

ت‌) أن يراعى في إجراءات وتدابير الضبط الإداري المتخذة مناسبتها للظروف المكانية والزمانية الصادرة في ظلها. وعلى ذلك، يمكن للقاضي الإداري أن يصدر حكما بعدم مشروعية وسيلة الضبط الإداري المستخدمة في الأحوال التي يتم فيها حظر تداول الصحف أو المجلات على الجماهير في كامل إقليم الدولة، وكذلك في الأحوال التي تُفرض فيها قيود الضبط الإداري بصفة دائمة أو خلال أوقات متأخرة من الليل.

ث‌) ملائمة وسيلة الضبط الإداري المستخدمة لمدى جسامة وخطورة التهديد أو الإخلال بالنظام العام، الذي يمكن حدوثه بفعل التصرف الخاضع للضبط الإداري. وهنا يمكن للقاضي الإداري فرض رقابته على مدى مناسبة إجراءات الضبط الإداري للتصرفات المسببة لها، ومن ثم إلغاء تلك الإجراءات المتسمة "بعدم المناسبة".

كما يمكن أن يمارس القضاء العادي، ممثلا بالقضاء الجنائي، رقابته على أعمال الضبط الإدارية، وذلك في الأحوال التي ينطوي فيها الإجراء أو التدبير الضبطي الإداري المتخذ على إرتكاب جريمة من الجرائم المعاقب عليها قانونا أو عندما يثبت عدم مشروعية لائحة الضبط الإداري ذاتها، وما إنطوت عليه من إجراءات وتدابير وجزاءات فردية. كذلك يمكن أن يكون للقاضي المدني إختصاص بنظر دعاوى المسؤولية المدنية عن أعمال الضبط الإداري، وما نجم عنها من أضرار مادية أو أدبية معا في حالات الخطأ المادي أو الشخصي للعاملين بسلطة الضبط الإداري.

المبحث الثاني: صلاحيات جهاز الشرطة كسلطة ضبــط قضائـي

تجمع أنظمة الحكم المختلفة في العالم على أن لجهاز الشرطة وظيفة قضائية، بالإضافة الى وظيفته الإدارية. وقد تم تناول هذا الموضوع بالبحث في المؤتمر الدولي السادس لقانون العقوبات الذي عقد في روما في الفترة ما بين 23/9 – 3/10/1953، وأقرّ عدة مباديء في هذا الشأن، أهمها:

1. تقوم الشرطة القضائية بعمل لا غنى عنه في التحري عن الجرائم وكشفها وجمع أدلتها. ويجب أن يؤدى هذا العمل تحت إشراف الموظف القضائي المختص.

2. إستجواب المتهم من عمل القاضي، وليس من أعمال الشرطة القضائية. لذلك فإن عملها يقتصر على التحريات الأولية عقب الجريمة.

3. إن تنظيم الشرطة وتجنيدها هو خير ضمان لإحترام الحقوق الفردية في مرحلة البحث الأولى. وعلى ذلك، فإن موضوع وظيفة الشرطة القضائية، ليس في حد ذاته محلا للجدل، وإنما موضوع الخلاف الدائم هو مدى ما يصح أن يُمنح للشرطة من سلطات قضائية.

كما أثارت مسألة صلاحيات جهاز الشرطة في ملاحقة الجرائم والتحقيق فيها خلافا بين أعضاء المؤتمر الدولي لقانون الإجراءات الجزائية الذي عقد في شباط 1960، وناقش مسألة صلاحيات الشرطة في حجز الأشخاص، حبسهم، إستجوابهم، وحدود هذه الصلاحية. وكان هناك رأيان بهذا الخصوص:

الرأي الأول: ضرورة الحد من سلطة الشرطة، وذلك بحجة زيادة إحترام حرية الفرد التي تتعارض دائما مع مسؤولية الشرطة في حفظ الأمن وضبط الجرائم وفاعليها.

الرأي الثاني: يذهب الى وجوب زيادة سلطات الشرطة في الحجز، الحبس، والإستجواب، وذلك بحجة منح الشرطة الإمكانيات التي تتناسب مع المسؤوليات الملقاة على عاتقها، مما يكفل لها تحقيق رسالتها في صيانة الأمن وحماية المجتمع.

على المستوى العملي، يمكن تقسيم الأنظمة القانونية من حيث حجم المهام التي أناطتها بجهاز الشرطة، كسلطة ضبط قضائي إلى فئتين: أولها، النظم القانونية التي أخذت بالنظام الإتهامي/ الفردي في ملاحقة الجرائم. وثانيها، النظم القانونية التي أخذت بالنظام التنقيبي/ التحرّي. فيما يلي موجز عن كل من النظاميين:

النظام الإتهامي/ الفردي (إنجلترا)

يفترض هذا النظام المساواة الكاملة بين المجني عليه والمتهم. إذ تشبه الدعوى الجزائية في هذا النظام الدعوى المدنية، فهي نزاع بين خصمين متعادلين، وأحيانا كان يتولى الإدعاء أحد المواطنين بإسم المجتمع، ودور القاضي في هذه المنازعة سلبياً، فهو لا يبذل جهداً في البحث عن الحقيقة، وإنما دوره هو الإستماع إلى الأدلة التي يقدمها طرفا النزاع، ومن ثم الحكم وفقها. ورغبة في تجنب عيوب هذا النظام أنشأ المشرّع الإنجليزي سنة 1879 وظيفة مدير الإدعاء (الملاحقات الجزائية)، ومهمته رفع الدعوى العامة في الجرائم الهامة، إلى جانب هيئات البوليس التي يجوز لها أن تلاحق مرتكب الجرم، توجه إليه الإتهام، وتحيله إلى المحكمة. وحتى في الأحوال التي يتولى فيها مدير الإدعاء الملاحقة الجزائية، قد تتم الملاحقة بواسطة الشرطة. لهذا، تقوم الشرطة وفق هذا النظام بكافة مراحل الكشف عن الجاني، جمع الأدلة، الإتهام، وتمثيل المجتمع أمام المحكمة في فترة المحاكمة.

النظام التنقيبي/ التحرّي (فرنسا)

يختفي في ظل النظام التنقيبي/ التحري دور الفرد أو أقاربه في تحريك الدعوى الجزائية. فقاضي التحقيق في هذا النظام هو الذي يتولى الكشف عن الحقيقة، دون التقيّد بما قدمه الخصوم من أدلة وقرائن. كما أن النائب العام في قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي، الذي يأخذ بهذا النظام، هو الأمين العام على الدعوى الجنائية، والنيابة العامة ومن تفوّضه في بعض إجراءات التحقيق (الضابطة القضائية) لها تأثيرها المباشر على التحقيق، لأنها تساعد سلطة الحكم في الوقوف على الحقيقة. وفي هذا النظام، تضيق الصلاحيات المنوطة بجهاز الشرطة في التحقيق بالجرائم، ويقتصر دورها على مرحلة محدودة، تسمى مرحلة جمع الإستدلالات، ولا تتدخل في أعمال التحقيق الأخرى، إلا بموجب تفويض من جهة التحقيق الأصلية.

فيما يلي عرض موجز عن مفهوم وأهداف الضبط القضائي، التنظيم القانوني لصلاحيات الشرطة كسلطة ضبط قضائي، مأمورو الضبط القضائي وتبعيتهم، صلاحيات ومهام الضبط القضائي، والرقابة القضائية على أعمال الضبط الإداري في مختلف الأنظمة القانونية الرئيسية السائدة في هذا الصدد:

أولاً: مفهـوم وأهــداف الضبــط القضـــائي

تبدأ مهمة مأمور الضبط القضائي حينما تنتهي مهمة مأمور الضبط الإداري. فعندما تفشل سلطات الضبط الإداري في وقاية المجتمع من الجريمة، تتولى سلطات الضبط القضائي مهمتها في الكشف عن مرتكب الجريمة، وجمع الأدلة الكافية لإدانته.

يتفاوت المدى الممنوح لمأموري الضبط القضائي في ممارسة إجراءات الملاحقة الجنائية المختلفة، من خلال الدعوى الجنائية والمراحل الممهدة لها، من تشريع إلى أخر. فمجال وظيفة الضبط القضائي في فرنسا والقوانين التي أخذت عنه تقتصر على جمع الإستدلالات (المعلومات الأولية) اللازمة للتحقيق، وتتصف بأنها إجراءات ممهدة للدعوى الجنائية. وتبقى النيابة العامة الجهة المختصة أصلا بالتحقيق في الجرائم وملاحقتها، ولا يمارسها أفراد الضبط القضائي إلا بناء على ندبهم لعمل أو أكثر من أعمال التحقيق من السلطة المختصة بذلك (النيابة العامة). بينما يعطي القانون الأنجلو أمريكي (إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية) والدول التي أخذت عنه، البوليس سلطات أوسع في التحقيق بالجرائم وملاحقة المجرمين.

من جانب آخر، لا تملك النيابة العامة القدرة الفعلية على القيام بنفسها بكافة الإجراءات الضرورية للتحري عن الجرائم وجمع المعلومات اللازمة عنها، والقبض على مرتكبيها. لهذا، إقتضت الضرورة إنشاء جهاز يعاون النيابة العامة، ويحمل عنها جزء من مشقة البحث عن الجرائم ومرتكبيها، وهي سلطات الضبط القضائي في جهاز الشرطة. غير أن هذا الأمر لا ينطبق إلا على الأنظمة التي تأخذ بنظام الإتهام التنقيبي/ التحريّ، وتحدد موظفين معينين لأغراض التحقيق، وتفصل بينهم وبين من يقومون بوظيفة الإتهام (النيابة العامة). وإذا كان الأصل في نظام الإتهام الفردي أن يقوم الأفراد بأنفسهم بممارسة مهمة الإتهام، إلا أن النظام الإنجليزي، الذي يغلب عليه نظام الإتهام الفردي، أخذ يطعّم هذا النظام بنظام الإتهام التنقيبي/ التحريّ، ويحدد موظفين، هم رجال البوليس ليتولوا الكشف عن الجرائم وإتخاذ الإجراءات اللازمة في الجرائم التي تهم النظام العام.

ثانياً: التنظيم القانوني لصلاحيات الشرطة كسلطة ضبط قضائــي إختلفت الدول في كيفية تنظيم صلاحيات الشرطة كسلطة ضبط قضائي من ناحية تشريعية. فبالرغم من أن معظم الدول ضمّنت الأحكام المتعلقة بهذا الشأن في قانون الإجراءات الجزائية، إلا أن بعضها نصّ على هذه الأحكام في التشريعات المتعلقة بجهاز الشرطة (قانون الشرطة، مثلاً)، وفق الجدول التالي:

جدول رقم (1) القانون المنظم لصلاحيات جهاز الشرطة كسلطة ضبط قضائي

الدولة القانون فرنسا قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1978 هولندا قانون الإجراء الجنائي لسنة 1921 السويد قانون الشرطة رقم 387 لسنة 1984 ألمانيا قانون الإجراء الجنائي أستراليا مجموعة قوانين من بينها: قانون إستجواب الشاهد لسنة 1994، وقانون الشرطة الفيدرالية الأسترالية لسنة 1979 الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة أحكام قانونية، من بينها الأحكام الواردة في قانون إجراءات ما قبل المحاكمة لسنة 1974.

إنجلترا تتوزع صلاحيات جهاز الشرطة على نوعين من القوانين: - القانون العام (Common law). - التشريعات الصادرة عن البرلمان، مثل: قانون السرقة لسنة 1971، قانون محاكم الصلح لسنة 1952، وقانون الجيش لسنة 1955.

ثالثاً: مأمــورو الضبــط القضائـــي

لا يتمتع كافة أعضاء جهاز الشرطة، بالعادة، بصفة مأموري الضبط القضائي، وإنما فئة محدودة منهم من يتمتعون بهذه الصفة. وينقسم الأشخاص الذين يتمتعون بصفة الضبط القضائي بحسب حدود الصلاحيات المنوطة بهم إلى قسمين رئيسيين: مأمورو الضبط القضائي الذين ينحصر إختصاصهم بضبط الجرائم الواقعة في حدود جغرافية معينة، ومأمورو الضبط القضائي الذين ينحصر إختصاصهم في ضبط نوع معين من الجرائم.

