مفتاح
2024 . الثلاثاء 23 ، نيسان
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
منذ وقوع أحداث منتصف حزيران (يونيو) 2007 وسيطرة حركة «حماس» على قطاع غزة ونحن أمام مشكلة متعددة الجوانب تصل في صعوبتها وتعقيدها إلى حدّ المأساة التي يدفع ثمنها سكان القطاع من أبناء الشعب الفلسطيني الباسل، ونودّ أن نوضح بداية أننا نقف مع الشعب الفلسطيني كله ونرى أن أشقاءنا في حركة «حماس» مثلما هم في حركة «فتح» جزء لا يتجزأ من النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، وإن كان لكلٍ أسلوبه وطريقته.

فالحركات المعاصرة للتحرر الوطني عرفت الاختلاف بل الانقسام، ولكن ذلك كله ظل في إطار الوحدة الوطنية الكاملة حتى يوم تحقيق التحرّر وإعلان الاستقلال، عندها يصبح من حق الأفكار أن تتصارع، والأحزاب أن تتناحر، بل والمصالح أن تتضارب.

أما أن يحدث ذلك كله وحرب التحرير ما زالت قائمة والحقوق ما زالت ضائعة والأرض ما زالت محتلة فذلك ما لا أفهمه، لذلك أودّ أن أسجل هنا عدداً من الملاحظات التي تتصل بما جرى وما يجري في قطاع غزة، وذلك من خلال النقاط التالية:

1- إننا نرحّب بالاختلافات مهما كانت ما دام الجميع يقف على أرضيَّة واحدة هي الأرضية الوطنية، لأن الاختلاف هنا يصبح اجتهاداً لا خوف منه ولا ضرر معه شريطة أن تتوقف لغة التخوين والتشكيك والاتهامات المتبادلة، لأن الكل في هذه الحالة يكون في قارب واحد هو قارب الوطن الذي ينتمي إليه الجميع ويسعى الكل لتحريره واستقلاله وسيادته.

2- إن لدى الكثيرين بعض التحفظ على مشروع حركة «حماس» وأجندتها السياسية، ذلك أنهم قلقون من استخدام الدين كأداة للكفاح المسلح وخلفية للنضال الوطني، فالمخزون الحضاري المستمد من تاريخنا الإسلامي والعربي لا غبار عليه، بل هو مطلوبٌ لكي يقدم لنا المدد الدائم من الفكر والرؤية، أما أن يكون مصدراً للمغالاة والشطط والتقوقع ومبرراً لضرب الوحدة الوطنية الفلسطينية تحت شعاراتٍ نظرية فذلك ما نتخوف منه. إننا لا نرى أن من حق الفلسطيني أن يرفع علماً فوق علمه الوطني أو يردد شعاراً لا يخدم المرحلة ويخلط الكفاح المسلح باتهاماتٍ باطلة تطلقها إسرائيل دولة الإرهاب وصاحبة إرهاب الدولة.

3- قلنا ونقول إن استخدام الدين في السياسة، وحتى في الحركات الوطنية، يمكن أن يكون مبرراً لضياع الحقوق والجور على الأعمدة الراسخة التي تستند إليها الأرضية الوطنية، ويكفي أن نتذكر هنا - على سبيل المثال - أن قضية القدس يجب معالجتها في إطار سياسي لأن الأمر في هذه الحالة يعتمد على حقائق ثابتة وقراراتٍ مؤكدة، مثل القرارين 242 و 338 الصادرين عن الأمم المتحدة في شأن الأراضي التي احتلتها إسرائيل منذ الخامس من حزيران العام 1967، أما إذا ركزنا على الدعاوى الدينية والمطالب الروحية في هذا الشأن، فنحن نكون أمام اختلافات متشددة بين أصحاب الديانات بدلاً من أن نمتلك دفوعاً قوية تنطلق من أرضيةٍ وطنية لا يختلف عليها اثنان، ولا يعني ذلك حرماننا من أن نضيف بعد دفوعنا السياسية شيئاً من حججنا الدينية باعتبار أن القدس هي مسرى نبي الإسلام وأن المسجد الأقصى هو أولى القبلتين وثالث الحرمين.

4- لقد ترددت قصصٌ كثيرة حول انقلاب حركة «حماس» على السلطة الفلسطينية وترددت معلوماتٌ حول القسوة غير المسبوقة التي مارسها فلسطينيون على فلسطينيين آخرين، وهو أمرٌ يثير الألم ويستدعي الحزن، فالاقتتال الفلسطيني الفلسطيني هو ذروة المأساة وقمّة التردّي في تاريخ القضية الفلسطينية على الإطلاق.

