عملية من اجل العملية
بقلم: الوف بن
2007/9/6

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=7785

كل شيء سياسي، يقول منتقدو رئيس الوزراء. حسب اعتقادهم المباحثات التي يُجريها اهود اولمرت مع محمود عباس ترمي فقط للحفاظ على بقائه في الحكم. اريئيل شارون صرح بأنه سينسحب من غزة – فاستمتع باعلام مؤيد وأُغلقت ملفاته في النيابة العامة وحافظ على تحالفه مع حزب العمل. اولمرت يحاول السير في أعقابه؛ هو ايضا يريد أن يصبح منيعا يتمتع بالحصانة. ولكن المشكلة هي أن كل شيء عنده كلام بكلام: هو ضعيف ومحمود عباس ضعيف، وحتى اذا توصل الاثنان الى اتفاق فسيكون عديم القيمة.

اذا كانت هذه الانتقادات مبررة فهي جيدة بالنسبة لاولمرت. من الجيد أن لديه مصلحة سياسية في المباحثات مع رئيس السلطة الفلسطينية – ذلك لانه لو لم يكن الامر على هذا النحو لما أجراها. لو أن اولمرت قدّر بأن المباحثات ضارة لمكانته الداخلية لتمسك بالجمود السياسي وبادعاءات "اللاشريك" التي ورثها عن أسلافه شارون واهود براك. الائتلاف والجمهور كانوا سيدعمونه وكان ليتمكن من صد ضغوط رايس بطريقة ما. اختيار اهود اولمرت للعملية السياسية يدلل على أنه بعد سنوات كامب ديفيد والانتفاضة السبع السيئة هناك نهضة وقيمة سياسية للتسوية مع الفلسطينيين.

مشكلة اولمرت هي أن قراره اجراء المباحثات مع محمود عباس أو موافقته على التفاوض حول "مسائل اللباب" ليست كافية – الحدود الدائمة، القدس واللاجئين – التي خشي منها في الماضي، ليست كافية. وحتى اذا توجه الى مؤتمر واشنطن من دون أن تكون هناك عمليات وحقق اتفاق مبادىء معقول مع عباس، وحتى اذا جاء السعوديون للمشاركة في اللقاء على مستوى عالٍ، فان المسار الذي اختاره مليء بالألغام الخطيرة.

اللغم الاول هو التحديد المُبهم لأهداف المفاوضات. عندما توجه اولمرت الى سدة الحكم حدد هدفا واضحا: الانسحاب من المناطق من اجل الحفاظ على الاغلبية اليهودية في اسرائيل. الآن هو يتجنب مثل هذه التصريحات. مباحثاته مع عباس على حد قوله، واللقاء المزمع في واشنطن، هي في أقصى الاحوال مقدمة لمفاوضات اخرى أكثر تفصيلا حول حل الدولتين. دعوة السعوديين تهدف الى توفير الدعم والتأييد لعباس الضعيف.

مثل هذه التصريحات تثير الشبهات بأن العملية تهدف فقط للابراز بأن هناك عملية، وأن لدى اولمرت خطة واضحة لليوم التالي لانعقاد المؤتمر الدولي في تشرين الثاني. الخطر هو أن تغرق المباحثات بعد الحدث الحافل والتصريحات الدافئة في المؤتمر، في حالة اكتئابية وتجد صعوبة في التحليق من فوق الأوجاع اليومية المتمثلة بصواريخ القسام والحواجز والمشكلات الداخلية. التوقعات الكبيرة ستتحول الى خيبات أمل، وسيتبرهن مرة اخرى انه لا يوجد من يمكن التفاوض معه أو ما يمكن التفاوض حوله ويزداد خطر اندلاع الانتفاضة الثالثة.

اللغم الثاني هو ضعف محمود عباس. القائد الفلسطيني يخشى حتى من تحمل المسؤولية عن عدد من المدن في الضفة الغربية. كيف يمكنه أن يُقيم دولة وأن يفرض النظام والأمن في مثل هذه الحالة؟ حسب تصور اولمرت ورايس الاتفاق سيُظهر للفلسطينيين "أفقا سياسيا"، وعباس سيطرح هذا الأفق في الانتخابات فيحظى بتفويض جديد من الشعب الفلسطيني. ولكن عباس فاز في الانتخابات في الماضي ايضا، ولم يحوله ذلك الى زعيم قوي. حتى اذا أقنع ناخبيه بتأييد الاتفاق فسيجد صعوبة في تنفيذه، وسيكون بامكان حماس أن تدعي: لقد قلنا لكم. مخاوف اولمرت بأن يكون "اتفاق البسطة" مع عباس فقط خط بداية لتنازلات اخرى ستُطلب من اسرائيل وقد تتحقق.

اللغم الثالث هو هامش المناورة الضئيل جدا لدى المفاوضين. خطة كلينتون للتسوية الدائمة من عام 2000 ترسخت في الذهن العالمي كحل معقول للصراع الاسرائيلي الفلسطيني. اولمرت وعباس لا يستطيعان الحياد عنها حتى لا يُتهم كل منهما بتقديم تنازلات مفرطة للجانب الآخر ويُزاح عن الحكم. وبما انهما لا يستطيعان ايضا تنفيذها، فجهودهما الحقيقية ستتمركز حول ايجاد منافذ للفرار والتملص من القرارات الحاسمة الصعبة فعلا. هذه خلفية محاولات اولمرت تقليل حجم اتفاق المبادىء وحصره في صفحة واحدة عمومية وتصريحه بأن التنفيذ سيتم وفقا لـ "خريطة الطريق"؛ أي على مراحل طويلة ومليئة بالعوائق والصدامات.

اذا كان اولمرت يريد أن تترجم مصلحته السياسية ايضا الى جدوى سياسية فعليه أن يفكر جيدا باليوم التالي لمؤتمر واشنطن. من الأجدر أن يسأل شمعون بيرس وبراك ما الذي يحدث عندما تنهار التوقعات الجميلة. صورة مع أمير سعودي في الجلابية البيضاء ستكون انجازا دبلوماسيا جميلا لاولمرت، إلا أن النتائج السياسية ستتحدد في الضفة وغزة وليس على العشب الاخضر في واشنطن.

http://www.miftah.org