1) مأمورو الضبـط القضائــي ذو الإختصــاص المكانـــي

فرنسا

قسّم قانون الإجراءات الفرنسي المعدل بالقانون الصادر في 28 حزيران 1978 أعضاء الضبط القضائي ذو الإختصاص المكاني العام إلى فئتين على النحو التالي:

الفئة الأولى - ضباط الضبط القضائي

حددت المادة 16 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي الأشخاص المشمولين بهذه الفئة، وهم:

1. العمد ومعاونوهم: يعد هؤلاء من الشخصيات السياسية التي أضفى القانون عليها صفة الضبطية القضائية.

2. الضباط وأصحاب الرتب من الحرس الإداري والدركيون الذين أمضوا في وظيفتهم خمس سنوات على الأقل، ولا سيما الذين عينوا بقرارات من وزيري العدل والدفاع.

3. مفوضو الشرطة بالبوليس القومي - وتضم هذه الفئة: أ‌) مفوضو شرطة المدن والهيئات المحلية: يعمل هؤلاء المفوضون في المدن التي يزيد عدد سكانها عن عشرة آلاف مواطن، ويستقلون في ممارسة إختصاصاتهم عن العمد وحكام المقاطعات، وإن كانوا يتبعونهم في بعض الأحيان.

ب‌) مفوضو الشرطة للمعلومات العامة: أنشئت هذه الفئة في بداية عملها بغرض مراقبة محطات السكك الحديدية، ثم تطوّر إختصاصهم وأسند لهم جمع المعلومات عن الجماعات السياسية والنقابية، ومراقبة المطارات والموانيء وميادين السباق.

ت‌) مفوضو الشرطة القضائية: كان إختصاص هذه الفئة في بداية الأمر ينحصر في ملاحقة الجماعات "الشريرة"، ثم تطوّر عملها نتيجة تقسيم فرنسا إلى إثنتي عشرة منطقة، تخضع كل منها لرقابة فرقة تسمى الشرطة المتنقلة.

ث‌) مفوضيات المراقبة الإقليمية: وينحصر عملها في مكافحة أعمال الجاسوسية.

4. ضباط الشرطة في البوليس القومي: يتم إختيار هؤلاء من بين مأموري الضبط القضائي المعاونين الذين أمضوا في الخدمة خمس سنوات على الأقل، بناء على ترشيح لجنة معينة. ويعينون بقرار من وزير العدل أو الداخلية.

5. المراقبون العموميون: تتكون هذه الفئة من كبار الموظفين، مثل مدير ونائب مدير الضبط القضائي التابعين لوزير الداخلية، ومدير ونائب مدير قوّات الحرس الإداري التابعين لوزير الدفاع.

الفئة الثانية: معاونــو الضبــط القضائـــي

ينقسم معاونو الضبط القضائي وفقا للمادتين 20 و21 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي المذكور إلى قسمين:

القسم الأول: عمال الضبط القضائي المذكورين في المادة 20 من قانون الإجراءات الفرنسي المذكور، والتي تشمل "الدركيين" من غير مأموري الضبط القضائي، ومفتشو الشرطة بالبوليس القومي الذين لم يمض على وجودهم بالخدمة أكثر من عامين.

القسم الثاني: عمال الضبط القضائي المعاونون الذين نصّت عليهم المادة 21 من قانون الإجراءات الفرنسي وهم: العاملون في إدارات البوليس من غير المذكورين في المادة 20 سالفة الذكر، وأفراد شرطة البلديات.

بريطانيا

تقسّم الضابطة القضائية في إنجلترا بحسب التنظيم الهيكلي للبوليس بصورة عامة. ولا يجوز للبوليس الخروج على إختصاصه المكاني، إلا في حالة "المطاردة الساخنة" المبنية على حالة الضرورة، أو في حالة السماح بذلك بموجب إذن من قبل المجلس المحلي للمقاطعة.

قُسّم البوليس الإنجليزي كسلطة ضبط قضائي إلى عدة فئات تختص كل منها بممارسة صلاحياتها ضمن نطاق جغرافي معين، بحسب ما جاء في قانون البوليس لسنة 1964 إلى:

1) بوليس مدينة لندن. 2) بوليس منطقة العاصمة: تمارس واجباتها ضمن الحدود الإقليمية المحددة في المادة 76 من قانون حكومة لندن لسنة 1963. 3) بوليس مقاطعة County. 4) بوليس منطقة Combined Area. 5) بوليس منطقة نهر التايمز.

الولايات المتحدة الأمريكية

يتناسق تنظيم البوليس القضائي في الولايات المتحدة الأمريكية مع طبيعة تقسيم الولايات، المدن والمستوى الفيدرالي، على النحو التالي:

5. الشرطة الإتحادية - تنقسم هذه الفئة إلى قسمين:

أ‌) مكتب المباحث الفيدرالية (F.B.I): إلى جانب إختصاصات هذه الفئة بصلاحيات الضبط الإداري ومنع الجريمة، تختص بالبحث الجنائي في جميع الجرائم الإتحادية/ الفيدرالية، وبالبحث في الجرائم الكبرى، كالجاسوسية، التزييف، والتزوير والقضايا المتعلقة بالأمن الداخلي. وذلك وفقا للصلاحيات المحددة لها في القوانين الفيدرالية الصادرة عن الكونجرس الأمريكي.

ب‌) إدارة الهجرة والجنسية: تبحث هذه الفئة في المخالفات المتعلقة بقوانين الهجرة والجنسية وحراسة الحدود لمنع التسلل غير المشروع.

6. شرطة/ بوليس الولاية: يمارس إختصاصه ضمن حدود الولاية، ويقوم بواجب تطبيق قانون الولاية.

7. شرطة المقاطعة: تختص هذه الفئة بواجبات الشرطة وإختصاصاتها ضمن حدود المقاطعة.

8. البوليس المحلي (شرطة البلديات): وهو مقيد بحدود إختصاصه المحلي (حدود البلدية)، وليس له التجاوز إلا في حالة "المطاردة الساخنة".

2. مأمورو الضبط القضائي ذوو الإختصاص النوعي في الأغلب، لا تكون هذه الفئة من مأموري الضابطة القضائية من جهاز الشرطة، وإنما من إدارات الدولة الأخرى. فيما يلي تجارب بعض الدول في تنظيم هذه الفئة من مأموري الضبط القضائي:

فرنسا

أسند المشرّع الفرنسي بموجب المواد 22-29 من قانون الإجراءات الجنائية وعدد من نصوص القوانين الأخرى، إلى بعض الموظفين القيام بوظائف الضبط القضائي. وينحصر إختصاص هؤلاء الموظفين في إثبات الجرائم المتعلقة بأعمال وظائفهم فقط. ومن مثل هذه الفئات ما يلي:

1) فئة الموظفين المختصين بضبط الجنح والمخالفات في الأمور الزراعية والغابات (م22 من قانون الإجراءات الجزائية).

2) فئة الموظفين المختصين بضبط جرائم الإعتداء على المكتبات التي يتولون الحراسة عليها(م 29 من قانون الإجراءات الجزائية).

3) فئة الموظفين المختصين بضبط جرائم صيد السمك وصيد الحيوانات (م 446، 385 من قانون الزراعة).

4) فئة الموظفين المكلّفين بضبط جرائم السكر العام ومخالفات محلات شرب الخمور (م 102 من القانون البلدي الصادر بتاريخ 15/4/1884).

5) فئة الموظفين الذين مُنحو بموجب قوانينهم الخاصة سلطات الضبط القضائي فيما يتعلق بالضرائب المباشرة، التسجيل، الجمارك، البريد والتلغراف، التأمين الإجتماعي، جرائم السكك الحديدية، أعمال الغش، وجرائم الموازيين والمقاييس.

بريطانيــا

عرف القانون الإنجليزي أشخاصا معينين غير عاملين في جهاز الشرطة، يتمتعون بسلطات الضبط في إطار نوعي محدد، ومنهم:

1) مفتشو السفن في عرض النهر ومأمورو الرقابة على صيد الأسماك: يمارس هؤلاء وظيفة البوليس في ضبط الجرائم المتعلقة بالقانون الصادر سنة 1923 المتعلق بصيد السمك ونقاء المياه.

2) بوليس السكة الحديد، الذي يتبع وزارة المواصلات، وبوليس المطارات ويتبع الطيران المدني.

الولايــات المتحـــدة الأمريكيـــة أورد قانون ولاية نيويورك عدة فئات من البوليس ذوي الإختصاص النوعي المحدد وهم:

1) موظفو الضرائب. 2) ضباط المطافيء. 3) ضباط شرطة الأحداث. 4) ضباط الأحراج والغابات. 5) مراقبو إدارة الزراعة والأسواق. 6) مفتشو الصحة.

رابعاً: تبعيــة أفــراد الضبــط القضائـــي لم تتفق تشريعات الدول المختلفة في تنظيمها لتبعية مأمور الضبط القضائي. فبعض القوانين أتبعت أفراد الضبط القضائي في جهاز الشرطة بجهة واحدة مستقلة تستأثر بالهيمنة والسيطرة الرئاسية، بينما أتبعها البعض الآخر من القوانين بتبعية مزدوجة حسب طبيعة الوظائف المسندة إليهم، وفقا لما يلي:

فرنسا

هناك تبعية مزدوجة لرجال البوليس القضائي في فرنسا. فهم من جهة، يتبعون الجهة الإدارية (وزارة الداخلية أو وزارة الحربية) في المسائل الإدارية. ومن جهة أخرى، يخضعون لرقابة وإشراف النيابة العامة فيما يتعلق بأعمالهم القضائية. ففي ظل قانون تحقيق الجنايات الفرنسي كان ضباط البوليس القضائي، يخضعون لرقابة النائب العام، فيما يتعلق بوظيفة الضبط القضائي، وكان له أن ينذرهم عن أي إهمال يصدر عنهم، ويدوّن المخالفة في سجل معد لذلك، وله أن يرفع أمرهم إلى محكمة الإستئناف التي يعمل في دائرتها في حالة العود (التكرار). وللنائب العام أن يكلّف ضباط البوليس القضائي بالحضور أمام "غرفة المشورة" متى صرّحت المحكمة بإمكانية إتخاذ إجراء تأديبي ضدهم. وفي هذه الحالة، يكون لغرفة المشورة أن تلفت نظرهم، وأن تحكم عليهم بمصاريف التكليف بالحضور ومصاريف صورة القرار وإعلانه. وقد تبلورت تبعية البوليس القضائي للنيابة العامة في ظل قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي بنصوص قانونية صريحة. فقد نصّت المادة 38 من القانون المذكور على تبعية البوليس القضائي لرقابة النائب العام، وله أن يكلّفهم بجمع المعلومات التي يراها مفيدة لتطبيق القانون. كما نصّت المواد 44 و 33/ج من ذات القانون على ضرورة إحتفاظ النائب العام بملف شخصي لكل ضابط من ضباط البوليس القضائي الذين يعملون ضمن دائرته.

كما تتمثل مظاهر هذه التبعية في سلطة النيابة العامة في التدخل في أهلية مأمور الضبط القضائي (تحديد قدرته على أداء مهمات مأموري الضبط القضائي)، منح الأهلية، سحب الأهلية، وسلطة تقييم مأمور الضبط القضائي.

ففي مجال التقييم، يُنظّم النائب العام/ وكيل النيابة تقريرا يبين فيه مقدرة ضابط البوليس القضائي على القيام بمهامه. ويأخذ النائب العام بعين الإعتبار قيمة أعمال ضابط البوليس القضائي وأهليته المهنية، وتُرسل نسخة من التقرير إلى المدير الإداري في وزارة الحربية بالنسبة "للجندرمة" الوطنية، أو وزير الداخلية، بالنسبة لضباط البوليس القضائي. ويتضمن ملف ضابط البوليس القضائي، بالإضافة إلى هذه التقارير، كافة الحوادث المتعلقة بتأدية واجباته.

وفي مجال منح الأهلية لمباشرة وظيفة الضبط القضائي، لا يستطيع ضباط البوليس القضائي المشار إليهم في الفقرتين 2 و3 من المادة 16 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي ممارسة وظيفة الضبط القضائي، إلا بتوفر شرطين: الشرط الأول: الإلحاق بوظيفة تتضمن تلك المهام على ضوء قرار من النائب العام.

الشرط الثاني: التمتع بأهلية ممارسة أعمال الضابطة القضائية بقرار من النائب العام عن طريق محكمة الإستئناف.