ولقد أتيح لي أن ألتقي الرئيس أبو مازن وهو صديق قديم منذ سنوات عملي في مؤسسة الرئاسة المصرية، حيث كنت ألتقيه كلما جاء زائراً مع أبو عمار، كذلك التقيت أيضاً الصديق الأستاذ خالد مشعل - وهو يملك شخصيةً لطيفةً مؤثرة لا تخلو من «كاريزما» سياسية - واستمعت إلى الطرفين وتيقّنت أن الخلاف ليس مجرد وجهات نظرٍ متباينة سياسياً، ولكن الأمر يصل إلى حد الاختلاف بين أجندتين متعارضتين عقائدياً، حتى أنني استمعت ذات يوم إلى مسؤول من حركة «حماس» يتحدث عن «الدولة الإسلامية» من دون الإشارة إلى «الدولة المدنية» التي تحتمي بسيادة القانون وترفع علم فلسطين فوق أرضها السليبة ولا ترضى عن ذلك بديلاً، كما برزت مسألة معبر رفح منذ أحداث حزيران 2007 لأن السلطة الشرعية الفلسطينية رفعت يدها عن هذه المسألة وتركتها لحركة «حماس» التي تحكم القطاع ولكن سند شرعيتها الدولية لا يسمح بأن تكون هي سلطة إدارة المعابر وفقاً لاتفاقية ملزمة بشأن إدارة المعبر وتحديد المسؤولية عنه بدلاً من إلقاء اللائمة على الطرف المصري بسبب وبغير سبب.

5- ليس سرًا أن مصر دولة الجوار المباشر والحدود المشتركة مع قطاع غزة والتي تحملت مسؤولية إدارة القطاع في فترة ما بين النكبة والنكسة (1948 - 1967) تشعر بقلق حقيقي لأنها تدرك أن المخطط الإسرائيلي يسعى بالدرجة الأولى إلى تصدير مشكلة القطاع إليها، بل أن هناك وثائق إسرائيلية تتحدث عن أطماع في سيناء ورغبة في دفع سكان غزة المكتظة بأهلها نحو الصحراء المصرية الخالية، وذلك مخطط خبيث يسعى إلى تفريغ الأرض الفلسطينية من شعبها وتحويله إلى شعب من اللاجئين على أرض الغير، ولقد فطن الجميع إلى ضراوة هذا المخطط، بل إنني أتذكر أنني دعيت لمؤتمرٍ في ضاحية لإحدى العواصم العربية ويومها وقف مسؤول إسرائيلي عسكري سابق يتحدث بصلافة وبشكل مكشوف عن أطماع إسرائيل في أرض سيناء ورغبتها الخفية وأطماعها المكتومة في أرض هي جزء لا يتجزأ من الخريطة المصرية منذ ما قبل التاريخ خصوصاً أن مصر قبلت التحكيم الدولي لما يزيد على خمس سنوات حتى استردّت كيلومتراً مربعاً واحداً من ترابها الوطني في منطقة طابا، أما أن تتصور إسرائيل أنها ستصدِّر المشكلة إلى مصر لتغتصب هي أرض الآخرين فذلك أمر مستحيل المنال.

ولقد تحدثت إلى ديبلوماسي أميركي رفيع الشأن أثناء زيارة أخيرة لواشنطن، وفاجأني الرجل بعفوية غير محسوبة برغبتهم فى استعادة مصر لإدارة القطاع، لأن إسرائيل تريد إذا تحدثت بشأنه أن يكون الحديث مع مصر، وليس مع الفلسطينيين أو حركة «حماس» تحديداً.

وعلى الجانب الآخر فإن الضفة الغربية مرشحةٌ - وفقاً للمخطط الإسرائيلي - كي تكون تحت السيطرة الأردنية، ويكون الاحتكاك عند اللزوم بين إسرائيل والأردن تفادياً للتعامل المباشر مع الفلسطينيين والاكتفاء بمسؤولية الأردن كدولة مستقرة تبارك مسيرة السلام وتمضي إليه.

