مفتاح
2024 . الجمعة 29 ، آذار
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 


استمعت أخيراً لديبلوماسي أوروبي يقول إن مفتاح شخصية رئيس وزراء إسرائيل آرييل شارون هي أنه ليس محارباً فقط, ولكنه مزارع أيضاً, ولقد أدهشتني تلك الملاحظة ودفعتني إلى تأمل المسيرة التاريخية لرئيس الحكومة الإسرائيلية ومحطاتها المعروفة في حرب 84 و65 و76 و37 والتي توجت بتدبيره لمذبحة "صبرا وشاتيلا", لذلك فإن صفة المزارع حين تلحق بشارون فإنها تبدو - بالنسبة الي على الأقل - خارج السياق, فالزراعة حياة متجددة بينما الحرب معاناة ودمار وخراب, والزراعة استقرار ودعة بينما الحرب مأساة إنسانية يصل فيها كل طرف إلى ذروة جنوحه وعدائه, فإذا كان المقصود بأن "شارون" مزارع لمجرد ملكيته لمزرعة خاصة يدعو إليها من يقضي معه عطلة الاسبوع من السياسيين والعسكريين والصحافيين فلا بأس من ذلك التوصيف أما إذا اعتبرنا علاقة شارون بالزراعة هي تأكيد لشخصية مستقرة ونفسية هادئة فذلك أبعد ما يكون عن مجرد انعكاس لارتباط الزراعة به, فهي ثاني مهنة في تاريخ الإنسان وهي مهنة لم يتحمس لها اليهود كثيراً إلا مع قيام الدولة العبرية واستحداث التقنيات الجديدة في الري والاستنبات وبناء الصوب وتهجين الخضر والفواكه, والذي يعنينا نحن هنا هو أن نؤكد أن الرجل الذي تلطخت يداه بدماء الآلاف من الفلسطينيين والعرب والذي قاد بنفسه المذابح الدامية لم يتعلم شيئاً واحداً من حرفة الزراعة اللهم إلا النهم في اغتصاب أرض الغير والرغبة في هدم الديار واحتلال المواقع وتلك أعمال برع فيها السيد شارون وأبلى بلاء تاريخياً لا يسبقه فيه أحد, ويهمنا هنا أن نسجل بعض الملاحظات حول شخصية ذلك العسكري الإسرائيلي من واقع ممارساته السياسية وتصرفاته اليومية وأهدافه النهائية ونلخص تلك الملاحظات في النقاط الآتية:

- أولاً: إن التاريخ الشخصي للسيد شارون يعكس محنة من لا يعرفون في حياتهم وجوداً للآخر ولا يعترفون بالغير ويؤمنون بأن الأساليب الدموية والإجراءات التصفوية هي السبيل لإفساح الطريق والإطاحة بأصحاب الأرض وهو أمر يرتبط بالسجل العنيف لذلك الذي يحظى بتأييد الشعب الإسرائيلي ويتولى منذ سنوات رئاسة حكومته.

- ثانياً: إن الجانب السياسي في شخصية السيد شارون يحتاج إلى دراسة لأنه لا يرى الأمور البعيدة ولا تتجاوز نظرته حدود الانتقام اللحظي والثأر الشخصي فإذا كانت السياسة تملك من المرونة وأساليب إدارة الصراع ما يعطيها مكانة بين مهن التعامل على أعلى مستويات فإن السيد شارون يفتقد ذلك ولا يصل إليه, المفاوضات لديه تتمثل في شروط من طرف واحد, والحوار عنده مونولوج فردي لا ينتظر له صدى, وإيمانه بالإنسان وارتباطه بالحياة محدود للغاية.

- ثالثاً: إن الذين يقولون إن أصحاب الأهداف - مهما كانت درجة الجرم التي تحملها تلك الأهداف - من حقهم أن يلجأوا إلى كل الأساليب وأن يمارسوا أبشع صور الانتقام خصوصاً إذا كان الهدف هو إقامة وطن على أرض الغير وتحقيق غايات ليهود الشتات الذين يحاولون حل عقدتهم التاريخية بخلق عقدة لغيرهم, إنها باختصار محاولة إحلال المسألة الفلسطينية بديلاً للمسألة اليهودية.

- رابعاً: إن عرب 84 يتحملون قدراً كبيراً من وصول السيد شارون إلى الحكم لأن هناك من يقول أيضاً إن فوزه على باراك جاء بدعم غير مباشر من الانتفاضة وقيادة الرئيس الراحل عرفات حتى وصل شارون إلى الموقع الذي كان يحلم به وهو الجنرال المتقاعد الذي كادت تنحسر عنه الأضواء فإذا بالخوف الإسرائيلي يأتي به ضماناً لأمن مطلوب وحماية من إرهاب مزعوم.

- خامساً: عندما وصل شارون إلى رئاسة الوزارة الإسرائيلية بانتخاب مباشر من الشارع الإسرائيلي فإن البعض قد توقعوا - بحسن نية مفرطة - أن الرجل وهو يمر بمنتصف السبعينات من عمره سيسعى إلى تتويج تاريخه بعمل سياسي مقبول والتكفير عن خطاياه ببذل مجهود أكبر على طريق التسوية والاتجاه نحو السلام, وللأسف فإن ذلك لم يحدث وتفرغ الرجل في فرصته الأخيرة على المسرح السياسي للقتل والترويع والانتقام.

