مفتاح
2024 . الثلاثاء 23 ، نيسان
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
إذا كان تحقيق المصلحة الوطنية العليا هو الذي يقود عمل الفصائل الفلسطينية المختلفة، حتى ولو تصارعت في ما بينها، فإن من المنطقي الافتراض أن تقوم بتسبيق السعي للتوصل إلى اتفاق في ما بينها لبلورة استراتيجية الحد الأدنى للعمل الفلسطيني المشترك خلال المرحلة المقبلة على قيام أي منها عقد “تفاهمات” أو “اتفاقات” مبعثرة مع سلطة الاحتلال “الإسرائيلي”. هذا ينطبق على مختلف الملفات المفتوحة مع “إسرائيل”، بما فيها ملف “التهدئة” و”المفاوضات”. أما إذا كانت المصلحة الفصائلية هي العليا، فإن السعي لتحقيق “اختراق” فصائلي منفرد مع “إسرائيل” يأخذ الأولوية، كونه سيوظف لاحقاً كوسيلة ضغط واستقواء بين الفصائل وعلى بعضها البعض. بالتالي، وعلى ضوء احتدام الصراع الفلسطيني الداخلي الناجم عن حالة الانقسام التي تهزّ الساحة الفلسطينية حالياً، علينا التساؤل عن الدوافع والمنطلقات التي تحكم تصرفات الفصائل المختلفة، هل هي تحقيق الصالح الفلسطيني العام أم الفئوي الخاص؟

بما أن الفصائل تتنافس في ما بينها، خصوصاً خلال هذه الأزمة الداخلية العاصفة، حول تمثيل الشعب وتحقيق مصالحه وتطلعاته، فإن عليها إثبات ذلك بالفعل وليس بالادعاء فقط. والإثبات العملي يتلخص بالشروع الفوري، ومن دون شروط يسبقا، بحوار جدّي ينهي الخلاف الداخلي ويوحّد الموقف الفلسطيني في مواجهة الاحتلال. فإنهاء الانقسام وتحقيق وحدة الصف الفلسطيني يجب أن يسبقا التوصل لتهدئة طرف فلسطيني مع “إسرائيل”، أو استمرار طرف فلسطيني آخر بالتفاوض معها، وذلك لأن استمرار تفتت الأطراف الفلسطينية وتفسّخ مساراتها ومطالبها يؤدي إلى إضعافها جميعاً أمام الموقف “الإسرائيلي” المركزي الموحّد. والمنطق الوطني لترتيب الأولويات الفلسطينية يجب أن يرتكز على بديهية أن الوحدة الداخلية هي التي تُحصّن وتقوّي الموقف الفلسطيني أمام “إسرائيل”، بينما يؤدي استمرار الانقسام إلى إضعاف هذا الموقف وتغذية الطموح “الإسرائيلي” بوأد القضية الوطنية للشعب الفلسطيني.

ولكن لكي يكون الحوار بنّاء ومثمراً ويؤدي إلى النتيجة الإيجابية المتوخاة فإن هناك منطلقات يجدر بجميع الفرقاء أخذها بالاعتبار.

أولاً: أنه لا إمكانية لإنهاء الانقسام إذا اعتقد كل طرف أن على الآخرين تقديم كامل التنازلات وتبني موقفه بالكامل. فهذا أمر لن يحدث ولن يتم إلغاء أطراف وبسط سيطرة كاملة لأطراف داخل الساحة السياسية الفلسطينية التي اشتهرت بتعددية كانت دائماً قادرة على الحفاظ على توازن القرار السياسي، وبالتالي على قوة ودينامية ومناعة الموقف الفلسطيني المواجِه دائماً لتحديات عظام. فالاختلاف أداة قوة، بينما الخلاف مصدر ضعف. لذلك على الأطراف أن تتجه إلى طاولة الحوار وهي جميعاً مستعدة لتقديم تنازلات كي تتوصل مع الآخرين إلى تحقيق الشراكة القائمة على التوصل إلى مقاربة خلاقة تمكنّ من تقليص الخلافات وتعظيم الاتفاقات، وذلك للتمكن من عقد ائتلاف. فالوحدة لا يمكن أن تتحقق من دون انسجام الحد الأدنى بين الأجندات الفئوية المختلفة والمتصارعة، والخروج باستراتيجية وطنية مرحلية موحدة.