6- إن المعاناة القاسية التي يعيشها سكان قطاع غزة ستظل وصمة عار في الجبين العربي والإنساني لأن وضع قرابة مليوني نسمة تحت الحصار الكامل وتطبيق العقاب الجماعي عليهم هو أمر غير مسبوق في تاريخ الاحتلال الأجنبي، ولكنها الدولة العبرية التي تفوّقت دائماً في الإرهاب والترويع والحصار والاستيطان والعدوان والتوسع، وقد يقول قائل إن الانظمة العربية تتحمل جزءاً من المسؤولية ولكنني أرى أن المسؤولية الأكبر - والتالية لمسؤولية إسرائيل - هي مسؤولية الفلسطينيين أنفسهم الذين قبلوا مؤامرة التفكيك وجريمة الانقسام وفوضى التشرذم حتى كانت النتيجة أن القضية الفلسطينية بعدالتها المعروفة وتاريخها النضالي تكاد تدخل بوابة التصفية بسبب التصرفات غير المسؤولة للقيادات الفلسطينية بغير استثناء!

7- ان الإدارة الأميركية الجديدة ستكون غارقة حتى أذنيها في مشاكلها الداخلية والأزمة المالية العالمية على نحو لا يدعو إلى التفاؤل باهتمام قريب بالصراع العربي - الإسرائيلي أو القضية الفلسطينية، وهو ما يجعل مأساة غزة واحدة من قضايا العصر المنسيّة والتي تعوّد الناس على أخبار آلامها في الفضائيات والصحف حتى أصبحوا يظهرون الحزن العميق ويتأملون أبعاد المأساة لبضع دقائق يلعنون فيها إسرائيل سراً وعلانية ثم ينصرفون إلى أعمالهم العادية!

8- إن الحل الوحيد وأكرّر الوحيد للخروج من مأزق غزة لا يكون إلا بالتحام الشعب الفلسطيني بكل طوائفه واتجاهاته مهما كانت الاختلافات حتى ولو كانت أيديولوجية، لأن قيام الدولة الفلسطينية هدف قومي لا يعلو عليه هدف آخر ولا يمكن أن يظل الفلسطينيون محصورين في إطار الصراعات الشخصية والزعامات التي اختزلت الهوية الفلسطينية في ذاتها وحكمت على السواد الأعظم من ذلك الشعب المقهور بأن يكون هو وحده وقود الممارسات الدامية لسلطة الاحتلال وإرهاب الدولة العبرية.

9- إن حركات التحرير عبر التاريخ كله لم تقبل وصايا قوى أجنبية أو أجندات أطراف خارجية تتحكم فيها خلال فترة النضال الوطني لأن ذلك يفقدها استقلالية القرار ويسمح باختراق صفوفها على نحو يضرّ بالغاية النضالية التي يسعى إليها الكفاح المسلح أو الحل السياسي معاً، كما أن الانتهازية السياسية لا مكان لها في حركات التحرر الوطني، لذلك فإن إدانة بعض قيادات «فتح» للانتفاضة واستخدام سلاح المقاومة يبدوان أمراً غريباً كما أن دخول حركة «حماس» إلى الانتخابات العامة التي حددتها صيغة أوسلو والتي لا تؤمن بها الحركة هي أيضاً نوع من التناقض الذي لا يوحي بالثقة بقيادات العمل الوطني في فترة من أحرج فترات التاريخ القومي كله.

10- إننا نتذكر الآن زعامة أبي عمار الذي كان يمثل مظلة كاملة للشعب الفلسطيني كله - ومن دون استثناء - لذلك فإننا أن نتوقع رؤية أبي مازن كحكم بين المتصارعين وليس طرفاً في النزاع الجاري لأن الإرادة الموحدة للقيادة العليا للشعب الفلسطيني هي ألزم الأمور لمصلحته القريبة والبعيدة، وإذا كنا نرفض إدخال البعد الديني طرفاً يؤدي إلى الاقتتال وإراقة الدماء فإننا نرفض أيضاً العلاقات الدافئة مع حكام إسرائيل من جانب بعض القوى الفلسطينية على حساب الأشلاء والدماء والضحايا.

هذه قراءة شاملة لمأساة غزة وابنائها البواسل وهي تكشف عن محاولات الوقيعة بين الأطراف العربية من خلال محاولة افتعال مشكلة مصرية - فلسطينية بسبب الوضع في معبر رفح وهو أمر تسعى إليه إسرائيل وتصفّق لحدوثه لأنها لا تريد حلاً يعيد الأرض الفلسطينية لأصحابها ولا مانع لديها أن يكون الحل على حساب أرض جديدة لدولة مجاورة، ونحن لا نغفل عن أطماع إسرائيل في سيناء ورغبتها في دفع الفلسطينيين بعيداً عن أرضهم المحررة أو حقوقهم السليبة. إن مأساة غزة لن تنتهي من دون تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية ووجود إرادة عربية حرّة لا تكبّلها أجندات أجنبية ولا تقهرها ضغوط خارجية.

عن صحيفة الحياة اللندنية

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required