كما تضمّنت اللائحة التنظيمية الصادرة في 28/9/1966 بالإستناد إلى المادة 16 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي لسنة 1966 سالف الذكر أصول طلب أهلية ممارسة سلطات الضبط القضائي على النحو التالي:

- بالنسبة لضباط البوليس القضائي في الشرطة الوطنية: يقدم طلب الأهلية للنائب العام لدى محكمة الإستئناف التابع لها مقر الضابط من قبل مدير الإدارة التي يتبعها. ويحدد في الطلب المهام الموكولة للضابط والحدود الإقليمية التي يمارس عمله فيها، وإذا كانت الحدود الإقليمية تتجاوز أكثر من دائرة محكمة إستئناف يرفق بالطلب موافقة النائب العام لدى المحكمة الثانية. ويقدم طلب الأهلية إلى نائب عام محكمة إستئناف مدينة باريس عندما يكون الطلب متعلقا بممارسة مهام الضبط القضائي في جميع البلاد. وللنائب العام أن يرفض إجابة الطلب، وفي حالة الموافقة تتضمن الموافقة الوظائف المرتبطة بالأهلية- وحدود وسلطات ضابط البوليس القضائي.

- أما بالنسبة للشرطة الوطنية، فلا يُمنح أهلية ممارسة سلطات الضبط القضائي، إلا الضباط وضباط الصف العاملين ضمن منطقة إقليمية محددة.

من جانب آخر، تُسحب أهلية ممارسة وظيفة الضبط القضائي، إما تلقائيا وإما بناء على طلب من رئيس الدائرة. ويتمتع النائب العام في سحب الأهلية بسلطة تقديرية كاملة، وله أن يكتفي بالتحذير الموجه إلى الضابط عن طريق رؤسائه. أما إذا وجد أن الأخطاء الشخصية التي إرتكبها ضابط البوليس القضائي خطيرة، رفع أمره إلى غرفة المشورة، ويقدم ما تقرره غرفة المشورة لرؤسائه الإداريين.

بريطانيا

ترتبط هيئة البوليس في بريطانيا بوزارة الداخلية بصفة عامة. ومع وجود النائب العام والمدعي العام إلا أنهما لا يملكان أي إشراف أو توجيه للبوليس سواء على أعمالهم القضائية أو على غيرها من الأعمال، بل أن وزارة الداخلية تراقب كلتا الوظيفتين الإدارية والقضائية معاً، وتنظّمها بمنشورات دورية مفسّرة ومبينة لأسلوب الممارسة العملية. ويتولى الرئيس الإداري المباشر لمأمور الضبط القضائي الرقابة المباشرة على مأمور الضبط القضائي في موقع العمل، بحسب التسلسل الوظيفي إلى أن يصل إلى وزير الداخلية. إذ لا يتصل وكيل النيابة العامة بالقضية إلا بعد إتصال القاضي بها، ولا يمارس أية رقابة فعلية على مأموري البوليس، وكل ما يمكن أن يقدمه لهم هو الإستشارات القانونية فقط.

الولايات المتحدة الأمريكية

يتبع بوليس الإدارات الإتحادية الفيدرالية جهات مختلفة. فمكتب التحقيقات الفيدرالي يتبع وزارة العدل، ويتبع مكتب مكافحة الإدمان والمخدرات وزارة الخزانة، بينما تتبع شرطة نيويورك إدارة وإشراف ديوان المحاسبة. كما يتبع بعض أفرع الشرطة المختصين بمكافحة جرائم السطو على البريد والتحري في مخالفات البريد وزارة البريد والإتصالات. أما شرطة الولايات، فيتبع كل قسم منها حاكم المدينة أو العمدة إداريا، وترتبط جزئيا بالمدعي العام الذي يضع الأسس الأولية للإتهام والسير بالدعوى الجنائية.

خامساً: صلاحيــات ومهــام الضبـــط القضائـــي

1) دور الضابطة القضائية في مرحلة جمع الإستدلالات يقصد بمرحلة جمع الإستدلالات تلك المرحلة التي تبدأ منذ وقوع الجريمة وإلى حين تحويل القضية إلى جهة التحقيق الأصلية (نظام التحري/ التنقيب- فرنسا). غير أن بعض النظم القانونية تخلط بين مرحلتي جمع الإستدلالات والتحقيق، وذلك بسبب قيام الشرطة بالمرحلتين معاً (النظام الإتهامي/ الفردي- إنجلترا). فقد خوّلت غالبية القوانين جهاز الشرطة بما له من صلاحيات الضبط القضائي مسؤولية البحث عن الجرائم ومعاينتها ومعرفة فاعليها، فيما يُعرف بمرحلة "جمع الإستدلالات"، في حين إنقسمت تلك القوانين في مسألة التحقيق إلى فريقين: الفريق الأول، الذي لم يمنح رجال الشرطة ممن يتمتعون بسلطة الضبط القضائي صلاحية القيام بأعمال التحقيق بصفة أصلية، إلا في حالة التلبس. والفريق الثاني، الذي منح رجال الشرطة ممن يتمتعون بصفة الضابطة القضائية بسلطات التحقيق بصفة أصلية، دون التوقف عند حالة التلبس.

ففي فرنسا، مثلا، نظّمت المواد 14 و75 من قانون الإجراءات الجزائية سلطات الضبط القضائي في مرحلة جمع الإستدلالات، فنصّت المادة 14 على أنه:" على البوليس القضائي إستخلاص الجرائم من القانون الجنائي، وعليه جمع الإثباتات المتعلقة بها والبحث عن الجناة ما دام التحقيق لم يفتح بعد"، كما خوّل مأمورو الضبط القضائي بموجب المادة 75 من القانون ذاته سلطة القيام بالتحريات اللازمة، إما من تلقاء أنفسهم أو بناء على تعليمات مدعي عام الجمهورية. وبهذا، يكون القانون الفرنسي منح رجال الشرطة ممن يتمتعون بسلطات الضبط القضائي سلطة جمع الإستدلالات فقط، بصورة أصلية.

أما في إنجلترا، فقد فوّض القانون رجال البوليس ممن يتمتعون بصفة الضابطة القضائية بالقيام بالمرحلتين معا: مرحلة جمع الإستدلالات، ومرحلة التحقيق. فقد أصبحت التحريات منذ عام 1842 من عمل البوليس البريطاني، حيث تمر بمرحلتين: مرحلة إكتشاف المجرم، ومرحلة إثبات التهمة، وذلك بجمع الأدلة والإثباتات التي تنسب الجريمة إلى الجاني. إذ تخوّل القاعدة الأولى من قواعد القضاء البوليس القضائي خلال محاولته الكشف عن مرتكبي الجرائم، أن يوجه أسئلة إلى الأشخاص سواء أكان مشتبها بهم أم لا، ويحق للمشتبه بهم أن يرفضوا الإجابة. كما أن إجراءات ما قبل المحاكمة في إنجلترا بالنسبة للجرائم التي لا تتطلب وثيقة رسمية لتحريك الدعوى هي بيد البوليس، حيث يقوم بتقييم تحرياته، ويقرر فيما إذا كان سيتهم أم لا، وغالبا ما يدير رجال البوليس بأنفسهم إجراءات الإتهام أثناء المحاكمة.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، يمارس البوليس سلطة التحري والإستدلال وسلطة التحقيق أيضا بصفة أصلية، وذلك بموجب قانون إجراءات ما قبل المحاكمة لعام 1974. إذ منح البوليس سلطات "إستيقاف" الأشخاص المشتبه بهم، القبض عليهم، التعامل مع الشهود، تفتيش الأشخاص المشتبه بهم، تفتيش المركبات، إلى غير ذلك من الإجراءات المتعلقة بأعمال الإستدلال والتحقيق عامة، إما بصفة أصلية أو بعد الحصول على إذن من القاضي في بعض الأعمال.

2) دور الضابطة القضائية في القبض

أ) القبض في حالة "التلبس"/ الجرم المشهود يختلف مفهوم التلبس بالجريمة بين النظامين الفرنسي والأنجلوأمريكي. إذ ينصرف وصف التلبس في النظام الفرنسي إلى الجريمة ذاتها، في حين ينصرف الوصف في النظام الأنجلو أمريكي إلى الجاني ذاته. وعلى ذلك، إن الفعل أو الأفعال بذاتها هي التي تشكل إنتهاكا للقانون، الأمر الذي يتطلب مشاهدتها أو العلم بها وقت إرتكابها وإدراكها إدراكا سليما، لا أن يجيء العلم بها في مرحلة لاحقة، الأمر الذي يتطلب تواجد رجل البوليس في مسرح الجريمة. كما أن الإتجاه الفقهي الفرنسي يصف الجريمة المتلبس بها بأنها تلك الجريمة التي تُرتكب حالياً أو لحظة الإنتهاء من إرتكابها بصورة معلنة ومكشوفة بحيث تبدو بنتائجها المادية الظاهرة أمام الجميع. في حين ينطبق وصف "التلبس" في النظام الأنجلوأمريكي عندما يشاهد الجاني أثناء إقترافه الجريمة أو عند الإنتهاء من إرتكابها.

فرنسا

جعل المشرّع الفرنسي (المواد 63- 65 قانون الإجراءات الفرنسي) من حالات التلبس مصدرا لتوسيع سلطات مأمور الضبط القضائي، ووسع سلطاته في إجراءات الإحتجاز. إذ سمح القانون المذكور لأفراد الضابطة القضائية بالقبض على الأشخاص مباشرة، ودون حاجة إلى أمر القبض من الجهات المختصة بذلك في جرائم التلبس المعاقب عليها بالحبس، في معرض تخويل هذه الآلية للأشخاص العاديين. فقد نصّت المادة 73 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي على:"لكل فرد أن يقبض على الفاعل في الجريمة المتلبس بها والمعاقب عليها بالحبس ويقتاده إلى أقرب مكتب للبوليس القضائي".

كما تخوّل المادة 61/2 من القانون ذاته مأمور الضبط القضائي سلطة إحتجاز الأفراد بالقوّة في الجرائم المتلبس بها لمن يرى ضرورة التحقق من شخصيتهم، وليس لضباط البوليس القضائي سلطة التحفظ على الأشخاص بالإكراه في غير حالات التلبس بحجة التحقق من شخصيتهم. كما خوّل قانون المرور والنقل الفرنسي مأمور الضبط القضائي سلطة القبض على كل من لا يذعن لمتطلبات تحقيق الشخصية.

بريطانيا

يستمد البوليس الإنجليزي إختصاصه في القبض بدون مذكرة قضائية من نوعين من القوانين يحكمان التنظيم القضائي البريطاني، وهما: 1) القانون العام (Common Law) وهو قانون غير مقنن، ويستند إلى الأحكام المستقرة للقضاء، 2) القانون المكتوب (Statute) وهي القواعد المقنّنة التي وضعت بالطريق التشريعية المعتادة وإعتمدها البرلمان الإنجليزي. وسواء كانت سلطة البوليس القضائي مستمدة من نصوص القانون المكتوب أم من أحكام القانون العام، فإنها تجد سندها في حالتي الضرورة والمطاردة الساخنة بشكل أساسي. فبموجب القانون العام، يجوز للبوليس أن يقوم بالقبض دون أمر قضائي في ثلاث حالات:

أ‌) بناء على مشاهدة الجاني: إذ يملك البوليس سلطة القبض على أي شخص بدون أمر لإرتكابه جريمة الخيانة العظمى أو الإخلال بالأمن العام، ولا يجوز له أن يقبض على أحد دون أمر، إلا إذا إرتكب الجريمة في حضوره، فإذا إنتهى العراك، الذي يعتبر إخلالا بالأمن، أو زال إحتمال تجدّده فقد البوليس سلطته في القبض دون أمر. فقد جاء في القانون العام الإنجليزي (Common Law) سنة 1961 ما يلي:" إن للبوليس ممارسة القبض دون أمر على أي شخص إرتكب في حضوره جنحة مخلة بالأمن العام شريطة أن يتم القبض وقت إرتكاب الجريمة أو على إثر إنتهائها مباشرة أو خلال الأوقات التي يُحتمل ولأسباب معقولة تجدّدها".

ب‌) القبض بناء على إشتباه: يجوز لرجل البوليس أن يقبض على أي شخص دون أمر، إذا إشتبه ولأسباب معقولة بإرتكاب جريمة خيانة، أو أن جراحا خطيرة قد تخلّقت عن جريمته.