ثانياً: ضرورة إقرار الطرف الفلسطيني الذي ما فتئ يعلن أن التفاوض هو الخيار الاستراتيجي الوحيد للفلسطينيين بأن المسار التفاوضي الذي اتُبّع منذ توقيع اتفاق أوسلو كان خاطئاً وضاراً بتحقيق هدف إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية. فلكونه بقي مساراً مفتوحاً غير محدد الفترة الزمنية، ولأنه قيّد القدرة الفلسطينية وكبّل إمكاناتها التفاوضية والضاغطة، ولم يلزم “إسرائيل” بوقف عملياتها الاستيطانية، بل جعلها تستفيد من اختلال موازين القوى لمصلحتها، فقد تحوّل هذا المسار إلى وسيلة تفرض بواسطتها “إسرائيل” اشتراطاتها المتنامية على السلطة الفلسطينية. بالمقابل، على الطرف الفلسطيني الذي يرفع شعار المقاومة الإقرار بأن اختزال مقاومة الاحتلال بأسلوب المقاومة المسلحة فقط، واستخدام هذا الأسلوب من دون أي تقنين أو حساب للاعتبارات المختلفة، هو أيضاً أمر خاطئ وضار بتحقيق هدف إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية. هذا لا يعني على الإطلاق ضرورة الالتزام الفلسطيني المسبق والدائم بإسقاط المقاومة المسلحة من جدول أعمال مقاومة الاحتلال. بل إن ما يعنيه ذلك هو أن المقاومة المسلحة، وهي إحدى الوسائل الأساسية المهمة لمقاومة الاحتلال، يجب أن تُستخدم بما يخدم تحقيق الهدف منها، وبالتالي ضمن رؤية وبرنامج سياسي واضحين ومحددين، ووفقا لتقدير حساب الجدوى.

ثالثاً: ضرورة أن يكون من الأهداف الاستراتيجية الفلسطينية في هذا الصراع المُعقّد مع عدو استيطاني إحلالي مقيم، وفي ظل اختلال واضح لمصلحته في معادلة موازين القوى، العمل على مراكمة الأصدقاء وتجنب صناعة الأعداء. فالتأييد الخارجي للقضية الفلسطينية هو مفتاح تعديل ميزان القوى لمصلحتها، طالما أن “إسرائيل” مدعومة ومحمّية رسمياً من أمريكا وحليفاتها الغربية. هذا التأييد لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال التشديد على إبراز عدالة القضية وأخلاقية النضال الفلسطيني وأحقية الشعب القابع تحت الاحتلال بتلقي الدعم الدولي، رسمياً وشعبياً. ويجب إدراك المحاولات “الإسرائيلية” المستمرة لربط النضال الفلسطيني المشروع بالإرهاب، والتشديد على استهداف المقاومة المسلحة للمدنيين، والسعي الدائم لإبراز التوازي بين الطرفين في الصراع كي تتحاشى “إسرائيل” تحمل التبعية الأخلاقية كقوة احتلال. لذلك يجب أن تركز الاستراتيجية الفلسطينية على عمل كل ما يلزم لتبديد هذه الصورة التي قاربت أن تصبح نمطية. ولكن هذا لا يعني على الإطلاق ضرورة الانصياع للاشتراطات التي تحاول القوى المؤيدة ل”إسرائيل” فرضها على الفلسطينيين، بل يعني استغلال كل إمكانية موجودة وفرصة متاحة لتوسيع دائرة التأييد لتحقيق الهدف الوطني المنشود بإنهاء الاحتلال وتحقيق الحرية والعودة والاستقلال.