إن "شارون" ظاهرة سياسية تضع لديه صفة المحارب قبل صفة المزارع بكثير فهو المسؤول عن الهبوط بالمواجهة الفلسطينية - الإسرائيلية من مستواها السياسي إلى مستواها التقني والنزول من أبراج السلام إلى ساحات الأمن فبعد أن كنا نتحدث عن التسوية النهائية هبطنا إلى مستوى خطة "ميتشل" وتفاهمات "تينيت" وبذلك انتقلت المنطقة برمتها من أجواء السلام لتدق طبول الحرب وتعود إلى المربع رقم واحد, كما أنه هو أيضاً السيد شارون الذي أجهض كل محاولات الخروج من المأزق وأضاع كل الفرص لرؤية الضوء في نهاية النفق والآن قد أصبح الشرق الأوسط أمام فصل جديد من الصراع الطويل نتيجة المتغيرات التي نرصدها بنتائجها من خلال التطورات الآتية:

أ - لقد تردد حديث مستفيض في التحليلات السياسية والمقالات الصحافية والمقابلات التلفزيونية عن مرحلة جديدة في الشرق الأوسط برحيل "عرفات", ويهمني هنا أن أؤكد أن الذي يجب أن يتغير هو السياسة الإسرائيلية التي كانت تزعم دائماً وبدعم أميركي مطلق أن "عرفات" هو العقبة الأساسية أمام التسوية السلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين ولذلك فإننا عندما نتحدث عن فصل جديد من فصول السياسة وإدارة الصراع في الشرق الأوسط فإننا لا ندين عرفات أو مواقفه ولكننا نريد أن نبطل حجة طالما رددها شارون وزعمت وجودها الدوائر اليمينية المتطرفة في واشنطن.

ب - إن الجبهة الداخلية الفلسطينية التي ظلت متماسكة في كل المنعطفات يجب أن تظل كذلك في هذه الظروف الاستثنائية ولا يجب أن تصبح المواقع والمناصب قيداً على تماسك الصف الفلسطيني تنال منه أو تؤثر فيه والأمر متروك في النهاية للشارع الفلسطيني بكل فصائله - من دون استثناء - ونتوقع أن تسود درجة عالية من التفاهم بين كل القوى وأن يصبح القرار الفلسطيني واحداً رغم رحيل عرفات ونحن بهذه المناسبة لا نعول كثيراً على التنافس بين "أبي مازن" وغيره من القيادات فالكل يقف على أرضية وطنية فلسطينية لا سبيل للمساس بها.

ج - إن اللغة الجديدة التي تحدثت بها دمشق في الأسابيع الماضية لم تنل من ثبات موقفها ولم تختلف عن مبادئها ولكن الذي تغير هو اسلوب الخطاب السياسي في مواجهة إسرائيل والقصد من كل ذلك هو استثمار الظروف الإقليمية الجديدة في الضغط على القيادة الشارونية لكي تتحرك بجدية - ولو لمرة واحدة - نحو التسوية المطلوبة والسلام الحقيقي, ولقد استقبلت أوساط كثيرة الأسلوب السوري الجديد باهتمام بالغ على اعتبار أن "دمشق" فاعل رئيسي في الصراع العربي - الإسرائيلي.

د - إن مصر من جانبها اتجهت لتكثيف اتصالاتها بكل الأطراف فلسطينية وإسرائيلية وأميركية مع وضع معظم الأقطار العربية في الصورة مما يجري وليس يعني ذلك أن هناك تسوية اكتملت ملامحها أو صفقة تجمعت أطرافها ولكن الأمر الذي لا خلاف عليه هو أن هناك أفكاراً كثيرة يجري تداولها للخروج من المأزق وتعقب الضوء في نهاية النفق المظلم ولقد كانت مقايضة الجاسوس الدرزي الإسرائيلي عزام عزام بالشبان الستة المصريين محاولة لتلطيف الأجواء وخلق مناخ أفضل للحوار, وإن كنت لا أرى أن هناك مبرراً للتفاؤل الزائد فقد عودتنا إسرائيل ضرورة الحذر من إحباطاتها والتراجع عن التزاماتها والتلاعب في سياساتها.

هـ - إن المناخ الدولي بعد إعادة انتخاب الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش يعطي فرصة لبارقة أمل. فهذه الإدارة في فترة رئاستها الثانية هي التي التزمت من قبل بخارطة الطريق والعودة لحدود 5 حزيران (يونيو) 7691, وهي الإدارة التي تبنت مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة بقرار من مجلس الأمن وهي الإدارة التي أسمت الوجود الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة بمسمى "الاحتلال", لذلك فإننا نرى أن هناك فرصة مواتية لكي تحقق الإدارة الجمهورية الأميركية عملياً في إدارتها الثانية ما التزمت به نظرياً في فترة إدارتها الأولى.

... خلاصة القول إننا نريد أن نؤكد أن الأجواء الجديدة في الشرق الأوسط رغم ما تنشره من روح التفاؤل لدى البعض إلا أنها تستوجب الحذر الشديد لأن شارون المحارب هو الذي يحكم دائماً وليس شارون المزارع أبداً, كما أن السلام ثقافة وتنشئة وروح وهي أمور لم يعرفها ذلك الرجل في تاريخه السياسي والعسكري الطويل بل عرف العنف والدماء وإرهاب الدولة في كل مراحل حياته. - الحياة الجديدة –

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required