ت‌) القبض بناء على إتهام شخص ثالث: يجوز لرجل البوليس ممارسة القبض دون أمر بناء على إتهام شخص ثالث إذا كانت الجريمة المنسوبة إليه من الجنايات، أما إذا كانت الجريمة من الجنح فليس لرجل البوليس أن يقبض على المشتكى عليه، إلا إذا حصل على أمر بذلك من القاضي.

أما بموجب القوانين المكتوبة الصادرة عن البرلمان الإنجليزي، فقد نصّت العديد من القوانين على سلطة البوليس الذاتية (أي دون مذكرة) في القبض على الأشخاص. فقد نصّت المادة 2 من القانون الجنائي لعام 1967 على" يجوز لأي شرطي أن يلقي القبض بدون أمر على أي شخص إذا:

أ‌) إشتبه وبناء على أسباب معقولة بأن جريمة يمكن له القبض على الفاعل فيها قد إرتكبت، ولديه الأسباب المعقولة التي تدعوه للإشتباه بأن ذلك الشخص متهم فيها. ب‌) إشتبه ولأسباب معقولة بأن شخصا على وشك إرتكاب جريمة يقبض من أجلها".

كما خوّل البوليس بموجب قانون السرقة لسنة 1971 القبض دون أمر قضائي، إذا كانت لديه أسباب كافية للإشتباه بأن شخصاً قد إرتكب جريمة خلافا لأحكام هذا القانون، وأنه سيهرب إذا لم يجر القبض عليه فورا، أو إذا زوّده بعنوان لإقامته، لم يقتنع به ولو كانت جريمته غير معاقب عليها بالسجن لمدة تزيد على خمس سنوات.

الولايات المتحدة الأمريكية

الأصل، أنه لا يتم تقييد حرية الأشخاص إلا بناء على أمر صادر من القاضي يخوّل البوليس سلطة إجرائه، إلا أن للبوليس سلطة إتخاذ القرار بالقبض وإجرائه في جرائم الجنايات فقط، إذا توفرت لديه الأسباب المعقولة بأن الجناية قد إرتكبت وأن شخصا معينا قد إرتكبها. ويقوم السبب المعقول عندما تكون الوقائع التي تصل إلى علم رجل الشرطة، والظروف المحيطة بتلك الوقائع من شأنها أن تُقنع "الرجل الحريص" بأن الجريمة قد وقعت.

ومن المقرّر في القانون العام الأمريكي (Common Law) أنه لا يجوز لمأمور الضبط القضائي القبض بدون مذكرة لجنحة إلا إذا كانت مخلة بالأمن، وإرتكبت في حضور رجل البوليس، متى كان بإستطاعته إكتشافها بأي حاسة من حواسه. وهذا الإستثناء تبرره ضرورة العمل الفوري لقمع الإخلال بالأمن ومنع إستمراره. بينما تتوسع تشريعات بعض الولايات في تخويل رجل البوليس سلطة القبض في الجنح، فلا تقصرها على تلك المخلة بالأمن وحدها، بل تجيزها في أي جنحة تقع في حضور رجل الضابطة القضائية. فمثلا، أضاف قانون ولاية ألينوي الأمريكية جنحا أخرى يجوز فيها القبض دون أمر، على أن يضبط مرتكبها متلبسا. ويذهب عدد قليل من الولايات إلى إتجاه وسط بين الإتجاهين السابقين، فيجيز القبض في الجنح عموماً، طالما كانت لدى رجل البوليس مبررات معقولة تكفي للإعتقاد بأن جنحة ما قد إرتكبت، بشرط أن يكون القبض ضروريا لمنع ضرر أكبر أو لمنع المتهم من الهروب. كما جاء تشريع ولاية وسكونسن بحالات إضافية للقبض بدون أمر حينما خوّل البوليس هذه السلطة عندما تتوفر لديه الأسباب المعقولة، التي تدعو إلى الإعتقاد بأن ذلك الشخص قد إرتكب جنحة منتهكا أحكام القوانين السارية، ولن يقبض عليه إذا أجل هذا الإجراء.

ب) القبض في غير حالة التلبس

فرنسا

في غير حالات التلبس بالجريمة، لا يجوز لمأموري الضابطة القضائية القبض على الأشخاص، إلا بموجب أمر صادر عن الجهة المختصة بالتحقيق.

بريطانيا

حددت العديد من القوانين الجهة المختصة بإصدار أمر القبض مثل قانون محاكم الصلح لسنة 1952، وقانون الجيش لسنة 1955. كما يعتبر القانون الجنائي لسنة 1967 القانون العام لتحديد هذه الجهات، إذا خلت القوانين الخاصة من بيانها. فقد حددت المادة 3 من القانون المذكور السلطات التي تملك صلاحية إصدار أوامر القبض، وهم: قضاة الصلح، قضاة الأمن، قضاة محكمة الإستئناف، وقضاة محكمة التاج في المسائل الجنائية. أما الضابطة القضائية، فليس لها صلاحية القبض دون مذكرة في غير حالة التلبس، وإنما تقوم بتنفيذ أمر القبض فقط.

الولايات المتحدة الأمريكية

في غير الحالات المذكورة آنفا في معرض الحديث عن حالة التلبس، لا يجوز أن يقوم رجل الشرطة بالقبض على الأشخاص، إلا بعد الحصول على مذكرة بالقبض من القاضي المختص. ولا يمكن لرجل الشرطة الذي يطلب الحصول على مذكرة القبض من القاضي المختص، إلا بعد أن يؤدي اليمين أمام القاضي، بأنه يعتقد بصورة معقولة/ راهنة بأن من يطلب إصدار مذكرة بحقه هو فاعل أو مساهم في الجرم.

4) دور الضابطة القضائية في تفتيـش الأماكــن والأشخــاص أ) تفتيش الأشخاص

فرنسا

تقضي المادة 307 من نظام الشرطة الفرنسي الصادر في 20 مايو 1903، والمعدل بالمرسوم الصادر في 23 آب 1958 بوجوب تفتيش المقبوض عليه في جناية أو جنحة متلبس بها لضمان السلامة، وضبط أشياء قد تساعد في كشف الحقيقة. ويخوّل القانون الفرنسي ضابط البوليس القضائي سلطة القبض في أحوال التلبس كقاعدة عامة. كما أن التفتيش المستتبع للقبض جائز ونتائجه معتبرة سواء أسفرت عن أدلة في الجريمة مدار القبض أو كشفت عن حالة التلبس بجريمة جديدة. كما يفرّق القانون بين تفتيش الأشخاص كإجراء من إجراءات التحقيق وبين التفتيش الوقائي أو تفتيش الأمن، الذي هو مجرد إجراء بوليسي، وبين حدود الجرائم التي تبرر التفتيش حيث تشترط المادة 76 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي أن تكون الجنحة المبررة للتفتيش معاقب عليها بالحبس.

بريطانيا

لا يوجد في القوانين المكتوبة نص قانوني شامل يخوّل البوليس تفتيش المقبوض عليهم، وإنما يمارس البوليس إجراء تفتيش المقبوض عليهم مستندا للسوابق القضائية المعترف بها كقانون عام(Common law)، والتي تخوّل البوليس سلطة تفتيش الأشخاص، إذا توفر لدى منفذ القبض أسباب كافية تدعوه إلى الإعتقاد، بأن في حيازة المقبوض عليه أسلحة أو أشياء قد تسبب الأذى لنفسه أو لغيره أو تساعد على هربه، أو أن في حيازته أدلة مادية متعلقة بالجريمة مدار القبض، والتي من الممكن أن تقدم أدلة إتهام ضده.

الولايات المتحدة الأمريكية

قضت المحكمة العليا الأمريكية بأن تفتيش المقبوض عليه من قبل سلطات البوليس مسموح به، وغير منتقص للتعديل الرابع من الدستور، سواء كان سند القبض إذناً أو سبباً محتملاً أو نُفّذ القبض بالإستناد إلى سلطات قانونية. كما قضت المحكمة العليا ذاتها بجواز تفتيش المقبوض عليه تفتيشا جسديا كاملاً، ولو كانت طبيعة الجريمة المنسوبة إليه لا تترك أثراً، ودون الحاجة لأن يكون القصد من التفتيش التجريد من الأسلحة، حتى لو قصد البوليس بداءة الحصول على أدلة أو إثباتات أو الكشف عن أشياء تعد حيازتها محظورة. وتمتد قاعدة تفتيش المقبوض عليه لتشمل من تم القبض عليه بموجب أمر قبض، ولو لم يتضمن أمر القبض التفتيش، والمقبوض عليه بمبادرة ذاتية من البوليس طالما أن سند التفتيش واقعة القبض ذاتها.

ب) تفتيش المساكن

حرمة الشخص هي مصدر حرمة المسكن وأساسها، والحماية التي تقررها القوانين ليست لحماية الشخص أو المسكن لذاتهما، وإنما لحماية الحقوق. كما أن الحق الذي يحميه القانون عندما يحرّم إنتهاك حرمة المسكن أو حرمة الشخص هو حق الفرد في أن يمنع الغير من الإطلاع على مظاهر حياته الخاصة.

فرنسا

خوّل القانون الفرنسي ضباط البوليس القضائي سلطة التفتيش في الأماكن والمساكن التي يعتقد بوجود أوراق أو أشياء متعلقة بالجريمة فيها، وذلك دون حاجة إلى اللجوء للنيابة العامة أو قاضي التحقيق لتخويلهم هذه السلطة. وقد حددت المادة 56/1 من قانون الإجراءات الفرنسي الجرائم التي يجوز فيها لضابط البوليس القضائي تفتيش المساكن دون أمر للبحث عن أدلتها "بالجنايات المتلبس بها"، دون المخالفات والجنح. أما في غير حالات التلبس، فقد إشترط القانون لممارسة ضباط البوليس القضائي لسلطة دخول المساكن وتفتيشها في مرحلة التحقيق التمهيدي دون مذكرة من الجهة المختصة بالتحقيق، الحصول على موافقة صريحة ومكتوبة من صاحب المسكن. كما حظرت المادة 76 من الدستور الفرنسي دخول المنازل ليلا إلا في حالات الحريق، الغرق والإستغاثة، حيث نصّت المادة المذكورة على أن" منزل كل مواطن ملجأ حصين لا يجوز دخوله ليلاً إلا في حالات الحريق أو الغرق أو الإستغاثة". وإستقرّت هذه القاعدة في المادة 59 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي التي لا تجيز التفتيش ليلاً، إلا في بعض الأحوال التي نصّ عليها القانون إستثناء.

بريطانيا

ليس في القانون العام أو القوانين المكتوبة ما يخوّل البوليس سلطة تفتيش المساكن بدون أمر تفتيش، صادر عن الجهات المختصة بذلك. أما الجهات المختصة بإصدار أمر القبض، بحسب القانون الجنائي لسنة 1967 فهم: قاضي المصالحات، ضابط البوليس الأعلى في المركز، وقضاة المحكمة العليا.

من جانب آخر، إن التفتيش ليس من بين الأغراض المستهدفة من الأحوال التي يجوز فيها للبوليس دخول المساكن بدون أمر تفتيش. وقد أجمل أحد فقهاء القانون (Devlin) الحالات التي يجوز فيها للبوليس دخول الأماكن الخاصة بدون مذكرة، على ضوء ما ورد في القانون الجنائي لعام 1967 وأحكام القانون العام ((Common law في الحالات التالية: لممارسة سلطاته القانونية في القبض بموجب المادة الثانية من القانون الجنائي لسنة 1967، لتفريق إخلال بالأمن، لمنع الإخلال بالأمن، لملاحقة ساخنة لسجين فار، عندما يخوّل البوليس القضائي بالدخول إلى الأماكن بموجب بعض القوانين، للقبض على متعاركين، أو على أساس حالة من حالات الضرورة.

الولايات المتحدة الأمريكية

حصّن التعديل الدستوري الرابع الأشخاص والمساكن من أي تفتيش أو ضبط غير مسببين، وإشترط ألا يصدر بهما أمر تفتيش إلا بموجب أسباب معقولة. فقد نصّت المادة 210 من قانون إجراءات ما قبل المحاكمة لعام 1975 على أنه:" لا يخوّل أحد بإجراء ضبط أو تفتيش إلا بالإستناد للمواد من 220-270 من هذا القانون". ويتلخص مضمون المواد المذكورة فيما يلي:

أ‌) حالة إصدار أمر التفتيش من جهة قضائية مخوّلة بإصداره بموجب القانون، وبناء على طلب البوليس أو المدعي العام الذي يباشر التحقيق في القضية (م 222).

