مفتاح
2024 . السبت 20 ، نيسان
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
إذا كانت إسرائيل طوال العقدين الماضيين لم تسهّل حلّ الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع، والذي استند إلى خياري المفاوضات والتسوية فقط، فمن غير المعقول توقّع أن تقوم بتسهيل هكذا حلّ في هذه الظروف.

ثمة ثلاثة عوامل خارجية ترجّح ذلك، أولها يكمن في أن إسرائيل ترى بأنها غير ملزمة، في هذه المرحلة، بتقديم "تنازلات" للفلسطينيين، فهي غير متيقّنة من المستقبل بعد الثورات العربية، فضلاً عن أن الوضع العربي منشغل عنها بثوراته، وصراعاته الداخلية، وليس ثمة ما يضغط عليها بهذا الشأن. وثانيها، أن الفلسطينيين ليسوا في حال حسنة، فهم منقسمون، وليس ثمة في أوضاعهم ما يرشّح التحوّل نحو مقاومة إسرائيل وسياساتها. وثالثها، أن الولايات المتحدة مشغولة اليوم في الانتخابات، وفي معالجة أزمتها الاقتصادية، فضلاً عن انشغالها في وضع أفغانستان والباكستان، كما بالتحولات الجارية في المنطقة العربية؛ ما يصرفها عن الضغط على إسرائيل لإنفاذ عملية التسوية.

ثمة ثلاثة عوامل داخلية، أيضاً، أولها، يتعلّق بتغيّر الوضع على الأرض في الضفة لناحية استشراء الأنشطة الاستيطانية وتزايد نفوذ المستوطنين، ما يصعّب قيام دولة فلسطينية ذات تواصل إقليمي، كما من إمكان إجلاء المستوطنين من أراضي الضفّة. وثانيها، يتعلّق بالتحولات السياسية والاجتماعية والثقافية الحاصلة في إسرائيل ذاتها تبعاً لازدياد نفوذ القوى اليمينية و"القومية" والدينية فيها، الأمر الذي يجعلها في هذه المرحلة أكثر يمينية وعنصرية ودينية واستعمارية من ذي قبل؛ وبديهي انه في ظلّ إسرائيل كهذه لا يمكن توقّع الذهاب نحو التسوية. أما ثالثها، فيتمثل بتنامي شعور لدى الإسرائيليين بأنهم يعيشون في نمط من الاحتلال المريح، بل والمربح، فليس ثمة ثمن لوجودهم الاستعماري والاستيطاني في الأراضي المحتلة، وحتى انه لم يعد ثمة احتكاك بينهم وبين الفلسطينيين، بنتيجة بناء الجدار الفاصل والأطواق الأمنية والطرق الالتفافية. وفوق ذلك فإن الوجود الإسرائيلي في الضفة بات وكأنه بمثابة استثمار مربح، مع استغلال الأراضي والمياه ومع اعتبار الضفة بمثابة سوق للسلع الإسرائيلية الاستهلاكية والخدمية؛ تقدّر ببضعة مليارات من الدولارات.

مع كل ذلك ثمة في إسرائيل من يدعو إلى الحذر من الاتكاء على هذا الوضع المخادع، لأنه بمثابة وضع مؤقّت ربما ينفجر في أية لحظة. هكذا يرى البعض بأن الثورات العربية تدقّ جرس الإنذار وتنبّه إسرائيل إلى ضرورة استغلال الوضع لفتح صفحة جديدة، تبدأ من إنهاء الاحتلال وحلّ الصراع مع الفلسطينيين. كما ثمة من يحذّر من المخاطر الناجمة عن استمرار السيطرة بالقوة على الفلسطينيين باعتبار أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى قيام واقع من دولة "ثنائية القومية"، تهدّد الطابع اليهودي للدولة الإسرائيلية.

طبعاً، ثمة وجهات نظر متطرّفة ترى أن ما يجري في العالم العربي يؤكّد أن إسرائيل ليست هي سبب الاضطراب في الشرق الأوسط، وان العطب في الواقع العربي هو نتاج الواقعين السياسي والاجتماعي، فيه. ووجهة النظر هذه ترى في الانسحاب من الأراضي المحتلة إضرارا بمكانة إسرائيل، وبصورتها كدولة رادعة، كما أن من شأنه أن يوهن الاجماعات الداخلية فيها.

اللافت انه في إطار وجهة النظر اليمينية والقومية المتطرفة هذه ثمة من يطرح إمكان البقاء في الضفة الغربية مع هضم الفلسطينيين فيها، عبر منحهم المواطنة الإسرائيلية في إطار دولة ديمقراطية "ثنائية القومية"، لكن على أساس سيادة طابعها كدولة يهودية، ما يوصم هذه الدعوات بصبغة العنصرية. ويبرز من أصحاب وجهة النظر هذه موشي ارينز (احد زعماء الليكود ووزير الدفاع سابقاً)، وروبي ريفلين (من زعماء ليكود ورئيس الكنيست حالياً).