ورابعاً: ضرورة ألا يكون منطلق ومرتكز الحوار منصباً على التوصل لحل الإشكالات المتعلقة بالإجراءات التي يُعتقد أنها الكفيلة بإنهاء الانقسام، ككيفية تشكيل حكومة موحدة على أرضية الوحدة الوطنية أو الاتفاق الوطني، وسبل إصلاح منظمة التحرير بمحاصصة جديدة تسمح للفصائل التي خارجها بالانضمام إليها، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية. إن هذه الإجراءات، مع أهميتها وضروريتها، تعتبر المخرجات وليس المدخلات للاتفاق على إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة السياسية للحركة الوطنية الفلسطينية. فالمدخل الأساس الذي يجب الاتفاق عليه هو البرنامج السياسي الذي سيحكم مسيرة العمل الفلسطيني خلال المرحلة المقبلة. إن تم الاتفاق على هذا البرنامج تصبح الإجراءات المذكورة مخرجات سهلة التحقق عندئذ. أما التوصل إلى اتفاق بشأن الإجراءات من دون الغطاء البرنامجي المُوحِّد والحامي لها فسيؤدي إلى انهيار وعودة سريعة للانقسام. ويجب أن يكون للجميع عبرة من الاتفاقات السابقة التي ركزّت في منطلقاتها على الاتفاق على الإجراءات، وليس على البرنامج السياسي، فانهارت تباعاً، وبسرعة.

إذا تم الأخذ بهذه المنطلقات، مع توفّر النوايا الايجابية والرغبة الصادقة والترفع عن المصالح الفئوية الضيقة، يصبح بالإمكان ردم الهوة بين الفرقاء والتوصل إلى اتفاق على برنامج سياسي ينهي الانقسام ويوحّد الجهد الفلسطيني في مواجهة الاحتلال. أما أهم معالم هذا البرنامج فتتمثل بضرورة ربط المقاومة المسلحة بعملية التسوية السياسية بطريقة تخدم هدف إنهاء الاحتلال. يتلخص ذلك بإعطاء مسار التسوية السياسية وفق حل الدولتين على حدود عام 1967 فرصة أخيرة من التفاوض المحدّد مسبقاً بفترة عام واحد، تتوقف خلاله المقاومة المسلحة.

على “إسرائيل”، كما على المجتمع الدولي، إثبات جديّة القبول بمبدأ التسوية واتخاذ مجموعة مهمة من الخطوات الحقيقية الملموسة لإنهاء الاحتلال، مثل وقف كامل النشاطات الاستيطانية والشروع بتفكيك الجدار وفتح المعابر وإزالة الحواجز العسكرية والبدء بشق الممر الآمن بين الضفة والقطاع. إن تبيّن للفلسطينيين، وبشكل لا يدع مجالاً للشك، جديّة “إسرائيل”، تُستكمل مسيرة التسوية السياسية ويحافظ على استمرار التهدئة. أما إن تبيّن العكس فيتوجب على الفلسطينيين إغلاق الباب تماماً على حل الدولتين، وإنهاء مسار التسوية السياسية، وانتهاج سبل أخرى لإنهاء الاحتلال منها إنهاء التهدئة، وإعادة النظر جذرياً باستمرار وجود السلطة الفلسطينية، والتوجه نحو إقامة الدولة الواحدة عوضاً عن الحل المرتكز على الدولتين.

بمثل هذا البرنامج تُفتح الخيارات على الفلسطينيين عوضاً عن إغلاقها في خيار لكل مسار: تفاوض مقابل مقاومة. في هذا البرنامج لا يوجد تعارض بين المقاومة المسلحة والمفاوضات، بل ترابط وظيفي مبرمج زمنياً يجمع بينهما في مقاربة تحقق الوفاق الداخلي من جهة، وتؤدي الغرض الوطني الاستراتيجي المتمثل بالتركيز على إنهاء الاحتلال، من جهة ثانية.

هذا هو المنطق الوطني لترتيب الأولويات الفلسطينية. هذا هو السبيل الذي يُخرج الوضع الفلسطيني من حالة الانقسام، وبنفس الوقت يركز كل الجهد على إنهاء الاحتلال. إن كانت الفصائل جادة في احترامها للمصلحة الوطنية الفلسطينية العليا، فعليها التوقف المباشر عمّا نشهده من مهاترات ومنابذات في وسائل الإعلام، والتوجه الفوري لطاولة الحوار.

لا يوجد مستفيد من استمرار حالة الانقسام والشرذمة الفلسطينية، والعربية، سوى “إسرائيل”.

عن صحيفة الخليج الاماراتية

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required