ب‌) التفتيش تبعاً للقبض القانوني (م 230). ت‌) التفتيش والضبط المستند لرضا صاحب الشيء (م 242). ث‌) التفتيش التنقيبي (م250). ج‌) التفتيش في حالة الضرورة وفي المطارات والتفتيش الجمركي (م 260).

5. ندب الضابطة القضائية من قبل جهة التحقيق الأصلية في التحقيق

الندب هو إجراء صادر عن جهة التحقيق الأصلية، يُفوّض بمقتضاه محققاً آخر أو أحد مأموري الضبط القضائي، لكي يقوم بدلا منه، وبنفس الشروط والحدود التي يتقيد بها، بمباشرة إجراء معين من إجراءات التحقيق التي تدخل ضمن سلطته. وإذا كان الأصل أن يقتصر إختصاص مأمور الضبط القضائي في فرنسا والقوانين العربية التي أخذت عنه، على أعمال جمع الإستدلالات، دون أعمال التحقيق، إلا أن إجراء الندب المسموح به قانوناً، وسّع من الصلاحيات المنوطة بجهاز الشرطة. ويبقى الندب خاضعا لعدة قيود أهمها:

أ‌) الحدود الموضوعية للندب: أجازت المادة 81 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي أن يقوم قاضي التحقيق (الجهة المختصة أصلا بالتحقيق) بندب أحد مأموري الضبط القضائي للقيام بإجراء أو أكثر من إجراءات التحقيق، إذا إستحال عليه القيام بالإجراء بنفسه. وإذا كان الأصل هو جواز الندب في إجراء أي عمل من أعمال التحقيق، إلا أنه يرد على هذا الأصل قيدان جوهريان: الأول، أنه لا يجوز ندب مأمور الضبط القضائي لتحقيق قضية برمتها، وإنما فقط الندب لمباشرة إجراء أو أكثر من إجراءات التحقيق. والقيد الثاني، أنه لا يجوز الندب لإستجواب المتهم (م 152). كما نصت المادة 105 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه لا يجوز لضابط البوليس القضائي الذين يعملون بموجب إنابة قضائية سماع أقوال شاهد توافرت ضده قرائن إتهام قوية، وذلك درءً للتحايل على حظر الندب للإستجواب. وتكمن الحكمة في حظر الندب للإستجواب على حد تعبير الكثير من الفقهاء في أن المشرّع رأى في جهة التحقيق (النيابة العامة أو قاضي التحقيق) ضمانة أكثر لحق الدفاع منها لدى مأمور الضبط القضائي.

ب‌) الحدود المكانية للندب: القاعدة، يجب أن يلتزم الندب بالحدود المكانية لصلاحيات مأمور الضبط القضائي، إلا أن القضاء الفرنسي أجاز الخروج على هذه القاعدة، عندما سمح لجهة التحقيق الأصلية ندب ضباط البوليس القضائي لمباشرة إجراءات التحقيق خارج دائرة إختصاصهم المحلي، وذلك بشرط ألا يتم اللجوء إلى هذا النوع من الندب، إلا في الأحوال الإستثنائية، وضمن القيود التالية:

- إذا وجدت حالة إستعجال. - أن يتضمن أمر الندب جواز خروج مأمور الضبط القضائي خارج حدود إختصاصه المحلي. - أن يصطحب منفذ أمر الندب أحد مأموري الضبط القضائي المختصين محليا عند التنفيذ. - أن يتم إبلاغ النائب العمومي عن الخروج على القواعد العامة مع بيان الأسباب الداعية لذلك.

سادساً: الرقابــة القضائية على أعمـال الضبـط القضائــي تفاوتت الأنظمة القانونية المختلفة في كيفية تعاملها مع الإجراءات المتخذة من قبل مأموري الضبط القضائي المخالفة للأصول الإجرائية السليمة التي نصّت عليها القوانين. فبعضها قضى ببطلان إجراء مأمور الضبط القضائي المخالف للقانون، وبعضها الآخر إعترف بالإجراء المتخذ من قبل مأمور الضبط القضائي غير المتفق مع القانون:

النظام الأول: الإعتراف بالإجراءات غير القانونية المتخذة من قبل مأموري الضابطة القضائية

يعتبر القانون الإنجليزي من القوانين الهامة التي إعترفت بالإجراء غير المتفق مع الأصول القانونية المتخذ من قبل مأمور الضبط القضائي، ولم ترتب عليه البطلان. فقد قضت المحكمة في قضية ليثان سنة 1861 على:" ليست مشكلة كيف حصلت عليه (أي الدليل)، حتى لو كنت قد سرقته، فإنه سيكون مقبولا بين الأدلة". وكذلك لجأ البوليس الإنجليزي سنة 1970 إلى الحيلة، ووضع أحد أفراده في زنزانة مجاورة للزنزانة التي يحتجز فيها إثنين من المشتبه بهم، وذلك للتنصّت على ما يدور بينهم من حديث. وقد إستندت المحكمة إلى المحادثة التي جرت بين المتهمين، ونقلها رجل البوليس المذكور، وقضت بإدانة المتهمين بناء على هذه المحادثة، ودون الإلتفات إلى عدم مشروعية الوسيلة التي تم بموجبها الحصول على المحادثة.

النظام الثاني: بطلان إجراءات مأموري الضبط القضائي المخالفة للقانون

هناك فريق آخر من النظم القانونية التي تأخذ ببطلان أعمال مأموري الضبط القضائي التي أخذت بطريق غير مشروع، وبخاصة فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.

فرنسا

أوجد قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي قواعد لبطلان الإجراءات المخالفة لحقوق الدفاع بالنص المباشر، وأخرى ضمن إطار النظرية العامة للبطلان، عندما يتم مخالفة قاعدة قانونية جوهرية. فقد نصّ قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي في المواد 56، 57، 59، 95، و 96 على بطلان إجراءات تفتيش الأشخاص والأماكن وضبط الأشياء، وبطلان الإجراءات غير المشروعة فيما يتعلق بحقوق الدفاع في مرحلة الإستجواب، وإبلاغ المحامي قبل أي إستجواب، ووضع ملف التحقيق تحت إطلاعه (م 114، و118، 170). كما وضعت المادة 172 من القانون ذاته الإطار العام للبطلان الذاتي لمخالفة قاعدة جوهرية. وذهب القضاء الفرنسي إلى أنه يكفي للقول بالإخلال بقاعدة جوهرية، إذا ما تضمن الإجراء ما يصطدم ومباديء القانون العامة. فقد تكون القاعدة الجوهرية متعلقة بمصلحة الخصوم، أو متعلقة بالنظام العام. وينطبق هذا الجزاء على الإجراء ذاته، طالما أنه غير مشروع، وأيا كان متخذ الإجراء، سواء كانت النيابة العامة أو الضابطة القضائية. الولايات المتحدة الأمريكية

كان القضاء الأمريكي يسير على هدي القانون العام الإنجليزي بعدم بطلان الإجراء غير المشروع. غير أن نقطة التحوّل الرئيسية في هذا التوجه كانت في قضية فيدرالية في العام 1914، والتي قُضي فيها بإستبعاد كل دليل مستمد من تفتيش أو ضبط غير قانونيين. وقد قضت المحكمة العليا بسريان قاعدة إستبعاد الدليل المتحصل بوسائل غير مشروعة على محاكم الولايات سنة 1949 بقولها:" التفتيش أو الضبط غير القانوني يعتبر إنتقاصا من حقوق التعديل الدستوري الرابع ولو كان تطبيقاً لقانون الولاية، وأمن الأشخاص في حياتهم الخاصة ضد تعديلات البوليس وتجاوزاته". كما أن إستبعاد الأدلة المتحصّل عليها عن طريق غير قانوني، ليس قصراً على إجراءات التفتيش التي يقوم بها البوليس، وإنما تشمل كل الإجراءات غير المشروعة المنتجة لأدلة إثبات في القضية الجنائية. فإذا أقدم البوليس على قبض غير قانوني، كان هذا القبض باطلاً، ويبطل معه ما إستُمد منه من أدلة، كالإعتراف والتفتيش. كما كان القضاء الأمريكي يستبعد شهادة الشهود إذا جاء إكتشافهم نتيجة تفتيش باطل. وحكم القضاء بإستبعاد الأدلة المستمدة من معلومات تم الحصول عليها بالإنتقاص من الحقوق الدستورية.

الفصل الثاني

صلاحيات جهاز الشرطة على المستوى المحلي

لا يختلف دور جهاز الشرطة على المستوى المحلي عن دوره على المستوى الدولي في إطاره العام. إذ يتمتع جهاز الشرطة بنوعين من السلطات: سلطات الضبط الإداري، التي تقي المجتمع من الجريمة، وتنفذ الأوامر والقرارات الصادرة بمقتضى القوانين النافذة. وكذلك سلطات الضبط القضائي التي تمنح الشرطة صلاحيات ملاحقة الجرائم والكشف عن المجرمين. هذا بالرغم من إختلاف الأنظمة القانونية العالمية في حدود الصلاحيات المنوطة بجهاز الشرطة في التحقيق.

المبحث الأول: صلاحيات جهـاز الشرطـة كسلطـة ضبـط إداري

أولاً: التنظيم القانوني لصلاحيات الشرطة الفلسطينية كسلطة ضبط إداري

لم تحدد التشريعات النافذة في فلسطين، كغيرها من تشريعات غالبية الدول، المقصود بمفهوم الضبط الإداري، أهدافه، وأغراضه المختلفة، وإنما تضمّنت القوانين النافذة نصوصا عامة مختصرة تحدد المهام الأساسية المنوطة بجهاز الشرطة كسلطة ضبط إداري، والمتمثلة في إتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع وقوع الجرائم والمحافظة على النظام العام، بأغراضه المختلفة (الأمن العام، الصحة العامة، السكينة العامة، والآداب والأخلاق العامة). فقد نصّت المادة 84 من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2003 على:"

1. قوّات الأمن والشرطة قوّة نظاميه وهي القوّة المسلحة في البلاد وتنحصر وظيفتها في الدفاع عن الوطن وخدمة الشعب وحماية المجتمع والسهر على حفظ الأمن والنظام العام والآداب العامة وتؤدي واجبها في الحدود التي رسمها القانون في إحترام كامل للحقوق والحريات.

2. تنظم قوّات الأمن والشرطة بقانون".

وبالرغم من نص القانون الأساسي على تنظيم قوّات الأمن والشرطة بقانون، إلا أنه لم يتم حتى الآن سن أية قوانين بهذا الخصوص، وإنما ظلت القوانين النافذة من السابق، هي السارية المفعول في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية. فقد نصّت المادة 3 من القرار بقانون رقم 6 لسنة 1963 النافذ المفعول في قطاع غزة على:" تختص هيئة الشرطة بالمحافظة على النظام والأمن العام، وعلى الأخص منع الجرائم وضبطها وحماية الأرواح والأعراض والأموال، وتنفيذ ما تفرضه عليها القوانين واللوائح من تكاليف". ونصّت المادة 7 من القانون ذاته على:" يخوّل رجال الشرطة السلطات والإمتيازات المنصوص عليها في هذا القرار بقانون وفي غيره من القوانين الفلسطينية، وذلك للقيام بجميع الواجبات والمسؤوليات المترتبة على وظائفهم". بينما تضمنت المادة 4 من قانون الأمن العام المؤقت الأردني رقم 38 لسنة 1965 النافذ المفعول في الضفة الغربية واجبات الشرطة على النحو التالي:" واجبات القوّة الرئيسية كما يلي:

1) المحافظة على النظام والأمن وحماية الأرواح والأعراض والأموال.

2) منع الجرائم، والعمل على إكتشافها وتعقيبها والقبض على مرتكبيها وتقديمهم للعدالة.

3) إدارة السجون وحراسة السجناء.

4) تنفيذ القوانين والأنظمة والأوامر الرسمية المشروعة، ومعاونة السلطات العامة بتأدية وظائفها وفق أحكام القانون.

5) مراقبة وتنظيم النقل على الطرق.

6) الإشراف على الإجتماعات والمواكب العامة في الطرق والأماكن العامة.

7) القيام بأية واجبات أخرى تفرضها التشاريع المرعية الإجراء".