وإلى جانب وجهات النظر تلك شهدت إسرائيل أخيرا بروز وجهات نظر جديدة تطالب بقيام إسرائيل بخطوات أحادية إزاء الفلسطينيين، أي بمعزل عن المفاوضات وعن عملية التسوية، على أساس أن هاتين استهلكتا، وان الزمن والوقائع والتطورات، ومواقف الطرفين، استنزفتهما.

وبحسب جلعاد شير وعامي أيالون فإن الوضع يفترض "بلورة صيغة جديدة للمسيرة السياسية... تستند إلى خطوات بناءة أحادية الجانب..: تجميد البناء شرقي الجدار الأمني والأحياء العربية في القدس.. مواصلة البناء في الكتل الاستيطانية وفي الأحياء اليهودية في منطقة القدس، تطبيق قانون الإخلاء الطوعي والتعويض للمستوطنين الذين يسكنون شرقي الجدار بحيث يتاح لهم الانتقال للسكن في نطاق الخط الأخضر وفي الكتل الاستيطانية من دون التوّصل إلى تسوية دائمة... من دون صلة بنشاط الطرف الآخر، عدم فعله أو قصوره". ("معاريف"، 12/3). أما آفي يسسخروف فيتحدث عن صيغة للتحرر من الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي قوامها إدارة الصراع بدل حله...عبر "الحفاظ على الوضع الراهن.. تعزيز الاقتصاد الفلسطيني، والتخفيف عن السكان، والتفضل على السلطة بإزالة الحواجز". ويتحدث يسخروف عن خطة سياسية أعدها نفتالي بانيت، المدير العام لمجلس "يشع" السابق مفادها أنه "مع عدم إمكانية حل الصراع أو ضم الضفة كما هي، فانه يجب على إسرائيل أن تضم من طرف واحد المنطقة (ج) وأن تمنح الـ 55 ألف فلسطيني الذين يسكنون في هذه المنطقة جنسية إسرائيلية كاملة". ("هآرتس"1/3).

وقبل أسابيع طرحت 100 شخصية إسرائيلية عسكرية وأمنية واقتصادية وأدبية بديلا للمفاوضات المباشرة تقوم على أساس "خطوات من طرف واحد: الفلسطينيون يكملون مسعاهم للحصول على اعتراف الأمم المتحدة بهم كدولة ويواصلون جهودهم على الأرض لبناء أسس الدولة الفلسطينية، وإسرائيل تبدأ بتنفيذ خطة لإزالة المستوطنات القائمة في قلب الضفة الغربية التي تمنع التواصل الجغرافي للدولة وتواصل البناء في الكتل الاستيطانية التي ستبقى جزءا من إسرائيل في ظل السلام، وسيحظى الفلسطينيون بتعويض عنها بأرض بنفس المساحة والقيمة. المهم أن لا يكون في الخطوات الأحادية الجانب أي مساس بأسس التسوية الختامية المعرفة". ويقف وراء هذا المشروع نحو 100 شخصية، بينها: رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق أمنون لفكين شاحاك، ورئيسا جهاز المخابرات العامة (الشاباك) السابقان عامي أيلون ويعقوب بيري، ورئيس جهاز المخابرات العسكرية الأسبق شلومو غازيت... والسياسية داليا رابين - فيلوسوف، ابنة رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين، ويائيل ديان ابنة الجنرال موشيه ديان، والأديبان ألف - بيت يهوشوع ورافي جدرون، وغيرهم. (الشرق الأوسط 18/2)

ولعل آري شبيط هو أكثر من أوضح هذه الفكرة فهو يرى بأن عملية السلام ماتت، لذا فإن "موت السلام القديم يوجب تفكيراً خلاقاً في سلام جديد. سلام لا يتحقق فورا بل على مراحل. سلام لا يكون نهائيا بل يكون جزئياً. سلام لا يكون قائما بالضرورة على اتفاقات موقع عليها. سلام يستخلص دروساً من فشل السلام القديم ويلائم نفسه مع الواقع التاريخي الجديد العاصف. لن يكون السلام الجديد سلام حلم. ولن يكون سلام نهاية الصراع بل لن يكون سلام نهاية الاحتلال. ولن يكون سلام أخوة وتقدم وقيم سامية".("هآرتس"، 9/2)

* كاتب وباحث فلسطيني يقيم في دمشق. - mkayali@scs-net.org

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required