كما تضمّنت مجموعة من القوانين صلاحيات جهاز الشرطة كسلطة ضبط إداري، من بين هذه القوانين:

1) قانون مراكز الإصلاح والتأهيل الفلسطيني رقم 6 لسنة 1998.

2) قانون الإجتماعات العامة رقم 12 لسنة 1998. 3) قانون المرور رقم 5 لسنة 2000.

ثانيا: التبعية الإدارية لأفراد جهاز الشرطة (الضابطة الإدارية) كانت جميع الأجهزة الأمنية من الناحية الإدارية تتبع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية حتى العام 2002. بتاريخ 27/6/2002، أتخذ رئيس السلطة الوطنية قرارا بإلحاق جهاز الشرطة بوزارة الداخلية، وذلك بناء على ما جاء في خطة الحكومة الفلسطينية لمائة يوم عام 2002. ومع ذلك، لا يزال رئيس السلطة الوطنية، يتمتع بسلطات إدارية واسعة على هذا الجهاز.

ثالثاً: المشكلات العملية في عمل جهاز الشرطة كسلطة ضبط إداري برزت العديد من المشكلات في ممارسة جهاز الشرطة لصلاحياته كسلطة ضبط إداري في مجال حفظ النظام والأمن العام. فقد سجلت الهيئة في تقاريرها السنوية الدورية جملة من التجاوزات التي إرتكبها جهاز الشرطة، وشكلت إعتداء على الحريات والحقوق الأساسية التي تكفلها بالعادة المواثيق الدولية، وتنصّ عليها الدساتير المحلية، تركزت بشكل أساسي في تدخل الجهاز في منع بعض المسيرات والمظاهرات والإجتماعات العامة خلافا للقانون، فقد منعت الشرطة الفلسطينية مسيرة في مدينة غزة بتاريخ 18/10/2002، تأييدا للشعب العراقي. وأغلقت الشرطة في العام 2001 عددا كبيرا من الجمعيات الخيرية والأهلية والصحف، مثل جمعية النور الخيرية لرعاية الأسرى وأسر الشهداء/ مدينة غزة، ومركز البراق للدراسات والأبحاث/ مدينة رام الله. وأصدر مدير عام الشرطة بتاريخ 31/10/2001، قرارا يقضي بحبس خمسة مواطنين إداريا لمدة ستة أشهر، مخالفة القواعد النموذجية في إستخدام السلاح، وعدم قيام جهاز الشرطة بالدور المنوط به في حفظ النظام والأمن العام، ما نجم عنه الكثير من مظاهر الفلتان الأمني.

رابعاً: الرقابة القضائية على أعمال الشرطة كسلطة ضبط إداري يعتبر كل ما يصدر عن جهاز الشرطة كسلطة ضبط إداري في صورة أوامر أو تعليمات أو قرارات في حكم القرارات الإدارية التي تخضع لرقابة القضاء الإداري الفلسطيني (محكمة العدل العليا). إذ يملك كل شخص تضرّر من إحدى القرارات أو الأنظمة أو اللوائح الصادرة عن إحدى الإدارات أو الموظفين في جهاز الشرطة المطالبة بإلغاء تلك القرارات. فقد حدّدت المادة 33 من قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 5 لسنة 2001 الصلاحيات المنوطة بمحكمة العدل العليا، ومن بينها:

1. النظر في الطلبات التي يقدمها ذوو الشأن بإلغاء اللوائح أو الأنظمة أو القرارات الإدارية النهائية الماسة بالأشخاص أو الأموال الصادرة عن أشخاص القانون العام.

2. الطلبات التي هي من نوع المعارضة في الحبس التي يطلب فيها إصدار أوامر الإفراج عن الأشخاص الموقوفين بوجه غير مشروع.

3. رفض الجهة الإدارية أو إمتناعها عن إتخاذ أي قرار كان يجب إتخاذه وفقا لأحكام القوانين أو الأنظمة المعمول بها.

4. أية أمور أخرى ترفع إليها بموجب أحكام القانون.

كما أوضحت المادة 34 من القانون ذاته الأسباب التي يمكن الإستناد إليها في الطلب من المحكمة إلغاء القرار أو الإجراء المتخذ من الجهة الإدارية المطعون في قرارها (جهاز الشرطة، مثلا). فقد نصّت المادة المذكورة على أنه:" يشترط في الطلبات والطعون المرفوعة لمحكمة العدل العليا من الأفراد أو الهيئات الواردة في المادة 33 من هذا القانون أن يكون سبب الطعن متعلقا بواحد أو أكثر مما يلي:

1. الإختصاص. 2. وجود عيب في الشكل. 3. مخالفة القوانين أو اللوائح أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها.

4. التعسف أو الإنحراف في إستعمال السلطة على الوجه المبين في القانون".

المبحث الثاني: صلاحيات جهـاز الشرطة كسلطـة ضبـط قضائي

إلى جانب الصفة التي يتمتع بها جهاز الشرطة كسلطة ضبط إداري، يتمتع قسم منهم أيضا بصفة الضابطة القضائية، التي تختص بالكشف عن المجرمين وملاحقتهم، ومعاونة النيابة العامة في بعض سلطات التحقيق في الجرائم، إما بصفة أصلية، أو بصفتهم منتدبين من قبلها للقيام ببعض أعمال التحقيق. وتقترب المهام المنوطة بجهاز الشرطة كسلطة ضبط قضائي من المهام التي يؤديها جهاز الشرطة في فرنسا والدول التي أخذت عنها، وذلك من حيث طبيعة المهام وحدود الصلاحيات المنوطة بهذا الجهاز.

أولا: مأمـورو الضبــط القضائــي وتبعيتهــم

حدّدت المادة 21 من قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني رقم 3 لسنة 2001 الأشخاص الذين يتمتعون بصفة الضبط القضائي، وحصرتهم في الفئات التالية:

1. مدير الشرطة ونوابه ومساعدوه ومديرو شرطة المحافظات والإدارات العامة.

2. ضباط وضباط صف الشرطة، كل في دائرة إختصاصه. لكن ليس كل من يحملون هذه الرتب في جهاز الشرطة يتمتعون بحكم رتبتهم بصفة الضبطية القضائية، وإنما من يتم منحه هذه الصفة فقط.

3. رؤساء المراكب البحرية والجوية.

4. الموظفون الذين خوّلوا صلاحيات الضبط القضائي بموجب قوانين أخرى. وفي الأغلب، لا تكون هذه الفئة من بين أفراد الشرطة، وإنما من موظفي الإدارة الأخرى، وتنصّ عليهم القوانين ذات العلاقة. فمثلا، نصّت المادة 28 من قانون حماية الثروة الحيوانية على:" لغاية تنفيذ أحكام هذا القانون يكون للأطباء البيطريين التابعين للمديرية المختصة ولمعاونيهم صفة الضبطية القضائية ولهم في سبيل ذلك الدخول إلى الأماكن التي يوجد بها حيوانات – عدا الأماكن المخصصة للسكن- للتفتيش عليها وضبط ما يوجد بها من مخالفات وإتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها ولهم في سبيل أداء مهامهم الإستعانة برجال الشرطة عند الحاجة". كما نصّت المادة 20 من قانون دمغ ومراقبة المعادن الثمينة رقم 6 لسنة 1998:" يعتبر موظفو الجهة المختصة المفوضون من رجال الضبطية القضائية ويعمل بتقاريرهم وفقاً لهذه الصفة، وعلى جميع الجهات الحكومية أن تقدم لهم المساعدة للقيام بأعمال وظيفتهم".

تبعيــة النيابــة العامــــة

ألحق القانون المذكور أفراد الضابطة القضائية فيما يمارسونه من أعمال بالنيابة العامة. فقد نصّت المادة 19/1 من القانون المذكور على:" يتولى أعضاء النيابة العامة مهام الضبط القضائي والإشراف على مأموري الضبط كل في دائرة إختصاصه". ونصّت المادة 20 من القانون ذاته على:" 1- يشرف النائب العام على مأموري الضبط القضائي، ويخضعون لمراقبته فيما يتعلق بأعمال وظيفتهم. 2- للنائب العام أن يطلب من الجهات المختصة إتخاذ الإجراءات التأديبية بحق كل من يقع منه مخالفة لواجباته أو تقصير في عمله، ولا يمنع ذلك من مساءلته جزائيا". كما نصّت المادة 69 من قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002 على أنه:" أعضاء (مأمورو) الضبط القضائي يكونون فيما يتعلق بأعمال وظائفهم تابعين للنيابة العامة".

من جانب آخر، حصرت المادة 54 من نفس القانون إختصاص رفع الدعوى الجزائية على مأمور الضبط القضائي لجناية أو جنحة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها في النائب العام أو مساعده فقط.

ثانياً: صلاحيات ومهام جهاز الشرطة كسلطة ضبط قضائي

يختص مأمورو الضبط القضائي بموجب المادة 22 من قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني بما يلي:

أ‌. قبول البلاغات والشكاوى التي ترد إليهم بشأن الجرائم، وعرضها دون تأخير على النيابة العامة.

ب‌. إجراء الكشف والمعاينة والحصول على الإيضاحات اللازمة لتسهيل التحقيق، والإستعانة بالخبراء المختصين والشهود دون حلف يمين.

ت‌. إتخاذ جميع الوسائل اللازمة للمحافظة على أدلة الجريمة.

ث‌. إثبات جميع الإجراءات التي يقومون بها في محاضر رسمية بعد توقيعها منهم ومن المعنيين بها.

وبصورة خاصة، يختص مأمورو الضبط القضائي بما يلي:

1) دور الضابطة القضائية في جمع الإستدلالات خوّل قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني رقم 3 لسنة 2001 مأمورو الضبط القضائي بالبحث والتقصي عن الجرائم وجمع الإستدلالات اللازمة للتحقيق. فقد نصّت المادة 19/2 من القانون المذكور على:" يتولى مأمورو الضبط القضائي البحث والإستقصاء عن الجرائم ومرتكبيها وجمع الإستدلالات التي تلزم للتحقيق في الدعوى". كما سمح القانون ذاته للنيابة العامة، أن تحيل الدعوى الجنائية إلى المحكمة المختصة دون أن تقوم بأي تحقيقات، وإنما تستند فقط إلى محضر جمع الإستدلالات المعد من قبل مأمور الضبط القضائي. إذ نصّت المادة 53 من القانون ذاته على:" إذا رأت النيابة العامة في مواد المخالفات والجنح أن الدعوى صالحة لإقامتها بناء على محضر جمع الإستدلالات تكلّف المتهم بالحضور مباشرة أمام المحكمة المختصة".

2) دور مأموري الضبط القضائي في حالة التلبس عالجت المواد 26، 27، و28 من قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني سالف الذكر دور الضبط القضائي في حالة التلبس بالجرائم. فقد نصّت المادة 27 من القانون المذكور على:" يجب على مأمور الضبط القضائي في حالة التلبس بجناية أو جنحة أن ينتقل فورا إلى مكان الجريمة، ويعاين الآثار المادية لها ويتحفظ عليها، ويثبت حالة الأماكن والأشخاص وكل ما يفيد في كشف الحقيقة، ويسمع أقوال من كان حاضرا أو من يمكن الحصول منه على إيضاحات في شأن الجريمة ومرتكبيها، ويجب عليه أن يخطر النيابة العامة فورا بإنتقاله، ويجب على عضو النيابة المختص بمجرد إخطاره بجناية متلبس بها الإنتقال فورا إلى مكان الجريمة". أما المادة 28 فنصّت على أنه:" 1- لمأمور الضبط القضائي عند إنتقاله في حالة التلبس بالجرائم أن يمنع الحاضرين من مبارحة مكان الجريمة أو الإبتعاد عنها حتى يتم تحرير المحضر، وله أن يحضر في الحال من يمكن الحصول منه على إيضاحات في شأن الواقعة". بينما حدّدت المادة 26 من القانون المذكور ذاته الأحوال التي تتحقق فيها حالة التلبس، فنصّت على أنه:" تكون الجريمة متلبساً بها في إحدى الحالات التالية:

أ‌) حال إرتكابها أو عقب إرتكابها ببرهة وجيزة. ب‌) إذا تبع المجني عليه مرتكبها أو تبعه العامة بصخب أو صياح إثر وقوعها.

ت‌) إذا وجد مرتكبها بعد وقوعها بوقت قريب حاملا آلات أو أسلحة أو أمتعة أو أوراقاً أو أشياءً أخرى يستدل منها على أنه فاعل أو شريك فيها، أو إذا وجدت به في هذا الوقت آثار أو علامات تفيد ذلك".

3) دور الضابطة القضائية في القبض على الأشخاص وتوقيفهم نصّت المادة 30 من قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني سالف الذكر على أن:" لمأمور الضبط القضائي أن يقبض بلا مذكرة على أي شخص حاضر توجد دلائل على إتهامه في الأحوال التالية:

1. حالة التلبس في الجنايات أو الجنح التي تستوجب عقوبة الحبس مدة تزيد على ستة أشهر.

2. إذا عارض مأمور الضبط القضائي أثناء قيامه بواجبات وظيفته أو كان موقوفا بوجه مشروع وفر أو حاول الفرار من مكان التوقيف.

3. إذا إرتكب جرما أو أتهم أمامه بإرتكاب جريمة، ورفض إعطاءه إسمه أو عنوانه أو لم يكن له مكان سكن معروف أو ثابت في فلسطين.

أما إذا لم يكن المتهم في الحالات السابقة حاضرا، أو وجد مأمور الضبط القضائي دلائل كافية تستدعي القبض عليه جاز له أن يطلب من النيابة العامة إصدار مذكرة القبض. فقد نصّت المادة 31 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه:"

1. إذا لم يكن المتهم حاضراً في الأحوال المبينة في المادة السابقة يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يستصدر أمراً بالقبض عليه وإحضاره ويدون ذلك في المحضر.

2. إذا وجدت دلائل كافية على إتهام شخص بإرتكاب جناية أو جنحة تزيد عقوبتها على الحبس ستة أشهر، جاز لمأمور الضبط القضائي أن يطلب من النيابة العامة إصدار أمر بالقبض عليه".

وفي جميع الأحوال التي يجوز فيها لمأمور الضبط القضائي القبض على الأشخاص وتوقيفهم مؤقتا، يتوجب عليه بموجب المادة 34 أن يسمع فورا أقوال المقبوض عليه، فإذا لم يأت المقبوض عليه بمبرر إطلاق سراحه يرسله مأمور الضبط القضائي خلال أربع وعشرين ساعة إلى وكيل النيابة المختص. وقد حددت المواد 35، 36 من القانون ذاته بعض الإجراءات التي يجوز لمأمور الضبط القضائي إتخاذها إذا أبدى المقبوض عليه مقاومة أو حاول الفرار، ومنها إستعمال "جميع الوسائل المعقولة الضرورية" للقبض عليه، كما يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يجرّد المقبوض عليه من الأسلحة والأدوات التي يجدها بحوزته، وأن يسلّمها إلى الجهة المختصة التي يقضي القانون بإحضار المقبوض عليه أمامها.

كما عالجت المواد 115- 117 من قانون الإجراءات الجزائية طبيعة السلطات المنوطة برجل الشرطة في حال القبض على أحد الأشخاص دون مذكرة إحضار. فنصّت المادة 115 على أنه:" على مأمور الضبط القضائي أن يسلّم المقبوض عليه فورا إلى مركز الشرطة"، ونصت المادة 116 على:" يتولى المسؤول عن مركز الشرطة الذي إستلم المقبوض عليه دون مذكرة إحضار التحقيق فورا في أسباب القبض". كما عالجت المادة 117 الأحوال التي يجوز فيها أن تقوم الشرطة بالتحفظ على المقبوض عليه وشروط ذلك، فنصّت على أنه:"1- على المسؤول عن مركز الشرطة أن يتحفظ على المقبوض عليه إذا ما تبين له:

أ. أنه إرتكب جناية وفر أو حاول الفرار من المكان الموقوف فيه.

ب. أنه إرتكب جنحة وليس له محل إقامة معروف أو ثابت في فلسطين.

2- لا يجوز أن تزيد مدة التحفظ في جميع الأحوال على أربع وعشرين ساعة ويتم إبلاغ النيابة العامة بذلك فوراً".

4) دور الضابطة القضائية في تفتيش الأماكن والأشخاص

أ) تفتيش الأشخاص

أجازت المادة 38 من قانون الإجراءات الجزائية لمأمور الضبط القضائي في الأحوال التي يجوز فيها قانوناً القبض على المتهم، أن يفتشه ويحرّر قائمة بالمضبوطات يوقعها والمقبوض عليه ويضعها في المكان المخصص لذلك، ويسلّم نسخة منها إلى المقبوض عليه.

ب) تفتيش المنازل

منع قانون الإجراءات الجزائية الضابطة القضائية من دخول المنازل وتفتيشها إلا بعد الحصول على مذكرة بذلك من النيابة العامة، وذلك لأن التفتيش عمل من أعمال التحقيق وليس من أعمال جمع الإستدلالات. فقد نصّت المادة 39 من القانون المذكور على أن:" 1- دخول المنازل وتفتيشها عمل من أعمال التحقيق لا يتم إلا بمذكرة من قبل النيابة العامة أو في حضورها، بناء على إتهام موجه إلى شخص يقيم في المنزل المراد تفتيشه بإرتكاب جناية أو جنحة أو بإشتراكه في إرتكابها، أو لوجود قرائن قوية على أنه يحوز أشياء تتعلق بالجريمة... 3- تحرر المذكرة بإسم واحد أو أكثر من مأموري الضبط القضائي". كما أجازت المادة 49 من القانون لمأموري الضبط القضائي، في حال قيامهم بواجباتهم، الإستعانة بقوّات من الشرطة أو القوّة العسكرية. وأوضحت المواد 40 و50 من نفس القانون بعض الأصول الواجب مراعاتها في التفتيش. فقد نصّت المادة 40 المذكورة على:" توقع مذكرات التفتيش من عضو النيابة المختص وتشمل ما يلي:

1) إسم صاحب المنزل المراد تفتيشه وشهرته. 2) عنوان المنزل المراد تفتيشه. 3) الغرض من التفتيش. 4) إسم مأمور الضبط القضائي المصرح له بالتفتيش. 5) المدة التي تسري خلالها مذكرة التفتيش. 6) تاريخ وساعة إصدارها".

كما أوضحت المادة 50 المذكورة الأصول التي يتوجب على مأمور الضبط القضائي أن يحترمها لدى قيامه بالتفتيش وفق الصلاحيات الممنوحة في القانون، فنصّت على:"

أ‌) لا يجوز التفتيش إلا عن الأشياء الخاصة بالجريمة الجاري التحقيق بشأنها. ومع ذلك، إذا ظهر عرضا أثناء التفتيش وجود أشياء تعد حيازتها في حد ذاتها جريمة، أو تفيد بكشف الحقيقة في جريمة أخرى، جاز لمأمور الضبط القضائي ضبطها.

ب‌) يتم ضبط جميع الأشياء التي يعثر عليها أثناء إجراء التفتيش والمتعلقة بالجريمة وتحرز وتحفظ وتثبت في محضر التفتيش وتحال إلى الجهات المختصة.

ت‌) إذا وجدت في المنزل الذي يتم تفتيشه أوراق مختومة أو مغلقة بأية طريقة أخرى فلا يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يفضها. ث‌) يحرر محضر التفتيش من قبل القائم عليه، ويذكر فيه الأشياء التي تم ضبطها والأمكنة التي وجدت فيها ويوقع عليه ومن حضر إجراءات التفتيش".

2) تفويض الضابطة القضائية بالتحقيق من قبل الجهة المختصة بالتحقيق

الأصل، أن تقوم النيابة العامة بعملية التحقيق في الجرائم بعد تحويل القضية إليها مع محضر جمع الإستدلالات من قبل الضابطة القضائية، إلا أنه يجوز لجهة التحقيق (النائب العام أو وكيل النيابة) تفويض أحد مأموري الضبط القضائي بأي إجراء من إجراءات التحقيق، عدا الإستجواب في قضايا الجنايات. فقد عالجت المادة 55 من قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني موضوع تفويض (ندب) مأموري الضبط القضائي للقيام بعمل من أعمال التحقيق، ونصّت على أنه:" 2- للنائب العام أو وكيل النيابة العامة المختص تفويض أحد أعضاء الضبط القضائي المختص بالقيام بأي من أعمال التحقيق في دعوى محددة، وذلك عدا إستجواب المتهم قي مواد الجنايات 3- لا يجوز أن يكون التفويض عاماً. 4- يتمتع المفوض في حدود تفويضه بجميع السلطات المخوّلة لوكيل النيابة". وبهذا، يخضع تفويض مأموري الضبط القضائي في التحقيق في الجرائم، بحسب النص المذكور إلى عدد من القيود:

1) لا يجوز ندب مأمور الضبط القضائي في إستجواب المتهم في الجرائم من نوع جناية. لكن في المقابل، يبقى من الجائز تفويض الضابطة القضائية بإستجواب المتهم في الجرائم من نوع الجنح.

2) لا يجوز لجهة التحقيق تفويض مأمور الضبط القضائي تفويضاً عاماً بالتحقيق في الجرائم التي قد يكون الجاني إرتكبها، ودون تحديد حادثة بعينها في أمر التفويض.

3) يتقيد مأمور الضبط القضائي في ممارسته لأعمال التحقيق بالحدود التي للجهة المفوّضة في التحقيق.

ثالثاً: المشكلات العملية في عمل جهاز الشرطة كسلطة ضبط قضائي غلب على المشكلات التي ظهرت في ممارسة جهاز الشرطة لصلاحياته كسلطة ضبط قضائي جملة من المشاكل، تركزت معظمها في الجانب العملي، وتمثلت فيما يلي:

1) عدم وجود معرفة أو فهم مشترك لأحكام القانون لدى ضباط الشرطة لا يوجد معرفة أو فهم مشترك بين ضباط الشرطة الذين يحملون صفة الضابطة القضائية في المدن والمحافظات الفلسطينية لطبيعة الصلاحيات والمهام المنوطة بهم. فمثلا، تقوم بعض مراكز التحقيق التابعة لجهاز الشرطة بإبلاغ وكيل النيابة في منطقتهم بالجرائم التي تقيّد ضد مجهول، ولا تتوصل فيها الشرطة إلى الفاعل الحقيقي للجريمة، بينما لا تقوم مراكز أخرى بإبلاغ النيابة العامة بهذا النوع من القضايا، وذلك بسبب عدم قبول النيابة العامة لها، وذلك بحجة عدم إكتمال المعلومات والتحقيقات اللازمة عن موضوع القضية من قبل جهاز الشرطة. هذا مع العلم أن النيابة العامة هي الجهة الأصلية المكلّفة بالتحقيق في الجرائم بالتعاون مع مأموري الضبط القضائي في جهاز الشرطة.

2) طغيان الواقع العملي على النصوص القانونية طغى الواقع العملي على تحليل بعض النصوص القانونية. فمثلا، يختلف بعض مأموري الضبط القضائي في جهاز الشرطة حول تفسير المادة 34 من قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني النافذ التي تنصّ على:" يجب على مأمور الضبط القضائي أن يسمع فورا أقوال المقبوض عليه، فإذا لم يأت بمبرر إطلاق سراحه يرسله خلال أربع وعشرين ساعة إلى وكيل النيابة المختص". ويختلفون بشكل أساسي في مدى كفاية مدة الـ 24 ساعة المذكورة لسماع أقوال الشخص المقبوض عليه قبل تحويله إلى النيابة العامة أو إطلاق سراحه: الرأي الأول: يرى أن مدة 24 ساعة كافية لسماع أقوال المقبوض عليه، ومن ثم إحالته إلى النيابة العامة إذا وجد مقتضى لذلك. وينطلق هذا الرأي من أن قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني جعل النيابة العامة صاحبة الإختصاص الأصيل في التحقيق بالجرائم، وأناط بالضابطة القضائية صلاحيات محدودة في التحقيق. وبهذا، تكفي مدة 24 ساعة لمأموري الضبط القضائي من أجل أخذ إفادة من المتهم، وأخذ المعلومات الأولية في القضية.

الرأي الثاني: يرى أن مدة 24 ساعة غير كافية لسماع أقوال المقبوض عليه وإحالته للنيابة العامة، وأن هذه المدة بحاجة إلى زيادة. وينطلق هذا الرأي من الواقع العملي لعمل مأموري الضبط القضائي، حيث يقوم هؤلاء بالكثير من الإجراءات التي تندرج ضمن أعمال التحقيق في الجرائم، برغم أنها ليست من إختصاصهم الأصيل، وكان المفروض أن تقوم بها النيابة العامة. ويعود قيامهم بهذه الإجراءات إلى أن النيابة العامة ترفض قبول ملف أية قضية من الضابطة القضائية في جهاز الشرطة، ما لم يتضمن ملف القضية المعلومات والتحقيقات الكاملة اللازمة للإدانة. وفي هذه الحالة، لا تكفي مدة 24 ساعة للقيام بكافة الإجراءات اللازمة، والتي تكفل عدم إعادة ملف القضية من النيابة العامة.

3) توسع الدور الذي يمارسه جهاز الشرطة

بالرغم من أن قانون الإجراءات الجزائية رقم 3 لسنة 2001 يتبنى النظام اللاتيني، الذي يضيّق من الدور المنوط بجهاز الشرطة بصفة أصلية في الكشف عن الجرائم والتحقيق فيها وملاحقة المجرمين والقبض عليهم، إلا أن جهاز الشرطة يمارس بالفعل كثير من الصلاحيات في هذا المجال، بعضها وفق إجراءات قانونية سليمة، وكثير منها وفق إجراءات غير قانونية، ولا تنسجم مع الأسس التي فرضها قانون الإجراءات الجزائية. وعلى وجه الخصوص، يمارس الجهاز كثير من الصلاحيات المنوطة أصلا بالنيابة العامة بموجب تفويض شفوي (ندب) تشوبه كثير من الإشكاليات القانونية.

4) العمل وفق تفويضات بالتحقيق في الجرائم لا تنسجم مع أحكام القانون

يمارس جهاز الشرطة مهمة التحقيق في الجرائم، بصفة إستثنائية، بموجب تفويض من النيابة العامة، غير أن هذه التفويضات غير مستوفية للشروط القانونية، ويشوبها العديد من الإشكالات القانونية، أهمها:

أ‌) التفويض الشفوي: في أغلب الأحيان، لا يحصل ضابط الشرطة القائم بالتحقيق على تفويض مكتوب من النيابة العامة للتحقيق في الجريمة، وإنما يحصل على تفويض شفوي عبر الهاتف، وبعد ذلك يقوم وكيل النيابة المختص بوضع التفويض المكتوب عندما يصله ملف القضية الكامل من جهاز الشرطة، وذلك لتسوية الأمور القانونية المتعلقة بالتفويض قبل وصول الملف إلى القضاء.

وبما أن التفويض يتم شفويا، فهذا يعني أنه لا يحدد الشروط المختلفة المتعلقة بالتفويض، وعلى وجه الخصوص الإجراء محل التفويض، الشخص المفوّض بتنفيذ الإجراء التحقيقي، ومدة التفويض. مما يسمح بوقوع تجاوزات مختلفة من قبل مأموري الضبط القضائي في جهاز الشرطة في تنفيذ أمر التفويض، ويحد من قدرة النيابة العامة في الرقابة على تنفيذ مأموري الضبط القضائي للتفويض.

ب‌) التفويض العام: بالرغم من عدم قانونية التفويض العام بنص صريح وواضح في قانون الإجراءات الجزائية، إلا أن نسبة كبيرة من التفويضات التي تتم بالفعل تكون من هذا النوع. ففي بعض الأحوال، لا تفوّض النيابة العامة مأمور الضبط القضائي في جهاز الشرطة بالقيام بعمل معين من أعمال التحقيق في الجريمة، وأنما يفوّض تفويضا عاما للتحقيق في الجريمة بأكملها، وعندما تنهي الشرطة ملف التحقيق بالكامل، ترسله الى النيابة العامة. وهناك حالات ترفض فيها النيابة العامة قبول ملف القضية من جهاز الشرطة، إذا لم تكن التحقيقات في القضية مكتملة. يبدو أن مرد ذلك يعود إلى ما إعتادته النيابة العامة من إعطاء مأموري الضبط القضائي تفويض عام مفتوح أو على بياض للتحقيق في معظم الإجراءات المتعلقة بالجرم.

ت‌) الإستجواب: بالرغم من أن القانون منع تفويض أعضاء الضبط القضائي في إستجواب المتهم في الجرائم المصنّفة "جناية"، إلا أن جهاز الشرطة يقوم بالعادة بأخذ أقوال المتهمين على هيئة إستجواب، لكن دون حلف اليمين، وفي صيغة ما يطلق عليه قانونا "أخذ إفادة". ولا يقلل من حجم هذه المخالفة القول بأن الإعتراف الذي يتم في هذه الإفادة لا يقبل لدى المحكمة إلا إذا قدمت النيابة العامة ما يثبت أن الإعتراف تم طوعا وإختيارا بحسب المادة 227 من قانون الإجراءات الجزائية.

5. ضعف رقابة النيابة العامة على الضابطة القضائية بالرغم من أن الضابطة القضائية تتبع من الناحية الفنية النيابة العامة، إلا أنها لا تخضع إلى رقابة حقيقية من قبلها. كما يسود إعتقاد مبرر لدى بعض أعضاء الضبط القضائي بأنهم الأقدر من الناحية العملية على التحقيق في الجرائم من غيرهم من وكلاء النيابة العامة. ويعود السبب وراء وجود مثل هذا الإعتقاد لدى أعضاء الضبط القضائي إلى قيامهم بالجزء الأكبر من أعمال التحقيق في الجرائم، سواء بصفة أصلية أو بصفة إستثنائية، بموجب تفويض من جهة التحقيق الأصلية (النيابة العامة).

6. تدخل أجهزة أمنية أخرى في عمل جهاز الشرطة تقوم أجهزة أمنية أخرى، مثل جهاز الأمن الوقائي، بعمل جهاز الشرطة، كسلطة ضبط قضائي. فتلاحق المجرمين أو المتهمين، وتقبض عليهم، وتحقق معهم، وذلك دون وجود الأساس القانوني الذي يمنحهم صفة الضابطة القضائية، هذا الأمر الذي أدى إلى إفلات العديد من المجرمين من العقاب نتيجة عدم قانونية الإجراءات المتبعة في التحقيق معهم.

رابعا: الرقابة القضائية على أعمال الشرطة كسلطة ضبط قضائي لم يتضمن قانون الإجراءات الجنائية الفلسطيني حكماً عاماً حول قاعدة بطلان الإجراءات المتخذة من قبل النيابة العامة أو الضابطة القضائية عندما لا تلتزم هذه الجهات في ممارسة مهامها بأحكام هذا القانون. إلا أن القانون تضمن نصا يقضي ببطلان الإجراءات المخالفة للقانون، عندما تتعلق هذه الإجراءات بموضوع تفتيش المنازل أو ضبط الموجودات فيها. فقد نصّت المادة 52 من القانون المذكور على:" يترتب البطلان على عدم مراعاة أي حكم من أحكام هذا الفصل (الفصل الخاص بالتفتيش)". كما يجوز للمحكمة عدم قبول المحاضر المعدة من مأموري الضبط القضائي إذا ثبت لها عدم صحة الوقائع الواردة فيها. فقد نصت المادة 212 من القانون المذكور على أنه:" تعتبر المحاضر التي ينظمها مأمورو الضبط القضائي في الجنح والمخالفات المكلّفون بإثباتها بموجب أحكام القوانين حجة بالنسبة للوقائع المثبتة فيها إلى أن يثبت ما ينفيها".

خاتمــة: خلاصــــة وتوصيــــات

يتمتع جهاز الشرطة بصورة عامة بنوعين من السلطات: سلطات الضبط الإداري، وسلطات الضبط القضائي. أغلب الدول تمنح جهاز الشرطة كسلطة ضبط إداري صلاحيات الحفاظ على النظام العام بعناصره المختلفة (الأمن العام، السكينة العامة، الصحة العامة، والأخلاق والآداب العامة)، وعادة ما تتضمن تشريعاتها هذه الصلاحيات العامة، ولا تتضمن تفصيلات إضافية في هذا الصدد. أما بالنسبة لصلاحيات جهاز الشرطة كسلطة ضبط قضائي، يلاحظ أن النظام القانوني الفلسطيني في هذا الصدد يتبنى النظام اللاتيني الذي يقيّد من الصلاحيات الممنوحة لجهاز الشرطة في التحقيق في الجرائم، ويجعل النيابة العامة الجهة الأصلية المختصة بذلك.

كما يشوب الجانب العملي، كثير من المشكلات، أهمها قيام جهاز الشرطة بصلاحيات واسعة في التحقيق في الجرائم أكثر مما هو مرسوم لها في القانون، وذلك بسبب ضعف النيابة العامة في ممارسة الدور المنوط بها بموجب القانون. إضافة إلى أنه لا يوجد لدى أفراد الضبط القضائي إدراك مشترك لحدود الصلاحيات والمهام المنوطة بها بموجب القانون في مجال التحقيق بالجرائم.

بغرض تجاوز السلبيات المحيطة بعمل جهاز الشرطة في الجانبين الإداري والقضائي نوصي بما يلي:

1. ضرورة وضع التشريعات التي تحكم عمل جهاز الشرطة كسلطة ضبط إداري، تحدد الصلاحيات المنوطة به، وتنظم علاقته بغيره من الأجهزة الأمنية في مجال حفظ النظام والأمن العاميين.

2. ضرورة وضع التشريعات الأساسية والثانوية التي توضح لمأموري الضبط القضائي في جهاز الشرطة القضايا المختلفة المتعلقة بممارسة صلاحياتهم، وبخاصة الشروط والإجراءات المتعلقة بتفويض النيابة العامة لمأموري الضبط القضائي في التحقيق بالجرائم، وإجراءات منح ضباط الشرطة صفة الضبط القضائي والجهات المخوّلة بذلك.

3. ضرورة تفعيل دور النيابة العامة في التحقيق بالجرائم، وملاحقة المجرمين من جهة، والحد من الدور الممارس من قبل مأموري الضبط القضائي من جهة أخرى، وذلك عملا بالصلاحيات المحددة في قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني.

4. ضرورة تفعيل دور النيابة في الإشراف على مأموري الضبط القضائي في مجال التحقيق بالجرائم.

5. بغرض التغلب على المشكلات المتعلقة بمحدودية الصلاحيات المنوطة بجهاز الشرطة في التحقيق بالجرائم من جهة، وإرتفاع عدد أفراد الشرطة الذين يتمتعون بصفة الضابطة القضائية بالمقارنة مع وكلاء النيابة من جهة أخرى، فإنه من الضروري البحث جديا في زيادة صلاحيات جهاز الشرطة في التحقيق بالجرائم وملاحقة المجرمين، والإستفادة من مزايا النظام الإتهامي الذي يعطي صلاحيات أوسع لجهاز الشرطة في التحقيق بالجرائم، والحد من سلبيات النظام التنقيبي، الذي يأخذ به قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني، ويحد من صلاحيات هذا الجهاز في ملاحقة المجرمين والتحقيق معهم.

6. بغرض توحيد وتعميق الفهم في قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني بين الجهات المختلفة العاملة على تطبيق أحكامه من ناحية، وتوضيح الصلاحيات المنوطة بكل منها من ناحية أخرى، فإنه من الضروري عقد دورات تدريبية لأفراد جهاز الشرطة المتمتعين بصفة الضابطة القضائية ووكلاء النيابة العامة، وتعريفهم بحدود الصلاحيات المنوطة بكل منهم في التحقيق بالجرائم.

7. ضرورة تضمين قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني حكم عام، يشير إلى بطلان الإجراءات المتخذة في التحقيق بالجرائم، إذا لم تراع الأسس المحددة في القانون.

8. حتى لا يفلت المجرمون من العقاب أمام القضاء، نتيجة لعدم قانونية عمل معين من أعمال التحقيق، فإنه من الضروري إحترام الأسس القانونية المحددة لصلاحيات الجهات المختلفة في التحقيق بالجرائم، بحسب المنصوص عليه في قانون الإجراءات الجزائية.

9. ضرورة وقف إجراءات التحقيق في الجرائم من قبل الجهات الأمنية التي لا تتمتع بصفة الضابطة القضائية.

في الختام، لا تكفي القوانين وحدها من أجل إصلاح خلل قائم، وإنما لا بد من توفر إرادة حقيقية ونوايا حسنة في تطبيق تلك القوانين.

http://www.miftah.org